الوجه الجديد للعدوان الإسرائيلي على لبنان بكل مفاجآته؟


عملية “سهام الشمال” كانت بهدف “التجزئة” من الجانب الإسرائيلي للفصل بين الحل في الجنوب وما يجري في غزة. وعليه فهل يمكن أن تكون آخر العمليات التدميرية والدموية في لبنان؟

تعدّدت المحاولات الإسرائيلية لتغيير وجه الحرب على لبنان وشكلها منذ اشهر عدة، إلى أن أسفرت عمّا نحن فيه من تحولات أعقبت مسلسل تفجيرات شبكتي النداء والتواصل اللاسلكية، وصولاً إلى الغارات الجوية الشاملة على مساحة لبنان. ولما تزامنت هذه المستجدات مع تزخيم برامج اغتيال القادة، تجدّد النقاش في مجموعة السيناريوهات المتوقعة التي تؤشر إلى خروج تل أبيب عن نطاق الضغوط الدولية وفرض “ستاتيكو” جديد. وهذه هي المؤشرات والدلائل.
قبل أن تكتمل دورة المفاجآت التي تسببت بها عمليات تفجير شبكتي “البيجر” والـ “ووكي توكي” وما انتهت اليه من نتائج كارثية على اكثر من مستوى، سرقت برامج اغتيال القادة التي لجأت إليها اسرائيل الأضواء من سابقاتها المتعددة الوجوه، وزادت منها العملية الجديدة التي أطلقتها تل أبيب تحت عنوان “سهام الشمال” إيذاناً باتخاذ الحرب على لبنان منحى جديداً ومتحولاً، غيّر النظرة إلى الحلول الممكنة وأسقط عدداً من المشاريع التي تمّ التشاور في شأنها على مدى الأشهر الإحدى عشرة التي عبرت بلا نتيجة عملية. كذلك عكست أبعاداً لم تكن محتسبة قبلاً لدى أكثر من طرف، ولا سيما أولئك الذين أطلقوا مسلسل الحروب السابقة التي تلت عمليتي “طوفان الأقصى” و”الإلهاء والإسناد” وما بينهما عملية “السيوف الحديدية” التي “علّقت” إسرائيل العمل بها موقتاً، على خلفية التفرّغ للحرب في لبنان، بمعزل عمّا رافقها جميعها من معارك متفرقة.
واستناداً الى ما تقدّم، قالت مراجع ديبلوماسية وعسكرية تراقب ما يجري بعيون محايدة، انّها لم تُفاجأ بما حصل، لا في شكله ولا في توقيته ولا في الاستراتيجية المعتمدة من الجانب الإسرائيلي، بعدما اتخذت الخطوات التمهيدية لها الأسلوب العسكري المعتمد في الحروب التقليدية. ذلك أنّ مسلسل المفاوضات الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية على اكثر من مستوى، ومعها المجموعات الخليجية والعربية والأوروبية التي شاركتها بعض البرامج المعتمدة لخفض التصعيد في غزة وعلى الساحات الملحقة بها، قد سقطت واحدة تلو اخرى، بأعذار واهية لم يكن مقدّراً أن تكون سبباً كافياً لتمديد فصولها طوال هذه الفترة، والتي اقتربت من ذكراها السنوية الاولى بعد اسبوعين تقريباً.
على هذه الخلفيات، تجهد المراجع عينها في تفسيرها لتطورات الأحداث بغية تقديم صورة واضحة عن الظروف التي قادت الى ما اتخذته هذه الحرب من محطات كان يمكن أن تؤمّن المخارج الممكنة لوقفها، فقرأت مسلسل التحولات التي عبّرت عن الوجوه الجديدة لها منذ أن أعلنت تل ابيب انّها “حرب وجودية”، رداً على اعتقاد “حماس” والفصائل الفلسطينية أنّ ما قامت به قد يكون آخر الحروب التي يمكن أن تخوضها للتحرّر واستعادة الحقوق الفلسطينية وإنهاء سبعة عقود ونصف العقد من الإضطهاد الذي يمارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني.
لم تقف حركة “حماس” في تحديد أهداف عمليتها عند حدود الإنتفاضة ضدّ قوات الإحتلال الإسرائيلي، واعتبرت في محطات عدة أنّ ما حصل عبّر بشكل من الأشكال عن مضيها في انقلابها على أداء السلطة الفلسطينية المتهمة بالتنسيق الأمني والاستخباري مع الاحتلال تجاه بقية الفصائل التي لم تنضو بعد تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، بعدما أبعدتها عن القطاع قبل 16 عاماً، أعقبت تحرير شماله من المستوطنات التي عُرفت بتجمّع “هوشي قطيف” الذي نقل سكانه إلى مستوطنات وكيبوتزات بُنيت لهم في غلاف القطاع إيذاناً بإخلاء الاحتلال له منذ العام 2005 اي قبل ثلاث سنوات على الانتخابات التشريعية التي انتهت بسيطرة “حماس” عليه، وإعلان حكومتها فيه خارج الأطر الشرعية للسلطة منذ العام 2008.
وبعيداً من هذه المعادلة التي كانت قائمة عشية 7 تشرين الاول الماضي، فقد تبدّلت الاهداف الاسرائيلية في قطاع غزة، فبعد تحرير غلاف القطاع من الفصائل الفلسطينية التي دخلتها في 7 تشرين الاول، سعت إلى تدمير “حماس” وتفكيك ألويتها الاربعة من اجل استعادة أسراها على مدى أكثر من 9 اشهر، قبل ان تشهر أمر سيطرتها على محور فيلادلفيا سبباً أساسياً لتمديد الحرب. فأعطت المعركة بعداً جديداً إثر فشل مخططها بالترانسفير الفلسطيني في اتجاه سيناء. ولما سُدّت في وجهها آفاق الحلول وتزايدت الضغوط الاميركية والدولية لوقف الحرب، جمّدت عملياتها العسكرية في غزة وانكفأت في عمليات انتقائية في اتجاه مخيمات الضفة الغربية ومدنها الكبرى العاصية عليها، قبل ان تتفرّغ للمواجهة مع لبنان، في محاولة لربط العمليات العسكرية كاملة، واعتبارها مواجهة واحدة تضمن لها البحث عن سلّة واحدة من الحلول.
فقد كان واضحاً انّ تل ابيب لم تقبل بأن تبقى ورقة الحدود الشمالية بيد “حزب الله” متحكماً لوحده بالوضع فيها، فيتوقف عن “الإلهاء والمساندة” بعد وقف النار في غزة، كما فعل إبان الهدن الانسانية الخمس، فقلبت تل ابيب الصورة وأعلنت الفصل من طرف واحد، بعدما سقطت مجموعة من الحلول الدولية للفصل بينهما. ولما نالت الضوء الأخضر انكفأت في اتجاه لبنان بعملية عنيفة غير مسبوقة، بدأت بتفكيك شبكات النداء والتواصل واستهداف القادة الميدانيين من الدائرة المقرّبة المحيطة بالأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مباشرة في الضاحية الجنوبية من بيروت، قبل أن تتمدّد في غاراتها التدميرية على مساحة لبنان في البقاع بكل أقضيته وفي قلب جبل لبنان ما بين جرود كسروان ووسط جبيل، مستهدفة مسؤولي الحزب فيهما بما لم يكن متوقعاً.
على هذه الصورة، بدأت ترتسم صورة الاستراتيجية الجديدة للعدوان الاسرائيلي على لبنان بكل مفاجآتها، مبنية على سلسلة خطوات أبرزها تجميد حرب غزة منعاً للوصول الى وقف النار، وتأجيل العمليات في الضفة الغربية لضرب لبنان، في عملية دموية وتدميرية يؤمل في أنّها لن تطول، في ظل المساعي الجارية لوقف للنار، يجري البحث فيه على أعلى المستويات في أروقة مجلس الامن الدولي، لوقفه وفتح الباب امام مجموعة الطروحات التي تمنع تحويل لبنان “غزة ثانية” كما حذّر العالم منه. وفي انتظار ان تكتمل هذه الدورة العسكرية، ما علينا سوى ترقّب الأحداث لحظة بلحظة حتى ساعة الصفر المنتظرة، لعلها تكون قريبة.

الجمهورية – جورج شاهين