الأب البروفسور يوسف مونس
بعد اربعمئة سنة، يأتي هذا الحدث في تطويب البطريرك اسطفان الدويهي. يأتي ليقول لنا ان الله لا يترك لبنان، بل هو من وقت الى آخر يرسل لنا اشارات قداسة ودلالات نعم ، تقول لنا ان السماء والعناية الالهية تحفظان لبنان المكرس لقلب مريم العذراء ولسيدة لبنان.
الدويهي البطريرك المعلم الورع التقي، عالم مؤسس مريمي العبادة، قرباني الحياة والتكرس، انه البطريرك المؤسس Patriache Fondaseur ، يشرح يعلّم يدافع يكتب عن العقائد واللاهوت والتاريخ والطقوس والرتب واللباس والزياحات والعبادات، لينور شعبه وكنيسته. ويعلّم ابناء رعيته، ويدافع عن معتقد وايمان طائفته. هو الكاثوليكي القويم والصحيح كايمان بطرس، لتبقى كنيسته المارونية والموارنة كالوردة بين الاشواك. هذه المارونية التي حوّلت صخور لبنان الوعرة الى جنات خضراء.
انه البطريرك المؤسس لتاريخ الازمنة، يكتبه كعالم لاهوتي ليظهر الدلالات الكبرى لعظمة تاريخ كنيسته المارونية المجاهدة والمضطهدة، والطامحة دوماً الى الحرية والكرامة الانسانية، وخاصة المرأة المارونية المثقفة والمربية والمساوية للرجل بالحقوق والواجبات.
انه البطريرك الطقسي الذي كتب منارة الاقداس، ليؤسس العلم الصحيح لليتورجيا والطقسيات المارونية، وعمق تجذرها في الكتاب المقدس واللاهوت العقائدي، وكتابات الآباء والمعلمين القديسين. فشرح كل حركة وكل كلمة وكل آنية من اواني الطقس، وكل لباس ورمزيته ودلالاته ، وكيفية بناء الكنائس.
هذا البطريرك له الفضل الكبير في مرافقة تأسيس الحياة الرهبانية الديرية مع المؤسسين الاوائل، القادمين من مدينة حلب الى قنوبين والوادي المقدس قرعلي، البتن، حوا، ولاحقاً جرمانوس فرحات، وتبقى “مورت مورا” الشاهد الكبير على زمن التأسيس هذا، وستستمر هذه الرهبانيات لاحقاً، والآباء المعلمون والعاملون في ارض لبنان والعديد من القديسين والطوباويين، وحدود لبنان هي على امتداد حدود وحضور ادياره .
لقد جال في جميع الكنائس المارونية من لبنان الى قبرص، من قنوبين الى كسروان الى المتن الى الشوف، حاملاً ثقافة التنوع والتعدد والريادة الفكرية والحضارية والثقافية والعمرانية.
الاهم مع كل هذا، انه كان رجل القداسة والصلاة والورع والتقوى والعبادة القربانية والمريمية، ينظر دوماً من قلايته في قنوبين الى صورة العذراء والارض اللبنانية وبيت القربان.
بطريرك القداسة والعلم، يطوّب اليوم باحتفال مهيب في بكركي ليعطي لبنان مجدا وفخرا وشفاعة امام العالم. هذا هو المجد الذي يتكلم عنه الدكتور شارل مالك وكمال الصليبي، المجد الذي اعطي للموارنة.
فهل عدنا الى اصالتنا والى حقيقة رسالتنا في هذا الشرق الا وهي: العلم والفضيلة والقداسة وتقديس نفوسنا كهذا البطريرك، ونأخذ منه السعي للعلم والمعرفة والثقافة.
الكلمات المفاتيح لفهم حقيقة حياة البطريرك اسطفان الدويهي هي: القداسة والتواضع والعلم والثقافة والمعرفة.
وكما حول الاجداد والآباء الموارنة الاوائل صخور لبنان الى جنات خضراء وجلّلوها، وعاشوا كرماء في الجبال الوعرة، وكانوا رواد علم وثقافة وحضارة وكرامة انسانية. هكذا علينا ان نكون اليوم، لنليق بهم وبتاريخنا ولبنان وكنيستنا ورهبانياتنا.