حزب الله وتحديات ما بعد الحرب : اي مشروع للمستقبل ؟


قاسم قصير

منذ معركة طوفان الاقصى وانخراط حزب الله والمقاومة الاسلامية فيها من خلال ما سمي ” جبهة الاسناد” وصولا الى الحرب الواسعة التي يخوضها اليوم حزب الله في مواجهة العدو الصهيوني واجه الحزب تحديات كبيرة جدا لم يشهدها منذ تأسيسه في العام 1982 الى اليوم .
فقد قدّم الحزب خلال هذه الحرب تضحيات كبيرة وخصوصا من خلال استشهاد امينه العام السيد حسن نصر الله وعدد كبير من قياداته التنفيذية والامنية والعسكرية ، وصولا الى العدد الكبير من الشهداء من الكوادر العسكرية والامنية ، اضافة الى الضربات القاسية على الصعيد الامني من خلال عملية تفجير اجهزة البيجر واللاسلكي ونجاح العدو الاسرائيلي في الوصول الى مقرات الحزب السرية ، وما تعرضت له بيئة الحزب المؤيدة للمقاومة من ضربات قاسية من خلال عمليات القصف والتدمير والتهجير والذي طال حوالي مليون واربعمائة الف مواطن ، وصولا للحملات الاعلامية والسياسية التي يتعرض لها الحزب داخليا وخارجيا .
كل ذلك فرض على الحزب خوض معركة قاسية سواء في مواجهة العدو الصهيوني او من خلال اعادة ترتيب اوضاعه التنظيمية والسياسية والامنية والعسكرية ، وقد سارع حزب الله الى إختيار أمين عام جديد له في ظل الحرب الدائرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي ، وأختار الشيخ نعيم قاسم لهذه المهمة الصعبة بعد أن تولى لمدة 32 عاما تقريبا مهمة نائب الأمين في ظل ثلاثة أمناء عامين وهم : الشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله.
والمعروف ان الحزب لم يتخذ القرار بإنتخاب أمين عام له إلا في العام 1989 في ظل ولاية الشيخ صبحي الطفيلي ، بعد أن أختار في العام 1985 السيد إبراهيم أمين السيد ناطقا رسميا بإسمه وهو الذي أعلن الرسالة المفتوحة للحزب في 16 شباط 1985 في حسينية الشياح في ضاحية بيروت الجنوبية في الذكرى السنوية الأولى لإغتيال الشيخ راغب حرب على ايدي عملاء العدو الاسرائيلي قي جنوب لبنان .
والحزب إعتمد منذ تأسيسه في حزيران من العام 1982 القيادة الجماعية بعد أن اجرى دراسات على كل التجارب الحزبية والنضالية السابقة ، وحرص الحزب على تقييد دور الأمين العام بحدود معينة وكان يعتمد على قاعدة تداول السلطة ، لكن وصول السيد حسن نصر الله الى هذا الموقع في العام 1992 بعد إستشهاد السيد عباس الموسوي أدى الى بعض التغييرات التنظيمية والتي سمحت للأمين العام بالإستمرار في موقعه حتى إسشهاده في السابع والعشرين من شهر أيلول 2024 ، وتمتع السيد نصر الله بصلاحيات غير تقليدية ، كما أن شخصيته الكاريزمية فرضت حضورا مميزا له داخل الحزب وخارجه وأصبح أحد قادة محور المقاومة في المنطقة كلها، وقد شكّل استشهاده خسارة كبيرة للحزب ولكل محور المقاومة .
والشيخ نعيم قاسم هو من القيادات المؤسسة للعمل الإسلامي في لبنان وتولى مهمة نائب المسؤول الثقافي في حركة أمل في عهد الإمام موسى الصدر وساهم في تأسيس العديد من الهيئات الإسلامية ومنها الإتحاد اللبناني للطلبة المسلمين واللجان الإسلامية وجمعية التعليم الديني الإسلامي قبل تأسيس حزب الله ، وهو من ابناء منطقة المصيطبة في بيروت وتعرف قبل إنضمامه الى حزب الدعوة الإسلامية وحركة أمل الى تجربة الجماعة الإسلامية وعباد الرحمن وحزب التحرير ، وكان من رواد مسجد المصيطبة مقابل منزل الرئيس صائب سلام في بيروت وكان مقربا من العلامة الشيخ فيصل المولوي الامين العام السابق للجماعة الإسلامية.
وبدأ الشيخ قاسم عمله المهني أستاذا لمادة الكيمياء وتنقل في مواقع كثيرة قبل أن يقرر الإتجاه الى دراسة العلوم الدينية وكان المرجع الديني الراحل السيد محمد خسين فضل الله أحد أساتذته في البحث الخارج في الحوزة الدينية وفي المعهد الشرعي الإسلامي.
وعرف الشيخ قاسم بعمق تفكيره وقدرته الخاصة على الحوار والنقاش والادارة التنظيمية ومتابعة الملفات ، وتولى في حزب الله مهمات عديدة ومنها ملف العمل الحكومي والنيابي والعلاقات السياسية ومجلس التخطيط والإشراف على مراكز الدراسات والأبحاث وله عشرات المؤلفات الفكرية والسياسية وهو الذي أعد كتابا خاصا لشرح رؤية الحزب الفكرية والسياسية والتنظيمية.
وتسلم الشيخ قاسم مهمة الأمانة العامة للحزب اليوم هو مغامرة كبيرة ايضا لأنه معرض للإغتيال من قبل العدو الصهيوني ويعمل في ظروف صعبة وستكون أمامه مهمات كبيرة ومنها إدارة المعركة ضد العدو الصهيوني اليوم ومتابعة الملفات السياسية وملف إعادة الإعمار بعد الحرب والإهتمام بملف النازحين ، إضافة لإعادة هيكلة حزب الله بعد أنتهاء المعركة مع العدو الصهيوني في ظل ما تعرضله الحزب من ضربات قاسية أدت لإستشهاد امينه العام السيد حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين وعدد من قادته العسكريين والتنفيذيين.
مهمات الشيخ قاسم اليوم كبيرة جدا وهو القادر على متابعة الملفات والحريص على الحوار والنقاش والاهتمام بأدق التفاصيل ، والحزب في عهده يمر بأصعب مرحلة مر بها منذ تأسيسه الى اليوم ، ورغم انه من السابق لاوانه تحديد افق المرحلة المقبلة بانتظار نهاية الحرب على لبنان وتحديد طبيعة الدور الذي سيقومه به الحزب بعد انتهاء الحرب ، فانه يمكن القول ان الحزب سيكون امام مرحلة تأسيسية جديدة لها علاقة بتقييم كل المراحل السابقة منذ تأسيسه الى اليوم ، وكذلك دوره في محور المقاومة وكيفية استكمال دوره في دعم القضية الفلسطينية وموقعه السياسي في الداخل اللبناني وعلاقاته بالقوى الاقليمية والدولية وخصوصا سوريا وايران .
نحن اذن سنكون امام حزب جديد في المرحلة المقبلة يستفيد من تجارب المرحلة الماضية ويحدد رؤية جديدة للمستقبل على ضوء المعطيات والتطورات الجارية في لبنان والمنطقة والعالم .