رياض سلامة و” آخرون ” إلى مسار قضائي طويل

لم يكن إصدار مذكرة توقيف وجاهية في حق الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة أمس سوى مؤشر “جدي للغاية”، وفق المعطيات المتوافرة لـ”النهار”، إلى فترة توقيف طويلة انطلق معها مسار قضائي لا يمكن الجزم استباقياً بإطلاق التوقعات حول نتائجه من الآن. ذلك أن تحديد جلسة ثانية للتحقيق مع سلامة الخميس المقبل سيطلق على الأرجح سلسلة استجوابات إضافية لشهود وأشخاص يدورون في حلقة التحقيق الجاري في ما سمي أموال “الاستشارات” البالغة 42 مليون دولار، وهو الأمر الذي لا يزال يحصر ملف توقيف سلامة والشروع في التحقيق معه وإصدار مذكرة توقيف في حقة في هذا الملف حصراً من دون سواه.
وبذلك سيكون من التسرع، وفق المعطيات نفسها، التكهن بان تتطور عملية التحقيق في هذا الملف إلى ملفات أخرى ذات صلة بواقع الانهيار المالي وملف المودعين، أقله راهناً وإلى أن يتبلور مسار التحقيق والمراحل اللاحقة منه. إذ لا شيء يحول دون أن يمضي قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي في جلسات إضافية بعد الخميس لإنهاء استجواباته قبل تحويل الملف إلى النيابة العامة المالية لإبداء مطالعتها ومن ثم إصدار قاضي التحقيق الأول قراره الظني وتحويله إلى محكمة الجنايات. وسادت توقعات بعد صدور مذكرة التوقيف بأن يجري استدعاء ثلاثة محامين من المقربين من سلامة للاستماع إلى إفاداتهم في الملف قيد التحقيق.
إذن هي السابقة الأولى في لبنان التي صار فيها الحاكم السابق لمصرف لبنان موقوفاً رسمياً أمس بموجب مذكرة التوقيف الوجاهية التي أصدرها القاضي حلاوي، فيما ستتجه الأنظار إلى جلسة الخميس المقبل وما سيقوله الشهود، والأهم من ذلك حضور الدولة طرفاً في الادعاء ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر.
ونقل سلامة في موكب أمني من مكان توقيفه في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى قصر العدل في بيروت، وسط إجراءات أمنية مشددة للغاية حالت دون وصول المتظاهرين الذي تداعوا لمواكبة جلسة الاستجواب الأولى، وحاولوا الوصول إلى الموكب. لكن القوى الأمنية حالت دون وصولهم، وكان النائب إلياس جرادة وعدد من المحامين الذين تقدموا بادعاء ضد سلامة بين المعتصمين.
وخلال الجلسة التي استمرت نحو ثلاث ساعات في حضور وكيل سلامة المحامي مارك حبقة، سمعت الأصوات إلى خارج القاعة، ولم يقبل طلب رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر بالمشاركة في جلسة الاستجواب، وبالتالي لم تكن الدولة طرفاً في الادعاء. والوقت الطويل نسبياً للاستجواب عكس جدية كبيرة في متابعة القضية. لكن الحاكم السابق قد يستأنف قرار توقيفه أمام الهيئة الاتهامية خلال 24 ساعة من صدور مذكرة التوقيف الوجاهية، إلا أنه يمكن النيابة العامة أن تستأنف قرار الهيئة الاتهامية في حال صدوره مغايراً لاستمرار توقيفه.
ومن المفترض أن تشهد جلسة الخميس المقبل الاستماع الى شهود من مستشارين قانونيين سابقين وحاليين للمصرف المركزي. وستحضر الدولة عبر القاضية إسكندر، لا سيما وأن عدم حضورها الجلسة أمس كان سببه أن الادعاء من النيابة العامة المالية وليس من الدولة. غير أن جهات سياسية وقانونية تحدثت عن أن نقابة المحامين لم تكن قد ردت بعد على طلب رفع الحصانة عن محاميين مطلوبين للاستماع إلى اقوالهما في الملف.
إلى مجلس الأمن؟
وعلى رغم طغيان هذا التطور على مجمل المشهد الداخلي، برز أيضاً التحرك الديبلوماسي الذي شهدته السرايا الحكومية في شأن الوضع في الجنوب حيث عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتماعاً مع السفراء والقائمين بأعمال سفارات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وأبلغهم “الحاجة إلى أن يتخذ مجلس الأمن الدولي إجراءات أكثر فاعلية وحسماً في معالجة الانتهاكات والهجمات الإسرائيلية على المدنيين اللبنانيين”.
واعتبر أنه “يجب أن تكون استجابة مجلس الأمن سريعة وقوية وتهدف إلى حماية المدنيين الأبرياء وعناصر الدفاع المدني الذين يبذلون قصارى جهدهم لتخفيف آلام المدنيين”. وإذ شدد على إدانة “الاستهداف الاسرائيلي المستمر للمدنيين اللبنانيين والذي يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وتهديداً لسلامة الشعب اللبناني وأمنه” شكر أعضاء مجلس الأمن على “دعمهم لتجديد ولاية اليونيفيل وعلى التزامهم المستمر بالاستقرار في لبنان”، داعياً “مجلس الأمن إلى تحمل مسؤوليته في الحفاظ على القانون الدولي والأمن من خلال محاسبة المسؤولين عن استهداف المدنيين اللبنانيين”.
وبدا لافتاً ما أعلنه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب بعد الاجتماع لجهة حديثه عن “قرار جديد” لمجلس الأمن من أجل وقف النار في الجنوب بمعزل عن القرار 1701 إذ أثار هذا الموقف التباساً حيال تعهدات لبنان الدائمة والصارمة باحترام وتنفيذ القرار 1701 في مقابل مطالبته بإلزام إسرائيل وقف انتهاكاتها له. وأوضح بو حبيب أن “جميع السفراء أكدوا تأييدهم لعدم استهداف المدنيين، مع التذكير بالقانون الذي صدر في جنيف، حيث أن هناك قوانين دولية تحمي جميع المدنيين أثناء الحرب، باعتبار أن عمل الصحافي أثناء الحروب ولدى تغطيته للعمليات لا يعني أنه يؤيد طرفاً محدداً، كذلك عمل الدفاع المدني، وقد دان معظم السفراء بشكل غير مباشر هذه الاعتداءات، واكدوا أنهم ضد استهداف المدنيين، وتم الاتفاق على عدم استعمال كلمة “عدم التصعيد” إنما علينا استعمال كلمة “وقف الاعتداءات”.
أضاف: “هناك قرار اعلنه رئيس الوزراء وهو الطلب من بعثتنا في الأمم المتحدة التشاور مع أعضاء مجلس الأمن بشأن جلسة لمجلس الأمن عن لبنان وخصوصاً عن استهداف المدنيين، وسأباشر العمل على ذلك”. وقال: “نحن لم نطلب من مجلس الأمن وقف القتال، ولكن طلبنا اجتماعاً استشارياً قد يؤدي إلى ذلك، أو يؤدي إلى عدم استهداف المدنيين، لذلك نحن نعمل على كل المنابر الدولية. نحن نتكلم مع كل الدول ومع مجلس الأمن وفي حال حصول وقف إطلاق نار يجب أن يكون هناك قرار جديد”. وأشار إلى أن “إسرائيل هي من ترفض، أما “حزب الله”، فمن المعقول أن يرفض ولكنه ليس دولة ليقول نعم أو لا، الدولة اللبنانية هي التي تقول نعم أم لا. إذا كان هناك نوعاً من قرار جيد نقبل به كدولة، فسنحاول أن نقنع “حزب الله” به، وهذه مسؤولية الدولة اللبنانية، فـ”حزب الله” ليس عضواً في الأمم المتحدة بل لبنان وحزب الله معنا من هذه الناحية”.
وقال رداً على سؤال “أن أي قرار سيصدر بوقف إطلاق النار سيكون قراراً جديداً وليس نسخة معدلة من القرار 1701”.
ويشار إلى أنه في سياق التحركات الديبلوماسية البارزة حيال الوضع في الجنوب يصل إلى بيروت في الساعات المقبلة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في إطار تحرك له يهدف إلى السعي لوقف الحرب في غزة وخفض التصعيد في جنوب لبنان.
 ===