عن المفكر والقانوني طارق البشري وتجربته الفكرية والسياسية والإجتماعية والحضارية


لمى عطوي

من الكتب المهمة التي صدرت عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي كتاب يتحدث عن المستشار طارق البشري ( القاضي، المؤرخ، المفكر وداعية الاصلاح) وتستعيد هذا الكتاب اليوم في ظل التحولات التي تحصل في العالم بعد طوفان الاقصى والحاجة للاستفادة من هذه التجربة لقراءة المتغيرات اليوم .
طارق البشري شخصية يجب قيام بحث عنها ويجب الاضاءة عليها لمعرفتها من قبل المجتمعات العربية. الكتاب للباحث والكاتب ممدوح الشيخ.

بعد كلمة المركز يبدأ الكتاب بنص للمستشار طارق البشري وهو يناجي به الله، يبدو من خلاله ايمانه القوي وانه يحاول ان يكون دائماً على حق وان لا يتحكم احد من البشر به. بعد ذلك هنالك مقدمة تعريفية عن اهمية شخصية مثل القاضي البشري ودوره في ثقافتنا العربية المعاصرة.

الكتاب يتألف من تسعة فصول ليست بالكبيرة هي توصل المعلومات التي يجب ان نعرفها بطريقة سهلة لكي يفهمها الجميع. الفصل الاول يتكلم عن نشأته وملامح شخصيته التي كانت تقوم على امرين اساسيين هما: العائلة والقضاة.
ينتمي طارق البشري الى عائلة لها مكانتها الاجتماعية لو كانت من الطبقة المتوسطة وهي عائلة ممتدة وهو يصف عائلته بأنها “أسرة مهنية “، هنالك اقوال له يتكلم عن كيف كانت التربية قائمة عند ابيه وعنده ايضا مع ابنائه على تأسيس شخصية مهنية او كما قال ” تربية مهني جيد”، يتم التكلم عن جده الشيخ وكيف كان له اثر على حياته. يتم التكلم بالتفصيل عن هذه العائلة الكبيرة ومن كانت تضمن وعن ولادته وكيف كان دوره في العائلة وعن ما أسماه الكاتب صراع العمامة والطربوش حيث كانت ترمز الى رموز ثقافية واتجاهات فكرية وقد تربى الكاتب معها حتى عمر العشرين من عمره وذلك في البيت القديم لجده.

الفصل الثاني بعنوان “مصادر التكوين الثقافي والفكري” شخصية طارق البشري كانت تتسم بالغنى رغم القيود التي فرضتها عليه مهنته كقاضي ولكنه استطاع دخول العالم السياسي. وكما كانت شخصيته متأثرة بثنائيات متقابلة: التمرد/ الاندراج- العمائم/ الطرابيش. قد كان لديه حياة بين المدينة والريف، وهنالك اربعة مصارد كونت الفكر والثقافة لديه : المناخ الثقافي العام للمجتمع، النظام التعليمي الرسمي، قراءاته الحرة، تأثره ببعض اعلام العصر وكبار مفكريه.تم شرح هذه النقاط بشكل مفصل ودقيق.

الفصل الثالث يتكلم عن حياته قاضياً وفقيهاً، انتهت الحياة القضائية بالنسبة له عام 1998 وكان قد بدأ بالقضاء عام 1945 ووصل ليكون النائب الاول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية للفتوى . يتم في هذا الفصل التكلم عن حياته القضائية وكونه فقيهاً. نرى كم وهب نفسه لعمله، كم كان انساناً عميقاً وشغوفاً بمهنته وعمله كقاضي طبعاً ليس بالسهل وفيه الكثير من التحديات.

الفصل الرابع يتطرق الى عمله كمؤرخ، ما يلفت الانتباه في عمله انه لم يكن المؤرخ المدرسي الاكاديمي المختص فقط بحقبة او ظاهرة بل كان يستوعب تاريخ طويل وعريض وفي عمله التأريخي كان ” واعياً” وليس ” أداتياً”
كان مهتماً اولاً بتاريخ الوطنية المصرية والعربية والاسلامية، وتم شرح هنا كيف يرى التاريخ من منظوره وكما أعطاه اهتمام، ووضع الكاتب رأيه بمواضيع مثل النص الاخباري، الاخوان المسلمين…ويعرض اراء اساتذة اعطوا رأيهم بدوره كمؤرخ.

الفصل الخامس يتكلم عن المراجعة الفكرية وهي تعني الانتقال من معسكر فكري الى معسكر اخر. هنا بعد شرح كيف ان الانسان لديه حق نقدي وتحدث عن التحولات في تفكيره ويتم التكلم عن التحول الذي حدث في حياة القاضي البشري، واولاً و ضع ما قاله هو عن نفسه وعن هذا التحول الذي حدث في فكره بعد الهزيمة العسكرية عام 1967 وبعدها وضع الكاتب بالتفصيل معلومات عن هذا التحول واراء اشخاص مهمين عن موضوع التحول الذي حصل بحياة القاضي البشري ويجب لفت الانتباه الى اهمية هذا الفصل والذي لا يمكن ان نحيط بكل نقاطه ويجب قراءته بدقة تامة فهو يتضمن الكثير من المعلومات وهو بذات الوقت يبين كيف ان الظروف تجعل الانسان يغير تفكيره و ان الانسان ينضج فكرياً والتجربة التي مر بها البشري ممكن ان تعلمنا الكثير والكثير.
الفصل السادس يتكلم عن الإسلاميين المستقلين : المراجعات والخطاب الجديد، ان الحركات الاسلامية في عصرنا شكلت حالة شاغلة او ضاغطة اجبرت الباحثين على التوقف امام تحدياتها المختلفة .
في الفصل يتم التكلم اولاً عن الحركات الأسلامية والاراء حولهم. ويذكر من الدراسات المهمة دراسة الدكتور حسين رحال وهي دراسة بعنوان ” إشكاليات التجديد: دراسة في ضوء علم اجتماع المعرفة”. حركة المراجعات ومنها تجربة طارق البشري من اعادة بناء فكر جديد والتعبير عنه بخطاب جديد. فهنا الكاتب يبدأ بالحديث عن التحول من المراجعات الى الخطاب ويضع عدة تعريفات للفكر.

الفصل السابع هو بمثابة تعقيب عام على التحولات فلقد تمحور فكر المستشار طارق البشري حول الموقف الاستقلالي وقام على تلاقي مرتكزات عدة مثل: الديمقراطية، البناء الاقتصادي، المستقل، الاشتراكية الوحدة العربية، رفض التبعية لاي قوة خارجية، عسكرية او سياسية او اقتصادية. هنا تكلم عن التحول بفكر طارق البشري والعديد من مواقفه ووضعت ملاحظات من قبله على وجهات نظر حول التيارات الدينية وبذات الوقت وضع الكاتب ملاحظات على هذه الرؤية التي وضعها البشري. لهذا الفصل اهمية كبرى ويجب قراءته بهدوء من اجل فهم تسلسل النقاط التي فيه والهدف من عرضها.

الفصل الثامن يتكلم عن قضايا المنهج عن البشري وحيث ان العالم الفكري له تشكل من روافد شتى كل منها ساهم في تشكيل كما قال الكاتب ” سبيكة فكرية” فطارق البشري ليس رجلا يحمل فكرة واحدة او تجربة واحدة ان رجلاً مثل البشري لديه موسوعة فكرية بداخله. هنا يطرح الكاتب تجربة البشري واول اجتهاد له في مسألة المنهج كان في كتاب له وتطرح قضية التحيز في مناهج البحث. يضع الكاتب رسماً يوضح المنهجية ضمن المنظور البشري- الحكيم ومن ثم يتحدث عن المنهج في دراسة التاريح و عن دراسة البشري المنهجية المهمة ” حول العقل الاخلاقي العربي و نقد لنقد الجابري”.
الفصل الاخير يتضمن المشروع الفكري لطارق البشري، هنا حصيلة كل ما ذكر. تذكر الدكتورة نادية مصطفى ان مصطلح “البناء” هو ما تبادر لذهنها من عملية استكشاف العالم الفكري لطارق البشري لانه عالم فيه العديد من التيارات الفكرية والمجتمعية المتدفقة في كل الاتجاهات فعالمه فيه ما يسمى ” بالمفاهيم المؤسسة” وهي التي شيدت هذا البناء الفكري وقد تحدث الكاتب عنها في هذا الفصل من الاستقلال الوطني، ثنائية الثابت والمتغير،مركزية التحدي الغربي وغيرها. هنا يصل الكاتب لنهاية بحثه عن هذه الشخصية العظيمة ويضع الملاحق اخيراً.
في النهاية نجد ان هذا الكتاب غني بالمعلومات والمصادر، يشرح بالتفصيل وبشكل غير ممل حياة البشري بكل مراحلها ويتطرق الى تفكيره والى كل ما يتعلق به وخاصة بحياته المهنية وبالتغييرات الفكرية التي طرأت عليه.
من يقرأ الكتاب سيدرك اهمية شخصية مثل طارق البشري وكيف كان تأثيرها في حياة الآخرين وكيف مازال يؤثر بالمجتمع حتى بعد وفاته وانه يجب التعلم من فكره الكثير من الامور التي يمكن ان تفيدنا في حياتنا، للأسف ان مثل هذه الشخصيات المهمة لا يعرفها او يقدرها كما يجب الجيل الصاعد.