سرديات الممانعة ساقطة.. ” سلِّموه إلى الجيش برضاكم بدل إعطائه لإسرائيل رغمًا عنكم “

أمين القصيفي

لا يتورَّع أتباع محور الممانعة عن القيام بأي شيء خدمة لمشروعهم الذي لم يجلب سوى الدمار على لبنان، غير آبهين بأي محظور يطاول حياة اللبنانيين ومصيرهم ومستقبلهم وأمنهم واستقرارهم، مهما كان. وصل الأمر بأتباع الممانعة إلى حدِّ مضاعفة هجومهم على الجيش اللبناني والتمادي بالاستخفاف بدوره وقدرته على حماية لبنان وأنه عاجز ولا يملك الإمكانات، محاولين استغلال الاختراق الذي حصل في البترون للإيغال في التطاول والاتهامات وتصويب السهام على الجيش.

أي جنون هذا؟، وفي هذه الظروف المصيرية بالذات التي يمرّ بها لبنان اليوم!، وفي الوقت الذي يُجمع اللبنانيون والعرب والعالم على أن الجيش اللبناني يكاد يكون المؤسسة الوحيدة الباقية المتبقية من دولة مشلّعة نتيجة مشاريع وارتكابات محور الممانعة وحلفائه، بالدرجة الأولى، والذي يعوَّل عليه. كل ذلك، في محاولة يائسة لعلك سردية تبرير الاحتفاظ بالسلاح إلى الأبد، بحجة مقاومة إسرائيل، والذي ثبُت بـ”الأدلة الشرعية” القاطعة أنه لم يحمِ لبنان بل جرّ ويجرّ عليه الويلات والخراب.

عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك، يقدّم قراءة مستفيضة، من شقَّين، حول أسباب ما يتعرّض له الجيش من هجومات من قبل أتباع محور الممانعة، “الأول من الناحية العسكرية البحتة، والثاني من الناحية السياسية”، يفنِّد فيها حجج الممانعة وذرائعها الواهية، ومسقطاً الهجومات والاتهامات الموجّهة من قبل هذا المحور إلى الجيش اللبناني، معتبراً أنها مردودة ومعيبة وعلى مطلقيها أن يخجلوا ويصمتوا.

في الشق العسكري البحت، يذكّر يزبك في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، “الممانعين، بالكوارث المخابراتية التي تنمّ عن اختراق حتى العظم لبنيتهم العسكرية، من “البايجر” و”الووكي توكي” وصولاً إلى كل هرم القيادة والأركان لدى “الحزب” بمن فيهم وعلى رأسهم السيد نصرالله، وخليفته هاشم صفي الدين ونبيل قاووق وابراهيم عقيل وفؤاد شكر وغيرهم. كل هذه اختراقات هائلة وتاريخية، وإذا كان بالفعل من مراجعة في صفوف الممانعة، فيجب على كل مسؤول عن هذه الاختراقات أن يحاكم ويعلَّق إذا كانوا يحترمون أنفسهم”.

بالإضافة إلى ذلك، “هناك تاريخ طويل من الاختراقات الأمنية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية للحزب واختطاف رجال دين وقياديين من قلب بعلبك والجنوب، وكلها دليل على اختراقات عميقة ضمن بيئة “الحزب”، بل هناك عمليات نزل فيها كومندوز إسرائيلي وأطلقوا النار بالمباشر على شخصيات قيادية في “الحزب” في قلب الضاحية الجنوبية ثم عادوا وانسحبوا عبر البحر، فليخجلوا ولا يفتحوا هذه الأبواب على أحد، هذا أمر معيب”.

عن السهام التي توجَّه إلى الجيش اللبناني من قبل محور الممانعة، يشير يزبك إلى أن “كل جيوش العالم معرَّضة لاختراقات صاعقة من قبل فرق نخبة كوماندوز مجهَّزة ومدربَّة على هذا الأمر. لا جيش في العالم يستطيع حماية كل إنش من أرضه من الاختراقات كل الوقت، هناك مناطق متعارف عليها أنها مناطق آمنة لا تأخذ كل كثافة الاهتمام عند الجيوش. على سبيل المثال، في العام 1969 إسرائيل سرقت راداراً من مصر، حيث نفَّذت وحدات كوماندوز عملية إنزال بـ3 طائرات هيليكوبتر وقامت بتفكيك رادار كان يزعج الإسرائيليين ونقلته إلى إسرائيل”.

يضيف: “إسرائيل قامت بعمليَّتين مشهورتين في فرنسا، الأولى عملية ” Port De Cherbourg” حيث كانت فرنسا تحتجز للإسرائيليين طرّادات كانوا اشتروها، وذلك بعد الهجوم الذي نفّذته وحدات كوماندوز على مطار بيروت في العام 1968 ودمّرت 13 طائرة. حينها، اعتبر الجنرال ديغول أن هذه إهانة كبيرة لدولة حليفة لفرنسا هي لبنان، فإسرائيل كانت اشترت من فرنسا مجموعة مراكب قابلة للتجهيز بصواريخ، لكن ديغول منع تسليمها للإسرائيليين، فقام الإسرائيليون بعملية أمنية مركّبة وسرقوا الطرادات الخمسة من قلب “بور شربورغ” وأبحروا بها”.

يتابع: “الإسرائيليون سرقوا أيضاً الخطط والرسومات الهندسية لطائرة “ميراج 3C” الفرنسية والتي كانت تُعتبر في العام 1969 من الطائرات الحربية الأكثر تطوراً في العالم، واستحوذوا على قطع منها وركبّوا الطائرة التي عُرفت فيما بعد بطائرة “كفير”، والتي هي نسخة منقَّحة عن طائرة “ميراج 3C”. كذلك قاموا بعملية اختراق في بولونيا استهدفت طائرة “ميغ 29″، فكّكها الإسرائيليون ونقلوها قطعاً إلى إسرائيل وأعادوا تركيبها. ويمكن الحديث عن الكثير من الاختراقات الإسرائيلية من خلال وحدات كوماندوز وغيرها، نفَّذتها إسرائيل على دول أكبر وأكثر تطوراً وتجهيزاً من لبنان”.

بالتالي، يعتبر يزبك أنه “إذا حصلت عملية اختراق وإنزال من هذا النوع نُفِّذت ضد الجيش اللبناني، وهي عملية بالتأكيد مدانة ومرفوضة وكنا نتمنى ألا تحصل، لكن وإن حصلت، هي ليست عار على الجيش بل هي مجرد نوع من اختراق أمني يحصل في أكبر جيوش العالم ولا يدان عليها الجيش، بدليل بعض العمليات التي أشرنا إليها، علماً أن الكثير من العمليات تحصل في عالم المخابرات تقوم بها وحدات كوماندوز، ولا يُعلَن عنها. حتى العملية في البترون، لم تكن إسرائيل تودّ الإعلان عنها، لولا قيام زوجة المخطوف بإبلاغ فرع المعلومات أن زوجها مختفٍ منذ يومين، لتُظهر إحدى كاميرات المراقبة لاحقاً صوراً عن عملية الاختطاف، فعالم المخابرات معقَّد إلى درجة كبيرة”.

يزبك يلفت، إلى أنه “في الوقت الذي يُغرق فيه أتباع محور الممانعة الجيش ببحر من النازحين السوريين وبمحيط من النازحين اللبنانيين من خلال التورّط بهذه الحرب الطائشة مع إسرائيل، في زواريب الداخل، للحفاظ على الأمن ولحماية النازحين والمنازل والمؤسسات والممتلكات وحماية المواطنين من اعتداءات وتجاوزات بعض النازحين الموتورين، فكل عديد الجيش اليوم ممتصّ لأداء هذه المهمة إضافة إلى الدور المطلوب منه في الجنوب، على الرغم من ذلك وفوق ذلك كله، يُهان ولا يُعترف بدوره ولا يريدون الاعتراف بدوره ومنحه إياه، بل يهاجمون الجيش”.

أما في الشق السياسي، فيشدد يزبك على أنه “يجب على هذا “الحزب” أن يقوم بكل ما هو مطلوب لترييح الجيش و”يزيح من دربه”، وهذه الأسلحة للحزب التي يقوم الجيش الإسرائيلي بمصادرتها والاستحواذ عليها في الجنوب وقيمتها مئات ملايين الدولارات، يُفترض أن تُسلَّم للجيش اللبناني، لأن الأمن في لبنان وفي أي دولة ليس أمناً عسكرياً فقط، بل هو أمن عسكري سياسي دبلوماسي. فعندما يكون هناك الجيش بتكليف من الدولة اللبنانية إلى جانب قوات “اليونيفيل” تنفيذاً لقرارات الحكومة اللبنانية، إذا كنا بحالة الحرب بحاجة إلى 30 ألف جندي في الجنوب، بحالة التوافق السياسي والحماية الدولية نحتاج إلى 2.000 عسكري”.

يزبك يشير، إلى أنه “بعد اتفاقية الهدنة العام 1949، وبموجبها، باتت هناك منطقة حدودية من الجانب اللبناني مضبوطة ومحددة بعدد العسكر المنتشر على خط الحدود، لا يتجاوز 1.500 جندي. كذلك منطقة مماثلة من الجانب الإسرائيلي ينتشر فيها 1.500 جندي، فبماذا كانت الحدود مضبوطة؟، باتفاقية الهدنة بضمانة دولية. أما بعض الاختراقات القليلة التي حصلت فسببها كثافة عمليات تهريب المخدرات والدخان والسلاح من بعض قرى الجنوب إلى داخل إسرائيل التي كانت تردّ. وابتداء من العام 1965 إلى العام 1968 و1969 بعد بروز العمليات الفلسطينية المسلحة من داخل لبنان ضد إسرائيل، أصبح هناك تسليم لحدود لبنان بما عُرف بـ”فتح لاند” وصولاُ إلى اتفاقية القاهرة، وعملية الكوماندوز الإسرائيلية التي أشرنا إليها ضد مطار بيروت في العام 1968، كانت ردّاً على قيام كوماندوز فلسطيني فدائي بتنفيذ عملية انطلاقاً من مطار بيروت في مطار أثينا في اليونان، فانتقمت إسرائيل من لبنان وليس من منظمة التحرير الفلسطينية، كما تنتقم اليوم من السكان المدنيين الذين يتلطَّى بينهم “الحزب”.

“كفى تخبئة السماوات بالقبوات، كل سرديات أتباع الممانعة مكشوفة. كل حججهم للاحتفاظ بالسلاح، وكل شعارات الردع وتوازن الرعب، ساقطة. كل الانتقاص من دور الجيش اللبناني وأن المقاومة تحمي وتبني، رأينا ماذا حمت وماذا بنت. كل هذه السرديات، بعد 8 تشرين الأول 2023 و17 أيلول الماضي وصولاً إلى اليوم، مَن يُطلقها يجب أن يصمت وأن يخجل ويراجع ذاته، وأن يتَّقي الله في بيئته وأهل هذا البلد وببنائه وازدهاره واستقراره الذي قضوا عليه. ليُسلِّموا الجيش، وبدل أن يعطوا السلاح لإسرائيل رغماً عنهم، فليُعطوه برضاهم إلى الجيش اللبناني، عندها يكون لدينا استراتيجية ودفاع وأمن وأمان واستقرار وازدهار، كفى”، يختم يزبك.