مع أن الطابع الانتقامي لاغتيال إسرائيل أحد كبار القادة الميدانيين في “حزب الله” محمد نعمة ناصر طغى على الهجمات الصاروخية الكثيفة التي شنها الحزب لليوم الثاني أمس على عشرات المواقع العسكرية الإسرائيلية، فإن اليوم المتفجر هذا اكتسب أيضاً دلالات مثيرة لمزيد من القلق من احتمالات تفلت المواجهات من آخر حدود الضبط والتزام آخر الخطوط الحمر من جانب إسرائيل والحزب معاً. ولولا عامل محدد تزامن مع اليوم الميداني الناري المتفجر تمثل في المعلومات الإيجابية عن تحريك مفاوضات جديدة في شأن تسوية لتبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس” قد تحمل انفراجاً “مأمولا”، لكان الوضع المتفجر على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية قفز بصورة خطيرة الى واجهة المشهد الإقليمي برمته خصوصاً مع مسارعة “اذرع” إيرانية في المنطقة كبعض الفصائل العراقية الى دق نفير التطوع للحرب في لبنان ضد إسرائيل!
وفي انتظار نتائج المفاوضات الجديدة البادئة على جبهة حرب غزة، وما يمكن أن تفضي إليه، رصدت الأوساط اللبنانية بدقة المعطيات المتوافرة عن اللقاءات الأميركية- الفرنسية في باريس حول الوضع اللبناني. وأعلن مسؤول في البيت الأبيض أن مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن آموس هوكشتاين، التقى مسؤولين فرنسيين الأربعاء الماضي في باريس وناقش الجهود الفرنسية والأميركية لاستعادة الهدوء في الشرق الأوسط. وأضاف، “أن فرنسا والولايات المتحدة تشتركان في هدف حل الصراع الحالي عبر الخط الأزرق بالوسائل الديبلوماسية ما يسمح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى ديارهم مع ضمانات طويلة الأمد بالسلامة والأمن”، في إشارة إلى الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل.
“النهار” من باريس
وفي السياق، أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن التخوّف المشترك لدى كل من باريس وواشنطن حول إمكان قيام إسرائيل بشنّ حرب أوسع على لبنان واستمرار “حزب الله” بعدم الاقتناع بأن مثل هذا الاحتمال وارد بقوة، خيّم على المحادثات المعمّقة التي أجراها هوكشتاين في باريس في مقر الرئاسة الفرنسية ومع المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان الذي تناول معه أيضاً مسألة جمود أزمة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان. وقام هوكشتاين بزيارة الى باريس لتنسيق المواقف مع الجانب الفرنسي ووضعه في صورة اتصالاته الأخيرة في لبنان إسرائيل في ما يتعلق بمنع توسيع حرب غزة إلى لبنان، وذلك بعد القمة الاميركية- الفرنسية التي عقدت في باريس بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وجو بايدن الشهر الماضي. ويشارك هوكشتاين محاوريه الفرنسيين القلق من أن خطر توسيع الحرب إلى لبنان جدّي وزيارته الأخيرة إلى لبنان كانت بهدف الضغط على “حزب الله” بواسطة رئيس مجلس النواب نبيه بري لوقف القصف على إسرائيل.
والمعلومات التي لدى واشنطن وباريس أن جزءاً من القيادة العسكرية الإسرائيلية يريد الهجوم الواسع على لبنان وأن الراي العام الإسرائيلي يؤيد ذلك. أما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فخلال اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون به يوم الثلاثاء الماضي لم يكن موقفه واضحاً تماماً، إذ قال إنه مستعد للحل الديبلوماسي مع لبنان ولكن في الوقت نفسه يهدد بأنه اذا استمرّ “حزب الله” في المواجهات، فإن إسرائيل مستعدة لشنّ هجوم واسع.
وتعرب المصادر عن قلقها لأن جزءاً من الجيش يؤيد الحرب على لبنان وأيضاً وزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بيني غانتس، ويؤيدهم قسم من الكنيست. وتحاول واشنطن وباريس تنسيق الضغوط من أجل التهدئة على الجبهة اللبنانية. وما يقلق الجانبين الانطباع السائد لدى “حزب الله” من أن إسرائيل لن تهاجم لبنان وهذا خطأ خطير في التقدير.
وكان هوكشتاين حذر في بيروت من هذا الخطر الحقيقي وأن الولايات المتحدة لن تتراجع عن دعمها لإسرائيل. أما على صعيد انتخاب رئيس في لبنان، فالجمود والتعطيل ما زالا سيدا الموقف ولا جديد على هذا الصعيد.
وليس بعيداً من هذه الأجواء، أعرب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن قلق المملكة العربية السعودية من خطر توسّع الحرب في لبنان، لافتاً في تصريح إلى “أننا لا نرى أي افق سياسي”.
الانتقام الناري
أما في الميدان الجنوبي، فأشعل اغتيال إسرائيل للقائد العسكري في “حزب الله” محمد ناصر (أبو نعمة) الجبهة الجنوبية منذ صباح أمس، حيث مضى “حزب الله” في عمليات انتقامية لاغتياله وشن هجوماً مركّباً وكبيراً ضدّ المواقع الإسرائيلية في الجليل والجولان. وبحسب بيانات الحزب، فقد جرى إطلاق “أكثر من 200 صاروخ من مختلف الأنواع، استهدفت مقرّ قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة اييلايت، ومقرّ قيادة اللواء المدرع السابع في ثكنة كاتسافيا، ومقرّ قيادة كتيبة المدرعات التابع للواء السابع في ثكنة غاملا، ومقرّ قيادة الفرقة 210 (فرقة الجولان) في قاعدة نفح، ومقر فوج المدفعية التابع للفرقة 210 في ثكنة يردن”.
وهاجم “حزب الله” أيضاً 7 مواقع عسكرية “بسرب من المسيّرات الانقضاضية استهدفت مقرّ قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة اييلايت، ومقرّ قيادة اللواء المدرع السابع في ثكنة كاتسافيا، ومقر قيادة المنطقة الشمالية في قاعدة دادو، وقاعدة استخبارات المنطقة الشمالية ميشار، ومقرّ قيادة لواء حرمون 810 في ثكنة معاليه غولاني، والقاعدة الرئيسية الدائمة لفرقة 146 ايلانيا، ومقر لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا”.
هذا الهجوم الكبير والمركّب لـ”حزب الله”، استدعى إطلاق صفارات الإنذار في شمال إسرائيل وفي بلدات سهل الحولة ومستوطنات الجولان المحتل. وتسبّب الهجوم بحرائق في الجولان، كما سقطت شظايا صاروخ على سطح مركز تجاري في عكا. من جهتها، أفادت “القناة 12 الإسرائيلية” أنّ “سلاح الجو بدأ موجة واسعة من الهجمات على مواقع لحزب الله”. كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ “سلاح الجو بدأ يقصف منصات لإطلاق الصواريخ في الجنوب”.
وأشار إلى “اندلاع حرائق في مناطق عدة في الشمال جراء عمليات اعتراض صواريخ ومسيرات أطلقت من لبنان. وأعلن الجيش الإسرائيلي مقتل نائب قائد سرية في وحدة 8679 جراء سقوط صاروخ لـ”حزب الله” في منطقة الجولان. وأضاف: “خلال الهجوم أُصيب عدد من الجنود”. وأوضح أن الضابط يدعى إيتاي غاليا ويبلغ من العمر 38 عاماً وكان حارب في غزة قبل أن يُنقل إلى الشمال. كما سُجّلت إصابة مباشرة في عكا جراء سقوط شظايا صواريخ اعتراضية، إضافة إلى إصابة مباشرة لمبنيين في عكا وفي منطقة رجبا شمال عكا.
وشنّت الطائرات الإسرائيلية غارات مكثفة منها غارة على بلدةً الناقورة، فيما أغارت مسيّرة إسرائيلية بثلاثة صواريخ على حي المعاقب فوق الملعب في بلدة حولا أيضاً. وأُصيب المواطنان أحمد غانم وعلي الحاج جراء استهداف منزل الأول بقذيفة في أطراف كفرشوبا. وأُصيب غانم، وهو عضو مجلس بلدية كفرشوبا، بشظية في رأسه، والحاج بحروق في جسده وتضرر المنزل المؤلف من ثلاث طبقات.
ووسط دوي القصف زارت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب برئاسة النائب فادي علامة، وعضوية النواب بيار أبو عاصي، إبراهيم الموسوي، ناصر جابر وحيدر ناصر، المقر العام لقيادة “اليونيفيل” في الناقورة. ووصل الوفد النيابي، على وقع إطلاق صفارات الانذار التي دوت في المقر الدولي بعد سماع دوي انفجارات وقصف إسرائيلي عند الحدود. وكان في إستقباله القائد العام لـ”اليونيفيل” الجنرال أرلدو لاثارو والضباط الكبار الذي رحب بالوفد وعقد معه لقاءً مغلقاً عرض لدور ومهمات “اليونيفيل” في هذه الظروف، على أبواب التجديد لليونيفيل سنة جديدة.
وشدد النائب علامة على “أن لبنان لا يريد الحرب، يريد تنفيذ القرارات الدولية، وأن زيارتنا اليوم كلجنة للشؤون الخارجية والمغتربين في مجلس النواب ليست الأولى إلى الجنوب اللبناني للاجتماع بكم، ولكنها تأتي اليوم بالتزامن مع استمرارالاعتداءات الإسرائيلية على لبنان من جهة، ومن جهة أخرى مع استحقاق موعد التجديد لقوات اليونيفيل للاستمرار بأداء مهمتها الإنسانية العابرة للدول والمحلقة في السماء بجنود وهبوا انفسهم لمهمة إنسانية”.
أما المتحدثة باسم “اليونيفيل”، كانديس أرديل، فقالت إن “الزيارة مهمة، لأنها تظهر أهمية العمل الذي تقوم به “اليونيفيل” تجاه الحكومة اللبنانية.
وقد طلبت الحكومة مؤخراً من مجلس الأمن تجديد ولايتنا لمدة عام آخر. وهذا يبين الأهمية التي نقوم بها لتحقيق المنفعة التي تجلبها قوة حفظ السلام للمجتمعات المحلية في جنوب لبنان والأمن والاستقرار الذي تجلبه قوات حفظ السلام. وقد أبلغنا الطرفان، السلطات اللبنانية والإسرائيلية، أن القرار 1701 هو الإطار المناسب للتحرك نحو حل سياسي وديبلوماسي دائم”.
(النهار)