رفَعَت حركة “حماس” سقف التحدّي باختيارها يحيى السّنوار رئيساً لمكتبها السّياسيّ. اختارَت الحركة “مُهندِس طوفان الأقصى” في خطوةٍ رمزيّة معنويّة أكثر ممّا هي تفاوضيّة أو عمليّة. الرّجل هو الحاكم الفعليّ للحركة منذ اختارَ إرسال “قوّات النّخبة” لتَعبُرَ السّور الأمنيّ لقطاع غزّة نحوَ مستوطناتِ الغلاف. هو الذي يُديرُ المعاركَ في غزّة. المُشرِف الأساسي على إدارة عمليّة التّفاوض، أكانَ من تحت الأرضِ أو فوقها. لكن ماذا يعني اختيار يحيى السّنوار لرئاسة “حماس”؟
منذ الانتهاء من مراسم دفن رئيس المكتب السّياسيّ السّابق للحركة إسماعيل هنيّة الذي اغتيلَ في طهران، انكبّت قيادات الحركة على اختيار خليفة له. كانت التسريبات التي تخرجُ من الاجتماعات المغلقة في العاصمة القطريّة الدّوحة تشير إلى حصر المنافسة على الرّئاسة بين رئيسها في الخارج خالد مشعل ونائب السّنوار الدّكتور خليل الحيّة، حتّى جاءَ الإعلان المُفاجئ مساء الثّلاثاء: “يحيى السّنوار رئيساً للمكتب السّياسيّ للحركة”.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ خالد مشعل حسمَ أمره مساءَ الثّلاثاء وقرّر سحبَ اسمه من لائحة المُرشّحين لرئاسة الحركة. ذلكَ أنّ جناح “القسّام” أوصلَ رسالة للمجتمعين في الدّوحة مُفادها أنّ الظّروف الميدانيّة والسّياسيّة لا تسمح بـ”المناورات السّياسيّة”، وأنّه على أعضاء الحركة المُجتمعين أن يبعثوا رسالةً واضحة بأنّ الحركة مُتصلّبة في موقفها، وأنّ الرّد على اغتيال هنيّة يكون باختيار السّنوار رئيساً لها.
لماذا السّنوار؟
أرادت حماس أن تُوجّه رسائلها يميناً ويساراً باختيار يحيى السّنوار. وأبرزها الآتي:
1- أنّ الحركة مُتماسكة بين جناحيْها. جناح “حماس – غزّة” المُقرّب من الحرس الثّوريّ الإيرانيّ بقيادة السّنوار. وجناح “الخارج” المُقرّب من قطر وتركيا ويُمثّله خالد مشعل (أبو الوليد) ونائبه موسى أبي مرزوق. وحرصَت الحركة في بيانها على القول إنّ اختيار السّنوار جاءَ بالإجماع، أي أنّ “جناح مشعل – أبي مرزوق” يُؤيّد أيضاً هذا الخيار.
كلام بلينكن جاءَ بعد بيانٍ للبيت الأبيض اعتبر أنّ الصّفقة باتت في مراحلها النهائيّة، وينبغي على جميع الأطراف إنهاؤها
2- السّنوار يتمتّع بـ”الشّرعية الكاملة” للتوقيع على أيّ صفقة لتبادل الأسرى، في حال نجحت المساعي التي يقوم بها الأميركيّون بالشّراكة مع المصريين والقطريين لمحاولة إتمام صفقة في غضون أسبوعيْن.
3- أنّ الأولويّة اليوم هي لحماس الدّاخل وليسَ للخارج. وهذا له دلالاته، لأنّ السّنوار يُمثّل الجناح العسكريّ – الأمنيّ لحماس. وباتَ اليوم يُمثّلها بجناحيْها العسكريّ والسّياسيّ.
4- القول لإسرائيل إنّ اغتيال إسماعيل هنيّة، الذي كانَ يوصف بالبراغماتية في إدارة العمليّة السّياسيّة، هو الذي جاءَ بيحيى السّنوار الرّاديكاليّ المُتشدّد لأقصى الحدود.
5- حاوَلَ “الحمساويّون” المسارعة إلى إيضاح أنّ اختيار السّنوار لرئاسة الحركة لن يُؤثّر على فريق التّفاوض الذي يرأسه نائب السّنوار الدّكتور خليل الحيّة. كما أنّ اغتيال هنيّة لن يُؤثّر على السّقف التفاوضي الذي يُفاوض تحته الحيّة، وبالتّالي التّمسّك بالمطالب الأساسيّة لحماس، التي صاغها السّنوار طوال أشهر التفاوض.
6- أرادت “حماس” أن تُعوّضَ معنويّاً على قاعدتها الشّعبيّة بعد اغتيال هنيّة والأنباء عن اغتيال قائد جناحها العسكريّ محمّد الضّيف (أبو خالد)، وقبله نائبه مروان عيسى (أبو البراء)، ورفيق درب السّنوار وخليفته المُحتمل رَوحي مُشتهى، وقبلهم نائب رئيس الحركة صالح العاروري في الضّاحية الجنوبيّة لبيروت. وبالتّالي فإنّ السّنوار هو الوجه الوحيد، على الأرجح، الباقي من هذه القيادات.
7- هي رسالة أولاً أنّ السّنوار حيٌّ ويُتابع أدقّ التفاصيل السّياسيّة والتّفاوضيّة.
هل تمضي صفقة التّبادل قُدماً؟
تستبعد مصادر “الحركة” أن ينعكس اختيار السّنوار سلباً على ملفّ التفاوض كما يُروّج البعض. فالمفاوضات المُتوقّفة (حتّى السّاعة) منذ اغتيال هنيّة، كانَت منذ البداية تُخاضُ تحت إشراف السّنوار. وبالتّالي فإنّ اختيار السّنوار هو رسالة قوّة أكثر ممّا هو خطوة لتعقيد التفاوض.
تستبعد مصادر “الحركة” أن ينعكس اختيار السّنوار سلباً على ملفّ التفاوض كما يُروّج البعض
كما تشير معلومات “أساس” إلى أنّ رئيس الاستخبارات المصريّة العامّة اللواء عبّاس كامل ورئيس جهاز أمن الدّولة القطريّ عبدالله الخليفي تواصلا مع قيادة حماس خلال السّاعات الماضية لمحاولة تحريك ملفّ التّفاوض. وجاءَت هذه الخطوة بعد اتصال الرّئيس الأميركيّ جو بايدن بالرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي وأمير دولة قطر الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني.
الحركة عبر اختيار السّنوار باتت جاهزة لاستئناف التّفاوض. هذا ما أشار إليه وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن بقوله إنّ السّنوار كانَ ولا يزال صاحب القرار بشأن وقف إطلاق النّار في غزّة.
السنوار يثأر لهنيّة..
كلام بلينكن جاءَ بعد بيانٍ للبيت الأبيض اعتبر أنّ الصّفقة باتت في مراحلها النهائيّة، وينبغي على جميع الأطراف إنهاؤها. يُؤكّد مصدر مسؤول في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ لـ”أساس” أنّ رفضَ واشنطن التعليق على اختيار السّنوار لرئاسة حماس مردّه إلى أنّ البيت الأبيض لا يريد عرقلة أيّ احتمال لعودة المفاوضات التي يُمسكها السّنوار منذ اليوم الأوّل. والأهمّ أنّ واشنطن تعتقد أنّ اختيار السّنوار جاءَ بإيعازٍ من إيران والحزب لتعويض قتل هنيّة في طهران، وأنّ إيران بعثت للولايات المُتحدة برسائل تعتبر فيها التوصّل إلى وقف لإطلاق النّار في غزّة تعويضاً لها عن الرّد على اغتيال هنيّة وفؤاد شكر في الضّاحية.
هنيّة لأردوغان: استشهاد الضيف
منذ أعلنَت تل أبيب نجاحها في اغتيال القائد العام لكتائب القسّام محمّد الضيف، وقبله نائبه مروان عيسى، تعمّدت “حماس” الصّمت. فلم تُؤكّد ولم تنفِ. فالحركة لا تُريد أن تُعطي أيّ معلومة عن قادتها للجيش الإسرائيليّ. وإن كانَ نجح في اغتيالهما، فالوقت غير مناسبٍ لإعطاء بنيامين نتنياهو ورقة. كما أنّ الحركة تتجنّب الإعلان عن أيّ تعيينٍ تجنّباً لأيّ اغتيالات إسرائيليّة جديدة.
لكنّ مصدراً دبلوماسيّاً غربيّاً قال لـ”أساس” إنّ إسماعيل هنيّة أخبر الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان قبل مدّة قصيرة أنّ تل أبيب نجحت بالفعل في اغتيال محمّد الضّيف. وهذا ما قاله إردوغان في اجتماعٍ لمكتب الأمن القوميّ التّركيّ.
الحركة عبر اختيار السّنوار باتت جاهزة لاستئناف التّفاوض. هذا ما أشار إليه وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن
إن صحّت هذه المعلومة يتّضح أنّ تعيين السّنوار جاءَ للتعويض عن كلّ الاغتيالات التي قامت بها تل أبيب من صالح العاروري وصولاً إلى محمّد الضيف وروحي مُشتهى. وبالتّالي حسّنَت “حماس” من شروط التفاوض.
ابراهيم ريحان ـ أساس ميديا