“تعديل ميزان القوى لايزال ممكناً من خلال منظومة بديلة عن قوّة الردع يلي فقدتها المقاومة… البديل هو الأصيل أصلاً، وأعني به الدولة اللبنانيّة”.
ليس سمير جعجع من قال هذه الكلمات في لقاء معراب السبت. من قالها هو جبران باسيل في إطلالته بمناسبة ذكرى ١٣ تشرين.
يكفي أن نقرأ التعليقات على هذه العبارة على حساب باسيل على منصّة “أكس” لندرك ردّات فعل جمهور حزب الله على هذا الكلام. باسيل استدار فعلاً. هو يفضّل كلمة “تمايز”. هي تمهيدٌ لـ “بَلّ” اتفاق مار مخايل بالماء، وقد بات حبراً على ورق، منذ أصبحت العلاقة بين الحزبَين “على القُطعة”.
اللافت في التيّار الوطني الحر ليس كلام باسيل فقط، بل هو كمّ التباين في المواقف بين نوّابه وقياديّيه. بعضهم يقول كلاماً يزايد فيه على فيصل عبد الساتر وأصدقائه. وبعضهم الآخر يكاد يشكر الله على ما يفعله الإسرائيلي. ناجي حايك، مثلاً، يريد أن يسلّم حزب الله سلاحه بعد الحرب!
هل ما يحصل هو توزيع أدوار من باسيل؟ لا، هو فوضى “تيّاريّة” معهودة كانت من أسباب خروج وإخراج أربعة نوّابٍ منه وعددٍ آخر من النوّاب السابقين والقياديّين. لكنّ باسيل يستفيد حاليّاً من هذا الانقسام، إذ يتيح له أن يضع رجلاً في “الفلاحة” وأخرى في “البور”، حتى تتوضّح الصورة فيضع الرجلين في المكان نفسه.
لكنّ العلاقة بين حزب الله وباسيل لم تتردّ اليوم، بل منذ سنوات. قال لي مسؤول في “الحزب” منذ أربعة أعوام: “لا أحد يحبّ باسيل فعلاً في “الحزب” سوى الحاج وفيق (صفا)”. لكنّ انعدام الحبّ لم يمنع التلاقي السياسي والتحالفي ومساهمة حزب الله في إيصال عددٍ من نوّاب “التيّار” الى المجلس النيابي. سمير جعجع كان حليف باسيل الأوّل. مواقف رئيس “القوّات” ترغم “الحزب” على “تغنيج” باسيل. “غنج” من دون حبّ!
لكنّ التخلّي عن حزب الله في أيّام قوّته يختلف عن التخلّي عنه اليوم، وهو في عزّ محنته. كأنّ باسيل استعجل الكلام عن مرحلة “ما بعد هزيمة حزب الله”، بينما تدلّ التعليقات على منشوره على أنّ الانكسار غير وارد في قاموس “الحزب” الذي يتوعّد جمهوره بالانتقام ممّن انقلبوا عليه وخانوه. باسيل على اللائحة ومعه أيضاً بعض الحلفاء الذين يتمايزون، خصوصاً بعد استشهاد السيّد حسن نصرالله.
ولكن، هل باستطاعة رئيس “التيّار” أن “يقرّش” مواقفه مكاسب على الساحة المسيحيّة؟
الجواب الموضوعي هو لا. لم تكن البيئة المسيحيّة يوماً في موقف المعارِض لحزب الله كما هي اليوم، وفي ذلك مكسب لشخصٍ واحد لا غير هو سمير جعجع. وعليه، سيصبح باسيل “لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير”، إذ ليس باستطاعته بلوغ سقف جعجع، وإن كان أثبت قدرته على الاحتفاظ بقاعدة شعبيّة صلبة لا تتزعزع، خصوصاً بعد “قطوع” ١٧ تشرين. لكنّ فقدان تأييد الغالبيّة الشيعيّة، مع ما خسره مسيحيّاً، ثمّ ما أفقده إيّاه النوّاب الأربعة من حضورٍ شعبيّ، سيجعله في مأزقٍ انتخابيّ لن يعوّضه بالتحالفات المناطقيّة التي يسعى الى عقدها. قد تكون الضربة القاضية له انتخاب رئيسٍ من الخصوم.
هل يعني ذلك “نهاية جبران باسيل”؟ أبداً. هي مرحلة ضعفٍ بعد صعود. ما من أحدٍ في لبنان يستمرّ في القمّة الى الأبد. فائض القوّة يؤذي صاحبه. اتّعظوا!
داني حداد ـ موقع mtv