عصام فؤاد الخوري،كيف لكلماتٍ ميتةٍ أنْ تكتبك وأنت ما زلت حيًّا؟!

عصام فؤاد الخوري،
كيف لكلماتٍ ميتةٍ أنْ تكتبك وأنت ما زلت حيًّا؟!

بالله عليك همُسّْ لي-ولو بكلمةٍ-ما عساي أنْ أفعل لأُخفّف عبء الغياب الذي يسكنني منذ تركتني، منذ أن سكنت الصمت وتركته لي رفيقاً دائماً؟!

منذ فترة، جلستُ أكتبُ عنك، إليك…
وكأنّ الكلمات كانت تتثاقَل عليّ كمن يُحاول التقاط ظلٍّ في عتمةِ الليل…
أردتُ أن أعبّر، أن أصيغ بأحرفٍ عادية ما لم يكن، يوماً، عاديّاً في وجودك ولا في غيابك…
وكانت الذكرى الأولى لرحيلك تقترب، تطاردني دون هوادة…
كأنّها تصرّ أن تكشف لي هشاشتي، تُشعرني بضعفي، تذكّرني بعمق الفجوة التي تركتها في داخلي…
كتبتُ بعض الصفحات، ربما خمساً أو أكثر، محاولاً إخراج شيء مِن وجعي الذي يتآكلني ببطء…
طبعتها بحذر، وضعتُ كل كلمة كأنّي أحفر على الصخر، أُراجع الخطأ واللغة بعينك الحادّة التي لطالما علّمتني ألاّ أقبل إلا بالكمال؛ وأنت الذي أردتني، دوماً، صافي اللغة كما أردتني صافي الروح…

لكن حين جاء الصباح، وآن الأوان لنشرها، قرأتها مرةً ومرّتين…
وإذا بالكلمات، فجأة، تبدو شاحبة، باهتة كضوء شمسٍ خريفيةٍ…
كم بدت لي صغيرة، قاصرة، وكأنها مجرد حروف صامتة، غير قادرة على أن تحمل وجعي، ولا حتى جزءاً مِن حقيقة الغياب…
كيف لكلماتٍ ميتةٍ أنْ تكتبك وأنت ما زلت حيّاً؟!
خاب ظنّي بنفسي، وكأنّي خذلتك، خذلت كلّ ذلك النقاء الذي زرعته فيّ…
فمزّقت الأوراق واحدةً تلو الأخرى، ودفنتها في قمامة الصمت؛ محاولاً تطهير عجزي، ومحاولاً أنْ أنزع الألم مِن صدري…

الحقيقة؟
نعم، إنّيّ غير قادر حتى الآن على تقبُّل فكرة غيابك، فكرة أنك لست هنا لترشدني، أو حتى لتصحِّح لي أخطائي…
نعم، رحيلك لا يزال جرحاً مفتوحاً في روحي، أعمَق مِن كل كلمات اللغة التي علّمتني أن أنطقها بصدق ودقّة…
نعم، إنّها ليست جراحي وحسب إنّما مشاعر سائر أفراد العائلة وعاريفك…

سنة مضت وأنا ممزّقٌ بين الكفر والإيمان…
حوارات مجنونة دارت بيني وبين يسوع؛ ولكن ماذا ينفع؟ أنت رحلت الى الأبد…

ما زلتُ لا أتحمل الحديث عنك أمام الآخرين….
ما زلت أهرب مِن رحيلك، كمن يهرب مِن واقعه البارد بحثاً عن دفءٍ زائلٍ…
أهرب مِن الأمكنة التي تجمعني بأشيائك…
أهرب مِن زاوية إلى أخرى، مِن يومٍ إلى آخر، مِن ألمٍ صامتٍ إلى آخر أشدّ صمتاً…
أهرب منك ومِن الحديث عنك…
أهرب مِن صوتك الذي يتردد في ذهني…
أُحاول الهروب مِن تلك الذكريات، لكنّي كلما ابتعدت، أجد نفسي أقرب إليك…
ما هذا الهروب إلى الأمام الذي لا يَقودني إلى أي شيء، سوى إليك؟!
ما هذا الفراغ الذي تركته فيّ، فراغًا لا محدودًا، لا نهائيًا، لم أجد دواءً له بعد؟!

ربما أنا مُحْكَمٌ بالبحث عن الحقيقة حتى في عتمة هذا الحزن…
وأنا الآن محكومٌ بالبقاء هنا، في هذه المساحة مِن الحنين، عالقاً بين الأرض والسماء، أبحث عنك بين الكلمات وأعلم أنّي لن أجدك فيها…

“وكانت في حياتك لي عظاتٌ
وأنت اليوم أوعظُ منك حيّاً “

الحدث المنكوبة، في ٢٠٢٤/١١/١٠

عصام جورج الخوري