هوكشتاين “لم يفشل”… وساعة الحقيقة بعد رفح

 

طغى المشهد الميداني عند الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل أمس على المشهد الديبلوماسي الذي ردّد أصداء مهمة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة وموفده إلى لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين غداة مهمته المكوكية الأخيرة بين تل ابيب وبيروت. ذلك أن السخونة التصعيدية العالية التي استعادتها الجبهة لم تقتصر على المواجهات الميدانية بل انسحبت على الحرب الكلامية التي دارت رحاها مباشرة بين الجيش والمسؤولين في إسرائيل من جهة والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي بدا واضحاً أنه شاء توظيف الأثر القوي الذي تركته “صدمة” الشريط المصور “هدهد” فوق حيفا بالمضي في تهديد إسرائيل من مغبة شنها حربا شاملة على لبنان ملوحا باقتحام الجليل وبقتال “بلا سقوف او ضوابط”. كما أن إسرائيل في المقابل بدت كأنها أدرجت مقتل أربعة من مقاتلي “حزب الله” أمس في يوم واحد في اطار انتقامها من “الوحدة الجوية” للحزب.

مع ذلك، فان ضجيج التهديدات المتبادلة على وقع عودة السخونة إلى الواقع الميداني لم يحجب معطيات اكتسبت دلالات دقيقة حول الضغط الأميركي الكبير الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية مدعومة من كثير من الدول ذات الأدوار الإقليمية النافذة لمنع تفلت الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية بما يترجم التحذير الذي نقله هوكشتاين الى بيروت أول من امس. وبحسب أوساط ديبلوماسية واكبت الأجواء اللبنانية المتصلة بتحرك هوكشتاين، فإن المراجع الرسمية وتحديداً رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة كانا أمس في حال ترقب لاتصالات من هوكشتاين ليضع الجانب اللبناني في أجواء محادثاته “الاستلحاقية” التي أجراها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو مساء الثلاثاء بعدما عاد الى تل ابيب عقب زيارته لبيروت. وتشير هذه الأوساط إلى أن سخونة الوقائع الميدانية لا تعني أبداً أن مهمة هوكشتاين توقفت أو فرملت بل إن المعطيات تؤكد أنه ماضٍ فيها بلا تراجع بما يعكس ضمناً أنه وإن لم يحقق اختراقاً لجهة وقف النار والمواجهات على الجبهة اللبنانية، إلا أنه “لم يفشل” في مسعى إعادة ضبط الوضع الميداني على وقع “قواعد اشتباك” تمنع الحرب الكبيرة المفتوحة من الانفجار.

علماً أن الموفد الأميركي يمارس سياسة توزيع التحذيرات المتوازنة على إسرائيل في خطورة استدراجها لإيران في أي حرب محدودة او واسعة، وعلى لبنان في خطورة ترك “حزب الله” ينزلق به إلى حرب مدمرة. وقالت إن التقديرات الأكثر جدية بعد مهمة هوكشتاين الأخيرة تشير إلى أن “ساعة الحقيقة” بالنسبة إلى مصير الجبهة اللبنانية يرتبط بنهاية العملية الإسرائيلية الجارية في رفح التي أبلغت إسرائيل إلى هوكشتاين أنها اقتربت من نهايتها، إذ عندها ستتكشف حقيقة النيات والخطط لا سيما منها الإسرائيلية حيال وضع “الجبهة الشمالية” أي مع لبنان.

وكانت معلومات وزعت أمس، أشارت إلى أن هوكشتاين طمأن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى أن الأجواء إيجابية في ما يخص مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن والتي تتعلق بوقف إطلاق النار في غزة وأن دولة قطر تسعى بكل جهدها لإتمام الأمر. ولفتت المعطيات إلى أن هوكشتاين أكد أن الأمور تحت السيطرة وأن الأجواء ما زالت إيجابية في ما يخصّ الحرب بين لبنان وإسرائيل.

نصرالله

أما نصرالله، فأسهب في كلمته أمس في شرح طبيعة المواجهة، مهدداً إسرائيل ببنك أهداف يشملها كلها. واعتبر أن “المقاومة خلال 8 أشهر لم تكن تضرب عواميد بل تتبع استراتيجية الإعماء لا بل تصمّ أذنيّ العدو أيضاً”، وأكد أن “ما نشرناه البارحة من فيديو هو مقتطفات قصيرة ومُنتخبة من ساعات طويلة فوق حيفا ولدينا ساعات طويلة عن تصوير حيفا وما قبل حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا”.

وقال: “نحن قاتلنا بجزء من سلاحنا حتى الآن وحصلنا على أسلحة جديدة لن أقول ما هي وستظهر في الميدان ونحن نصنّع مسيّراتنا ولدينا عدد وفير منها، كما نصنّع في لبنان بعض أنواع الصواريخ التي نحتاج إليها”. وأضاف أن “لدينا القدرة البشرية الكافية والمتحفّزة والجاهزة، وهناك قوة بشرية للمقاومة لم يسبق لها مثيل، قطّعنا الـ100 ألف كثيراً”.

واكد نصرالله أن “العدو يعرف جيّداً أننا حضرنا أنفسنا لأصعب الأيام وهو يعرف جيداً ما ينتظره ولذلك كان مردوعاً من 9 أشهر ما حققناه في جبهتنا غير مسبوق في تاريخ الكيان، وهو يعرف أنه لن يكون هناك مكان في الكيان بمنأى عن مسيراتنا وصواريخنا، ليس قصفاً عشوائياً والدليل الهدهد. لدينا بنك أهداف حقيقي والقدرة على الوصول إلى الأهداف في الكيان … على العدو أن ينتظرنا جواً وبراً وبحراً وإذا فرضت الحرب على لبنان، فإن المقاومة ستقاتل بلا قواعد أو ضوابط أو أسقف”.

وأضاف “لدينا معلومات أن العدو يجري مناورات في قبرص في مناطق ومطارات قبرصية، وهو يعتبر أنّه في حال استهداف مطاراته سيستخدم المطارات والمرافق القبرصية، لذلك يجب أن تعلم الحكومة القبرصية أن فتح المطارات والقواعد القبرصية للحرب على لبنان، سنتعامل مع قبرص كأنها جزء من الحرب”.وأكد أن “الحل واضح، وقف النار في اليمن والعراق ولبنان حلّه وقف النار في غزة وفق الشروط الملائمة للمقاومة الفلسطينية”.

ورد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي على كلام نصرالله، وقال: “قدراتنا القوية لا يعرف العدو إلا القليل عنها ونعد حلولاً للتعامل مع قدرات حزب الله”. وأضاف: “حزب الله سيواجه قدراتنا القوية في الوقت المناسب”.

غارات

في غضون ذلك، تواصلت العمليات العسكرية جنوباً. وسجلت غارة بمسيرة على سيارة في بلدة الوزاني، ونجا السائق من الموت، بعدما رمى بنفسه خارجها. واستهدفت مسيّرة إسرائيلية بصاروخين ساحة بلدة ميس الجبل. وشن الطيران الحربي غـارة جوية استهدفت بلدة الطيبة وأخرى على بلدة العديسة. وأعلن الجيش الإسرائيلي “أننا قصفنا أهدافا عسكرية لـ”حزب الله” في منطقتي صور والخيام جنوب لبنان”.

وافادت القناة 12 الإسرائيلية أن “الهجوم على صور استهدف مستودع ذخيرة تابعاً للوحدة الجوية في “حزب الله” التي صوّرت حيفا”. وأغار الطيران الحربي على بلدة يارون في قضاء بنت جبيل، وأفادت المعلومات عن سقوط 3 قتلى من “الحزب” في الغارة. ونعى “حزب الله” كلاً من حسن محمد علي صعب “صادق” من بلدة يارون في جنوب لبنان، وجهاد أحمد حايك “حيدر” من بلدة عدشيت في جنوب لبنان، وحسن المجتبى يوسف أحمد من بلدة رشاف. كما نعى الحزب وهبي محمد إبراهيم “هادي” من بلدة كفركلا، ليرتفع عدد قتلاه أمس إلى 4 في الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان.

(النهار)