أورور توفيق
الحديث المتزايد في إسرائيل عن رسم خريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط تحت مسمى “شرق أوسط جديد” ليس بجديد، ولا يندرج ضمن “الحلم الإسرائيلي التاريخي” المتعلق بإنشاء دولة إسرائيلية تمتد من البحر إلى النهر. بل يشبه إلى حد كبير اتفاق “سايس – بيكو”، حيث يتم إعادة ترتيب موازين القوى ورسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة. بينما يعتبر هذا الهدف الإسرائيلي قديمًا، يعتقد البعض في إسرائيل أنه بات قريبًا من التطبيق أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع التطورات السريعة والصراعات المستمرة مع ما يُعرف بـ “محور المقاومة” الذي تقوده إيران. هذا التصعيد بدا منذ هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول ٢٠٢٣، واستمر مع دخول مرحلة جديدة من الحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان، والتي يبدو أنها لم تنتهِ بعد، لا في غزة ولا في لبنان، خاصة بعد اغتيال شخصيات بارزة مثل حسن نصرالله ويحيى السنوار. تشهد هذه الفترة تصفيات لقيادات سياسية وميدانية، إلى جانب قصف شديد للمناطق المتضررة في القطاع ولبنان، مما أدى إلى نزوح كثيف للفلسطينيين نحو رفح، ولللبنانيين نحو مناطق كانت تُعتبر آمنة نسبيًا حتى وقت قريب.
تتباين الروايات حول ملامح الشرق الأوسط في المستقبل، لكن يبدو أن هناك إجماعًا بين المتخصصين في التاريخ على أن معالم “شرق أوسط جديد” بدأت تظهر. يختلف التفسير بين الأطراف، إلا أن الوقائع الميدانية هي التي تحدد مسار التطورات على الأرض، والتي تعكس بشكل واقعي ما هو مخطط له. رفض إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة وفشل المفاوضات في القاهرة والدوحة، بالإضافة إلى رفضها لوقف الحرب على لبنان، يُعتبر جزءًا من استراتيجية تل أبيب، التي تسعى لتحقيق أهداف تختلف عن دعوات إنهاء المجازر اليومية.
لكن الوصول إلى ما يُخطط له ليس بالأمر السهل، مما يثير الحديث عن حرب طويلة الأمد، قد تترافق مع “تصفيات” لبعض الشخصيات المرتبطة بالحقبة الماضية. وقد ازدهرت الحركات الأصولية بشكل غير عفوي بعد “الغزو الأميركي” للعراق في عام 2003، وما شهدته سوريا بعد انتفاضة 2011، التي أفرزت حروبًا معقدة بين مكونات النظام السوري المدعوم من روسيا ومجموعات أصولية مثل “داعش” و”النصرة”، بمشاركة علنية من “حزب الله”. كان للوجود الأميركي في أجزاء من العراق وسوريا رمزية خاصة، بالإضافة إلى التدخل التركي في الشمال السوري والتحركات الانفصالية للأكراد في العراق وسوريا.
ما يحدث في أوكرانيا قد ينعكس بشكل مشابه لما يجري في الشرق الأوسط، خاصة بعد الانتفاضات التي شهدتها المنطقة، والتي يمكن اعتبارها بداية لتغيرات جوهرية. الاحتجاجات في العراق ولبنان والجزائر والسودان، وكذلك في مصر والمغرب وسوريا واليمن، تعكس رغبة الشعب في تغيير الأنظمة القائمة، وتعتبر تحضيرًا لما تم تسميته سابقًا بـ “الفوضى الخلاقة” و”شرق أوسط جديد” كما دعت إليه كونداليزا رايس.
أما العلاقة بين الحرب الروسية-الأوكرانية وما يجري في المنطقة، فتشير إلى أن مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل هي من الأسباب التي تؤجج النزاعات، وتمنح الدول القوية الفرصة للتوسع على حساب جيرانها. هذه السياسة ليست جديدة، فقد شهدناها منذ أواخر القرن الثامن عشر، مثل غزو نابليون لمصر في عام 1798، وما زالت القوى العظمى تتدخل في شؤون المنطقة.
لذا، من يراقب عن كثب تصرفات إسرائيل في غزة ولبنان يجب أن يدرك أن هناك أهدافًا أخرى وراء هذه الحرب التدميرية، منها محاولة خلق كيانات جديدة تختلف عما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين الأول من العام الماضي. ولكن لتحقيق هذه الأهداف، هناك العديد من العوائق والتعقيدات التي قد تستغرق وقتًا طويلاً وتؤدي إلى استنزاف اقتصادي وبشري قد لا يستطيع الفلسطينيون في القطاع أو اللبنانيون تحمّل تبعاته على المدى الطويل.