صباح الخير وأحد مبارك للجميع..إنجيل اليوم الوكيل الأمين.. بحسب القديس متى


متى ٤٥/٢٤ – ٥١
الوكيل الأمين.

قالَ الرَّبُّ يَسُوع : «مَنْ هُوَ العَبْدُ الأَمِينُ الحَكِيمُ الَّذي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ ؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذِي يَجِيءُ سَيِّدُهُ فَيَجِدُهُ فَاعِلاً هَكَذَا ! أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُم : إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ. ولكِنْ إِنْ قَالَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ فِي قَلْبِهِ : سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي ! وبَدَأَ يَضْرِبُ رِفَاقَهُ، ويَأْكُلُ ويَشْرَبُ مَعَ السِكِّيرِينَ، يَجِيءُ سَيِّدُ ذَلِكَ العَبْدِ في يومٍ لا يَنْتَظِرُه ، وفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُهَا، فَيَفْصِلُهُ ، ويَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ المُرَائِين . هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان» .

يا رب! لقد علَّمتنا، أنّه من المفترض أن تُحضّرنا حياتنا على الأرض، إلى واقع آخر سنَتنعّم فيه “بالكنوز الحقيقية” التي جُمّعَتْ من أجل هذا الملكوت، ملكوتك، وترغب في أن تُشرِكنا فيه. إنَّ أولى الكلمات التي تتلفّظ بها اليوم، بلهجة مشبّعة بعذوبة العاطفة في صوتك، هي لتثبت من جديد، بأنَّ الآب يُنعِمُ بملكوته على قطيعه الصغير. الصورة تقليدية في العهد القديم، حيث كانَ الشعب المختار يُشبَّه بقطيع الخراف، والربُّ هو الرّاعي الوحيد. صورة مألوفة في هذه المقاطعات من الأرض المقدَّسة، حيثُ نُصادِفُ قطعان الخراف تسير متلاصقةً بعضها ببعض، ورؤوسها منحنية لا تُصغي إلّا لصوت راعيها، وتتبعه بانقياد .
نظرًا للمحنة التي تنتظر تلاميذك عندما ستسير على طريق الجلجلة، أنت تحرص على أن تُطَمئِنَهم. ونظرًا لعداوة ما يُسميه يوحنا “روح العالم” أنت تحرص على أن تُطَمئنَنا نحن كذلك. إن كان الآب سينعم علينا بملكوته، فعلينا ألّا نَقلق لِغَدِنا. علينا ألّا نهتم طوال حياتنا، بتخزين الثروات أماديّة كانت أم نجاحاتٍ إجتماعية. لقد قلتَ ذلك لتلاميذك كما ردّدته لرسُلِك : عليهِم ألّا يهتموا ساعة الاضطّهاد، كيف يُدافعون عن أنفسهم أمام المحاكم. فروحك القدّوس يتكلّم بلسانهم، ويكون معهم لِيُلهِمَهُم طريقة التّصرف والدّفاع ويمنَحهم القوَّةَ اللازمة. هذا الاختبار عاشه كلّ الشهداء منذ القديس اسطفانوس، القديسة بلاندين، القديس بطرس، القديسة أغنيس إلى شهداء الصّين وقد طوّبهم البابا يوحنا بولس الثاني، مرورًا بالعديد من الشّهود الذين سَفَكوا دماءهم، في أواخر هذا العصر بنوعٍ خاص.
يا رب، إنّنا نستودع حياتنا بين يديك ونتعلّق بك. نسير بثقةٍ معك، بك ولأجلك، على الطريق التي تقودنا إلى الصّليب لأنّنا نعرفُ أنّها ليست الغاية. إنّها تؤدي بنا إلى الحياة التي لا تنتهي، حيث نحيا بحضرتك، مع كلِّ الذين نُحِبُّهم.
أن نسير على خُطاك، يتطلّب مِنّا سعياً مستمرًا لنبقى أوفياء، جَديرين بأن نلبس ثوب “المَدعويين إلى العرس”. هذا ما توضحه الأمثالُ الثلاثة المقتضبة.
نشبّه في المثل الأول، بخدامٍ ينتظرون رجوع سيّدهم مع أنّه طال الوقت، وخَيَّمَ ظلام اللّيل. إنهم ثابَروا في سهرهم، أوساطُهُم مشدودة، وهم مُستَعِدّون لِتَلبية رغباته حين عودته. المُذهل في الأمر أنّ سيّدهم تأثّر، لأنّه وجَدَهُم مستعدّين وساهرين، فأجلَسهُم ودارَ عليهم يخدمهم بنفسه، إنَّ غاية المثل ليست صحة التّفاصيل ودقّتها، بل الدّرس الشامل الذي يُعطيه. عبر صورة هذا السيّد وهو يُجلِسُ خدّامه ويدور يخدمهم، نراك ليلة خميس الأسرار، تأخذ منديلاً وتأتزر به ، ثُمَّ تنحني لتغسِلَ أرجل تلاميذك . إن كنّا أوفياء لخدمتك، إلى أن يجمعنا الموتُ بك وجهاً لوجه، كما هي الحال مع قدّيسيك، فإنّك ستُعامِلنا كما عامل هذا السيّد خدّامه. وسيتجاوز لطفك حدود المُتطلّبات الواجبة لخدمتك.
يُذَكِّرُ المثل الثاني بعودتك التي ستُوَلِّدُ نهائياً حلول الملكوت. ستكون خِلسة كما يتسلّل اللّصوص إلى المنازل، التي كانت شبه ملتصقة بعضها ببعض. يَسْهُلُ المرور من بيت إلى آخر عبر السطوح، فضلاً عن ذلك، لم تكن الأبواب تُغْلَقُ في النّهار، وعمل اللّصوص إذا كان غاية في السهولة. فبإمكانهم الإستفادة من ساعة القيلولة، أو دقيقة تغيُّب رَب البيت لِيَتَسلَّلوا ، لذا توجّب على ربِّ البيت أن يكون دائماً على حذر.
يتدخّل بطرس لِيَفهَم بالتّحديد إلى من تتوجّه هذه الإنذارات “إسهروا” “كونوا على استعدادٍ للخدمة”، إنّهما الوصيّتان الموجّهتان إلى كلّ من تلاميذك، وإلى كلّ واحدٍ منا إذ إنَّ الإنتظار هو تعبير عن صدق المحبة، والاستعداد للخدمة، هذا ما تُقَدِّمُه كمثال عن المحبة الأخوية: “أحبّوا بعضكم بعضاً، كما أنا أحببتكم”. فبالمكيال الّذي نَكيلُ به للآخرين، سَتَكيل لنا وأنت تحاكمنا : فإنّنا سَنُحاكَم على المحبّة.
تتوجّه في المثل الثالث إلى المسؤولين عن الجماعة التي ستُمسي يومَ العَنصرة، الكنيسة. أنت السَّيِّد الّذي يعهد أثناء غيابه، بعناية إدارة المنزل إلى وكلائه، إنَّ الوكيل هو من يقع عليه الاختيار، وينعَم بثقةِ سيّده الذي أوكَل إليه المسؤولية الجسيمة، بأن يُديرَ من يَعملون في خدمته ويُكافئهم.
هناك نوعان من الوُكلاء.
تصنّف الأوَّلَ “بالأمين” ليس فقط بسبب استقامته بل لتعلّقه بسيّده لمحبّتِه، ولتفانيه كي يربح ثقته. إنّه أيضًا “العاقل” لأنّه يعرف كيف يتصرّف، كيف يَفي بالتزاماته على أكمل وجه. يَجِده سيّده لدى عودته منصرفًا إلى عمله، مُستغرقًا كليّاً في القيام بمسؤوليته من كلّ قلبه. ويرى أنّه أهلٌ لثقته، فَيقيمُه عندها على جميع أمواله.
أمّا الوكيل الثاني، مع أن سيّده قد اختاره ووثِق به، فقد استَسلم وخَمَدَتْ حميَّتُهُ الأولى وأحبَطتهُ المصاعِب، وانقادَ لِنَزواته للسّهولة وللأفكار الرائجة… عالِمًا أنَّ سيّده سيبطئ في المجيء. فاستغلّ الظّرف لِيُسيء مُعاملة من تولّى أمرهم، ويُبذِّرَ مالَ سَيِّدِهِ. لكن سيّده وصل على غفلة فَفَصله بعد أن عاقَبه .
يا رب، أنت تبدو في هذا المثل كالسَّيّد المُتَشدِّد. وهذا التَّشدُد أساسي لخلاصنا. لذا عندما تعهد إلينا بمسؤولية أخوتنا، علينا أن ندرك أَنَّ السلطة ليست امتيازاً ولكنّها خدمة بالمعنى الذي تريده أي خدمة مشبّعة بالمحبّة، عندما تَدعو وتولي رسالة فأنت تَهبُ في الوقت نفسه، روحك القدوس. وتنتظرُ في المقابل، أن نستثمر “وَزَنَاتِكَ” على قَدْرِ ما تمنَحنا نعمتك من القوة، بواسطة الأسرار التي أنشأتها، لتكون لنا القدرة على أن نَثْبُتَ “مطعَّمين” بك، أنت حياتنا .
لِنُصَلِّ:
يا رب، ساعدني كي أجعل من حياتي خدمة، حتى إذا ما مَثَلْتُ أمامك، أسمَعك تقول لي:
“أحسنتَ أَيُّها الخادِمُ الأمين، أدخل إلى فرح ربّك!”.


تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي.