شبلي الملاط عن برنامج الرئيس التوافقي والأولويات الداخلية والدولية

شبلي الملاط كتب عن برنامج الرئيس التوافقي والأولويات الداخلية والدولية، فقال:
في أتون التهجير والقصف والإغتيال جاء الى لبنان هذا الأسبوع أملٌ بالنهوض الوطني الجامع الذي نصبو اليه منذ الفراغ الدستوري الذي أحاط بنا في صيف 2022.
هذا الأمل ينبع من التلاقي بين بعض الأفرقاء الأساسيين في مقاربتهم لرئاسة الجمهورية وعزمهم على التشاور لانتخاب رئيسٍ وفاقي يجتمع حوله الناس للخروج من الإعصار الذي نحن فيه.
استقرّ اللقاء الثلاثي بين الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي والأستاذ وليد جنبلاط على تشاور مكثّف فأعطت ملاقاة هذا الطرح من الدكتور سمير جعجع أملاً جدّيّاً بانتخاب رئيس للجمهورية على المستوى القيادي النيابي يرافقه مستوى شعبي وطني لانجاح المبادرة.
كانت مساهمتي المتواضعة تقديمَ هذا الطرح ثلاثة أشهر قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون الى وليد بك والى الدكتور جعجع ، وبعدهما الى الرئيس بري والى حزب الله وبعض النواب القدوة، وعلى نشاط مستمر لتحقيق قناعة راسخة بأن الوضع الدستوري وميزان القوى لا يصلح سوى بانتخاب رئيس تلاقٍ وتوافق وتسوية. الأمس عاد هذا الطرح في سياق ما وصفه سمير جعجع برؤيةٍ رئاسية استراتيجية للبلد.
قبل الحرب في غزة والكابوس الذي يعيشه لبنان اليوم كان أيُّ رئيسٍ للجمهورية أمام جللٍ من الصعوبات، المضاعفة اليوم بالحرب بعدما كانت أكثرها داخلية.
جبل الصعوبات الداخلية تكوّن في أزمة الطاقة المستشري فالإنهيار الاقتصادي فتفشّي الكورونا فتعطيل الرئاسة . وهو فراغ سدّة الرئاسة الذي يمنع البلاد من النهوض وطنياً في غياب الرمز الدستوري للوطن.
أما اليوم فلقد دخلنا في حرب ضروس تزيد هذا الجبل حاجزاً ضارياً باستمرار اسرائيل في القتل المبرح وتهجير آلاف اللبنانيين من ديارهم وبوادر اجتياحٍ واسع للوطن.
فبات يواجه أيُّ رئيس الانهيار الداخلي في الثقة الاقتصادية والإجتماعية وفي تعطيل المؤسسات بكمٍّ لا سَبْقَ له من المهجرين اللبنانيين في وطنهم بعد أن كان الوطن قد فتح ذراعه الى مدٍّ من الهجرة القصرية في فلسطين منذ قرنٍ تقريباً ومن سوريا على امتداد خمسة عشر عاماً.
هذا الجبل المضاعف من الصعوبات يواجهه الرئيس الجديد أياً كان، أنا أو غيري.
أما رؤيتي للتصدّي للكوارث فتبني الأولوية المطلقة على وقفٍ لإطلاق النار في لبنان. من الصعب أن نرى وقفاً لإطلاق النار قبل الانتخابات الأميركية لكنه من الضروري أن نرسيَ ملامحه ، ويكون بالإلتئام حول القرار 1701 كما يدعو اليه الجميع وتطبيقه كاملاً لمنع الجيش الإسرائيلي من احتلال الأراضي اللبنانية مجدداً.
على المستوى الإقليمي جاء قرار 2735 طالباً وقفاً لإطلاق النار والعمل على إعادة إعمار غزة وعلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة. منعت وتمنع الحكومة الإسرائيلية الحالية هذا القرار من التطبيق رغم أنها أدرجت موافقتها عليه وجاء بالإجماع بإرادة أميركية واضحة سمّيت آنذاك بخطة الرئيس الأميركي. مهما كان صعباً في الأسابيع والأشهر المقبلة تطبيق هذا القرار، هو وحده كفيلٌ بإعادة شيء من الاستقرار الى المنطقة.
وفي الداخل الوطني يجابه اللبنانيون اليوم ثلاثة كوارث ألمت بهم. الكارثة الأولى على مستوى ضرورات اليومية للعيش، بما فيها وقبل كلّ شيء الكهرباء على امتداد ثلاثة عقود. المشكلة الثانية نقدية اقتصادية نتجت عن إضاعة جلّ الناس ودائعهم في المصارف، فبناء القطاع المصرفي الخاص والمصرف المركزي من الأساس بات ضرورياً لإعادة الاموال الى اصحابها بالتدرّج. هذا يتمّ أيضاً بإحياء الثقة المواطنية والمعاملات التجارية والنقدية لإعادة لبنان على الساحة الاقتصادية العالمية بمعالم جديدة أساسها القانون والأخلاق. هذا كلّه يعني نظرة واقعية لإعادة عجلة الاقتصاد في خطةٍ متكاملة وطنياً تبدأ بإعادة الكهرباء واستخراج النفط واحياء المحاكم بما يعيد دولة القانون الى صلب الحياة اللبنانية اليومية.
أما موضوع المهجرين، فقد يكون أصعب العقبات أمام النهوض اللبناني. الأولوية هي للمهجرين اللبنانيين حتى يتمكنوا من العودة الى مدنهم وضيعهم في الجنوب وفي ضاحية بيروت . هذا يتطلب طبعاً وقفاً جدياً لإطلاق النار وانسحاب المحتلّ تحت رعاية الشرعية الدولية وحمايتها عسكرياً اذا لزم الأمر. ويشكّل ملف النازحين السوريين والفلسطينيين ملفاً صعباً لمِا يحتاج من تشاور إقليمي ودولي لبداية حلّه.
هذا كلّه يكوّن جبل المصاعب الذي يحتاج البلد الى تذليلها حول الرئيس الجديد. وهذا يتطلب أن يستمر الوفاق الذي يأتي بالرئيس الجديد مع الأفرقاء كافةً مدّةً كافيةً من الزمن لإعطاء الناس إحساساً وثقةً في مستقبل للبنان بجميع مواطنيه ومؤسساته.
هذا بالمختصر ما أراه رؤيا وطنية استراتيجية للبنان. أتمنى للرئاسة أياً كان رئيسُنا بدايةً جديدة تحتاج الى روحٍ مختلفة في تعاملنا الداخلي وفي طموحنا الإقليمي لإعادة لبنان رسالةً بهية لنا وللعالم.
هذا هو المطلوب من رئيسٍ توافقي في بعبدا.