وأمَّا أليصابات، فَلَمَّا تَمَّ زَمَانُ وِلادَتِهَا وَضَعَت إبناً. فَسَمِعَ جيرانُها وأَقَارِبُها بِأَنَّ الرَّبَّ رَحِمَها رَحمَةً عَظيمة، فَفَرِحوا مَعَها وجَاؤُوا في اليَوم الثَّامِن لِيَختِنوا الطِّفْلَ وأَرادوا أَن يُسَمُّوه زَكَرِيَّا بِاسم أبيه. فَتَكَلَّمَت أُمُّه وقالت: “لا، بل يُسَمَّى يوحَنَّا” قالوا لها: “ليسَ في قَرابَتِكِ مَن يُدعى بهذا الإسم.” وسَأَلُوا أَباه بالإشارَةِ ماذا يُرِيدُ أَن يُسَمَّى ، فَطَلَبَ لَوحاً وكَتَب : “اِسمُهُ يوحَنَّا” فَتَعَجَّبوا كُلُّهم. فَانفَتَحَ فَمُه لِوَقتِه وَانطَلَقَ لِسانُه فتَكَلَّمَ وبارَكَ الله.
فَاسْتَولى الخَوفُ على جيرانهم أجمعين، وتَحَدَّثَ النَّاسُ بِجَميع هذهِ الأُمورِ في جِبالِ اليَهُودِيَّةِ كُلها وكانَ كُلُّ مَن يَسمَعُ بِذَلِكَ يَحفَظُه فِي قَلبِه قائلاً: “ما عَسَى أَن يَكونَ هذا الطِّفْل؟ فَإِنَّ يَدَ الرَّبِّ كانَت مَعَه.”
يا رب ! لا حاجة لأن أُذَكِّرَكَ بردّة فعلنا إزاء المصيبة أو الظلم. نتَّهم الله على الدوام:
“ما الذي فعلتُهُ مع الرب، لأستحقّ عقابًا كهذا؟”
تريد أن تحرّرنا من مفهوم “الله شرطيٌّ ” فَمنحْتَنا الأجوبة التي تُبدِعُها قدرتك الإلهية من دون سواها. غالبًا ما تساءَلَت أليصابات، لم لا يمكنها أن تُرزَقَ ولدًا مثل سائر النساء، ودعوة كل امرأة هي أن تُعطي الحياة. (بالفعل، حواء تترجم “بالحياة”). هل ارتَكبَت أليصابات خطيئةً ما، لتستحق عقابًا كهذا؟ وغالبًا ما تداول الجيران الحديث في تجمّعاتهم:
“مسكينة، لقد عاقبها الله! وستحمل هذا العار طوال حياتها”.
ها أنتَ تُناقِضُ هذا المنطق ولن تقول العاقر بعد اليوم “يا دلّي” ولكن ستعلن إيمانها : “مبارك الرّب الذي أزال العار عني”.
يا رب، طريقتك تُحيّر الحكماء أنفسهم. اصطفيت شعبًا مُختارا غير أهل لاختيارٍ كهذا. وكأنّك أردت أن تُبرهِنَ بذلك أنك وحدك سيّد التاريخ، أردت أن تقول للمزدرين ولصغار” الإنجيل” أنّه باستطاعتهم أن يكونوا من عداد الشعب المختار، بفضلك.
أنتَ أجبت زكريا بالصّمت، حين طلب منك طفلاً لدى زواجه، وهو في العشرين من عمره… دام هذا الصمت خمسين سنةً، ومن ثَمَّ مَنَحْتَهُ ولدًا بطريقة غريبة، منافية للعلم وتتحدى المنطق البشري.
أنت تتمادى في تحقيق طلباتنا، علماً بأنّنا نريد سرعة الإستجابة.
إن زيارة أمك “للعاقر الحامل ” هي أيضاً تعبير سري لتدبيرك الخلاصي. أنت تقوم بزيارة نسيبكَ الذي يَكبرُكَ بستة أشهر.
لقد شعر بحضورك وهو في أحشاء أمّك، وارتكض ابتهاجاً وكأنّه يمتثل لاستقبالك. لكنك تدعُ الأمور تجري حَسْبَ نظام الطبيعة التي كوّنتها .
سيفرح الأقارب والجيران بولادة يوحنا. في اليوم الثامن وفقاً للشريعة، يجب أن يُختَتن ليندرج في جماعة شعبه الروحية. وكان يُسمح بهذه الرتبة حتى يوم السبت. في هذا اليوم ذاته كان يُعطى أيضًا إسم للولد. وما تزال الأسماء المعطاة للأطفال حتى أيامنا، تتناغم مع المديح الله أو الشكر على مواهبه. على مثال: عطالله للذين ولدوا بعد أشهر من الصلوات والتضرعات، ونعمة الله للذين طالما تاق أهلهم ليُرْزَقُوا ولدًا … اقترح الأصدقاء اسم زكريا. عادةً لا يُعطى إسم الأب تلافيًا للإلتباس، بل يُمْنَحُ إسم الجَد. لكن زكريا، كونه متقدمًا في السن، افترضوا أنه عندما يبلغ ابنُه سِنَّ الرُّشد، تكون قد وافته المنية … لا حَرَجَ إِذًا فِي أَن يُمنح اسم والده .
لكن تدخّلت اليصابات. وهذا حقّها كونها أم الطفل. “أَلَم تُعْطِ راحيل وسائرُ زوجات يعقوب الأسماء لأولادهنّ؟” “يُدعى يوحنا” : تعجّب الجميع من غرابة الإسم. اتّجهوا نحو الأب، كان أبكم وليس أصمّ . طلب لوحًا وكَتَبَ : “اسمه يوحنا”. لا حاجة إلى المزيد من الإيضاح. يوحنا أو “يوحانون” ومعناه: “الرّب أشفق”. وللوقت، انطَلق لسان زكريا، وعبّر عن فرحه وامتنانه بنشيد “مبارك” ولا يزال حتى أيامنا، يُتلى ويرتل في صلاة التسابيح الصباحية، على لسان الرهبان والراهبات، ومن ينضمّ إليهم ليرفع التسبيح والحمد لله .
لِنُصَلِّ:
يا رب، فليكتشف كُلٌّ من الوالدين أنَّ طِفلَهُما، هو “يوحنا”، وَهُوَ عَطِيَّةٌ من رحمتِك، ليُحسن الزوجان مَدْحَكَ على النِّعمة التي وُهِبَتْ لهما، بأن يُعطِيا الحياة، على مثالِك.
يا رب، إنَّكَ تَمنَحُني النِّعَم التي أَلتَمِسُها، ولكن متى تشاءُ أنتَ، وَحَسْبَ تَدبيرِكَ. عندما أقولُ “نِعمة”، أعني النّور الذي يُساعِدُني لأرى كيف أُحِبُّكَ وأخدُمَكَ، وكيف أتفاعَلُ وأنسجم معَكَ بِطَريقةٍ أفضل.
إن ارتَضَيتَ أن تسيرَ بي على دروبٍ وَعِرة فَسوفَ أَستَسلِمُ لِمَشيئَتِكَ، فأنالَ نِعمةَ الصَّبرِ والصَّمت، والوِحدة والتأمُّل…
إلى اليومِ الذي فيهِ أشعُرُ بِحُضورِكَ عن طريقةِ، كَلِمةٍ، حَدْسٍ، نَصيحَةٍ، وَرُبَّما من خِلالِ مَرَضٍ أو حادِثٍ،…..
لِتُثبِتَ لي أنَّكَ استجبتَ صلاتي. لك المَجدُ إلى الأبَد. آمين.
تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي.