ماذا قال رفيق الحريري لسعيد غريب يوم أقفلوا ال MTV؟

Saïd Ghorayeb سعيد غريّب

كتب سعـيـد غريّـب تداولت صفحات التواصل الاجتماعي اخيرا بكثافة لقطة قصيرة للرئيس الشهيد #رفيق_الحريري ، من ضمن مقابلة اجريتها معه، قبل اكثر من عشرين عاما. وقد حملت في عناوينها مغالطة كبيرة حيث كشفت نقصا في تحديد الاطار الصحيح لما تضمّنته. والصحيح ان الرئيس الحريري تحدث عن قناة NTV المعروفة بالجديد، في وقت كانت محطة MTV حينها مقفلة بقرار من الرئيس #اميل_لحود يومها قال لي الرئيس الحريري بعد انتهاء الحلقة، ضاربا على الطاولة بحدّة، علما ان الغضب كان نادرا في حياة الحريري: “اذا استمرّ هذا الوضع وبقيت الـ MTV مقفلة سأذهب وأفتحها بيدي.”وللأمانة، اقتضى التصويب والتوضيح، أمام هذا التداول الواسع لهذه اللقطة. وهي تشكّل نموذجا حيّا لما يطلق عليه تسمية الاعلام الجديد مع ما حمله من قلب للمعادلات والمفاهيم. الواقع ان الاعلام الجديد بات سلطة جهنّمية تكاد تبتلع كل السلطات. ففي لحظة واحدة، وبمجرد كبسة تطوف المعلومة او الصورة أنحاء العالم وتتوزّع على ملايين البشر. وقد حطّم الاعلام الرقمي القيود، وألغى الحدود، وأتاح لكل فرد أن يكون اعلاميا ومصدرا للمعلومات المكتوبة او المصوّرة، وأفسح المجال أمام كلّ مجموعة، مهما اختلفت أهدافها، أن تبثّ ما طاب لها من أخبار وأفكار ومواقف وصور وأفلام. انّه ينشر كلّ رأي ويعبّر عن جلّا لمواقف ويسهّل البثّ المجاني للاخبار وان كانت مفبركة، وللفيديوهات والأفلام والصور وان كانت مقتطعة وجرى التلاعب بمضامينها وأهدافها، وان كانت هدّامة. انّ هذا الهامش من الحرية المجانية المطلقة الذي تطرحه وسائل الاعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي تمثل سيفا ذا حدين،ولا سيما في زمن الحرب، حيث الاتساع في شبكة الانترنت ونشوء الاعلام الجديد يقعان في مرحلة امنية دقيقة وخطيرة، سمتها الاساسية الارهاب الفكري والعملي. أمّا الاستحقاق الأكثر دقّة والذي يلقي بظلاله على وسائل الاعلام الجديدة وكيفية استخدامها فيتمثل بالتطورات الدراماتيكية التي تشهدها ساحتا غزة ولبنان. كما ان الصحافيين المحترفين باتوا في سباق غير متكافئ مع ما يسمى “الصحافي المواطن” الذي لديه حرية البث والنشر، من دون أن يمتلك، في الحد الأدنى، القدرات الاحترافية والمهارات الصحافية. وأصبح هؤلاء يجدون أنفسهم أمام كمّ من المعلومات التي يجدر التدقيق بها. فكم بالحري اذا كان مصدر المعلومة في موقع استغلال لهذه الوسائل لأهداف مشبوهة! وعند كل خطر أمنيّ تعود الى الصدارة اشكاليّة المواجهة بين الحريّة كقيمة اساسيّة في العمل الاعلامي من جهة، والأمن كضرورة للحفاظ على الأفراد والمجتمعات والأمن القومي من جهة ثانية. الحقيقة المرة أنّ لبنان استطاع الخلاص من متاعب الحريّة الصحافيّة عندما قّرر المغامرة بالخلاص من حسناتها. ولا بدّ ان نناشد الطارئين على مهنة المتاعب، من موقع الخبرة الطويلة والباع الطويل، أن يرحموا الضحايا والشهداء وآخرهم المصوّرون الثلاثة الذين استهدفوا وهم في فراشهم. واريحونا نحن المواطنين وراعوا الشعور العام بممارسة ثقافة السكوت وقت يتطلّب الامر قلّة الكلام لأنّ السكوت في معظم الأحيان أبلغ من الكلام، ولانّ قلّة الكلام تشكّل قمّة التهذيب واللياقة وقمّة التعبير وقمّة الحضارة الانسانية.