واشنطن ورؤيتها للبنان: احتواء تداعياتها بالحوار!! جوزف القصيفي

يرى مصدر دبلوماسي لبلاده متابعة دؤوب لما يحصل في المنطقة ولبنان أن مرحلة الضبابية وعدم الاستقرار القائمة تعود إلى سؤ إدارة الملف سياسيا من قبل الإدارة الاميركية التي تشكو من انعدام الرؤية الواضحة لواقع الارض. ويضيف هذا المصدر :” صحيح ان للولايات المتحدة اليد الطولى في العالم، وأن اسلوب رئيسها دونالد ترامب يفرض ايقاعا مختلفا على مسرح السياسة الدولية، وأن دولا وقوى تستجيب لشروطه بهدف حماية نفسها من أعداء محتملين، أو إتقاء لغضبه وما يخلفه من تداعيات لا قدرة لها على إحتمال نتائجها، أو لرغبة الاستواء به على آلاخرين.” ويضيف انه حيال الترقب الصيني الحذر جدا من واشنطن ونياتها، وخلفيات التوتر غير المنتظر بين الباكستان والهند، وانشغال روسيا بالهم الاوكراني ورماله المتحركة، وجدت إيران نفسها مضطرة لتغيير تكتيكاتها بالنسبة إلى الملف النووي، والتعاطي مع ترامب بمرونة، ومحاولة استيعاب هجمته الجموح بالذهاب إلى حوار قد ينتج تفاهما. لكن الغرب، وخصوصا أوروبا لم يعد قادرا على السكوت على استمرار إسرائيل في جرائمها ذات الطابع الابادي في قطاع غزة واحتلالها للتلال الخمس في لبنان وعدم توقف غاراتها الجوية على قرى الجنوب وبلداته التي تقتل البشر وتدمر الحجر، من هنا يأتي الموقف الحازم والواضح والصاخب في آن لعدد من الدول الاوروبية، ما أثار حفيظة تل أبيب وانزعاج الإدارة الاميركية، لاسيما وأن الاستعدادات للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين من قبل نواة أوروبية صلبة تتشكل من فرنسا، ايطاليا، اسبانيا، وايرلندا، والمرجح أن تنضم اليها معظم دول الاتحاد الأوروبي بإستثناء ألمانيا والمجر قائمة على قدم وساق، وذلك قبل إجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة بنيويورك في الثامن عشر من حزيران المقبل حيث تطرح القضية الفلسطينية. ويتوقف المصدر الدبلوماسي عند ما يسميه تشتت الادبيات الاميركية حيال العديد من الموضوعات المطروحة في المنطقة، فمورغان اورتاغوس نائبة المبعوث الأميركي الخاص الشرق الاوسط، وبطبيعة الأمر إلى لبنان، تطلق التصريحات المتشددة التي تعطي إسرائيل المزيد من الذرائع لمواصلة اعتداءاتها، والضغط بالنار على دولته للتنازل اكثر فاكثر، ودفعه نحو مسارات يحاذر دخولها مثل التطبيع، والانضمام إلى اتفاقات ابراهام، وفي حساباتها أن موقف الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع الايجابي من هذين الأمرين، قد يسهم في تليين موقف لبنان الذي يعطي الاولوية المطلقة حاليا لانسحاب قوات الدولة العبرية من أراضيه بدءا من التلال الخمس التي احتلتها جنوبا. في حين أن أحاديث اورتاغوس لدى تجوالها على المسؤولين اللبنانيين لا تعكس الحدة التي تشوب تصريحاتها قبل وصولها إلى بيروت، كما ان ممثل الولايات المتحدة الاميركية في اللجنة المكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 ينشط من أجل حمل تل أبيب على الالتزام به وعدم تصعيد الموقف لأنها وحدها التي تقوم بخرق القرار، وأن ما يبديه أحيانا من تشنج في اجتماعات اللجنة يكون قابلا للمعالجة. وبحسب هذا المصدر أن يتكلم مارك روبيو رئيس الدبلوماسية الاميركية، غير أن تصرح اورتاغوس الموظفة،على أهمية المنصب الذي تشغل. ويقول دبلوماسي لبناني خدم طويلا في عدد من البلدان الغربية وآلاسيوية، وعلى معرفة بالسياسة الخارجية الاميركية، أن لبنان وبلدان الشرق العربي في تخبط سياسي أدى إلى تغيير المشهد العام،وقد يؤدي إلى تغيير الخرائط، والسبب في ذلك هو سؤ تعاطي واشنطن مع قضاياها ومجاراتها الاستراتيجية الإسرائيلية لاحداث تحولات تخدم تثبيت اقدام الكيان العبري في المنطقة.وهناك إدماج تكتيكي بين النظرتين الاميركية والاسرائيلية في التعامل مع ملفات غزة ، لبنان وسوريا، لكن الادماج الاستراتيجي دونه أسئلة ومحاذير.بيد أن تل أبيب تتحرك في الوقت الضائع من أجل انتزاع الكثير من الاوراق،وتسجيل العديد من النقاط، والامساك بمجمل مفاتيح اللعبة الشرق اوسطية ومفاصلها. هذا التوجه لا يريح دولا عربية مثل مصر، الاردن، العراق،ويثير مخاوف عدة دول معنية بهذا الملف ولاسيما الصين، روسيا، فرنسا، وهم أعضاء دائمون في مجلس الأمن.وذلك من دون التطرق إلى معارضة ايران، وبعض التحفظات التركية. إنطلاقا من هذه الصورة الواقعية،ومن الايجابية التي تزامنت مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية وتشكيل الحكومة الأولى في عهده برئاسة القاضي نواف سلام، ينتظر أن تقوم مبادرات داخلية لتحصين المرحلة وتمكين الدولة من الإقلاع بقوة وشفافية، وهذا يقتضي : 1- إن ينزل جميع الافرقاء عن الشجرة، فيقدموا طموحات متواضعة ويخفضوا السقوف، ويقلعوا عن لغة المكاسرة والحملات السياسية والاعلامية. 2- التجاوب مع أي دعوة للحوار يطلقها رئيس الجمهورية لتثبيت سيادة الدولة وشرعيتها، ومواكبتها من أجل المضي في الورشة الوطنية الكبرى التي تنتظرها سواء على مستوى ألاصلاح السياسي والمالي والاقتصادي ،أو على المستوى الأمني. في اي حال ينصح المصدر الدبلوماسي الذي سبقت الإشارة اليه،باحترام رغبة الرئيس عون في أن يتولى هو شخصيا البت بسلاح حزب الله، لأن هذا الأسلوب أجدى بكثير من الاستهدافات المباشرة وغير المباشرة التي تطاول الحزب،وترفع من منسوب التوتر، وقد تكون مدرجة لتعقيدات ومشكلات يمكن اجتنابها بترك نزع الألغام المزروعة في الملفات الشائكة إلى من تعهد القيام، من دون الحاجة إلى تحديات من هنا،وشد عصب من هناك.