إسرائيل أسقطت الخطوط الحمر واغتالت فؤاد شكر… أحد المتهمين في تفجير المارينز ببيروت عام 1983

وقعت الواقعة بعد خمسة أيام من حادث مجدل شمس، ولجأت إسرائيل في تنفيذ ضربتها إلى أسلوب الاغتيالات في عقر معقل “حزب الله”، في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت. لكنها منيت بفشل في اغتيال هدفها أقله وفق المعلومات المتضاربة حول مصير القائد العسكري التي أعلنت إسرائيل أنها استهدفته بما استعاد تجربة محمد الضيف في غزة؟. وهنا كانت المفاجأة الكبيرة إذ سبق أن ركزت المعلومات والتسريبات والتصريحات العلنية سابقاً على أن الديبلوماسية الأميركية حيّدت بيروت والضاحية عن الضربة، ولكن واقعة الاغتيال أسقطت كل هذه المعطيات.

ووسط بلوغ الخشية ذروتها من ان تكون إسرائيل أسقطت الخطوط الحمر ولو فشلت في اغتيال هدفها، بما يستتبع اندلاع الحرب الواسعة، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية أولاً عن أن الشخصية القيادية التي استهدفتها مسيّرة إسرائيلية أطلقت ثلاثة صواريخ على مبنى مجاور لمجلس شورى “حزب الله” في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت هو فؤاد شكر المستشار العسكري الكبير للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، والذي كان مدير مشروع دقة الصواريخ التابع للحزب.

ويعتبر الرجل الرقم 2 في الحزب ووصف بأنه في حجم عماد مغنية وهو معروف أيضاً باسم الحاج محسن ويعتبر المسؤول العسكري الأول للحزب في الجنوب، وصنفته الولايات المتحدة إرهابياً، وهو يعمل في أعلى هيئة عسكرية للحزب، وهي مجلس الجهاد، وقد ساعد مقاتلي “حزب الله” والقوات المؤيدة للنظام السوري في حملة “حزب الله” العسكرية ضد قوات المعارضة بسوريا. وكان شكر أحد المقربين من القيادي في “حزب الله” عماد مغنية ولعب دوراً محوريّاً في تفجير ثكنات المشاة البحرية الأميركية ببيروت يوم 23 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1983، ما أسفر عن مصرع 241 فرداً عسكريّا أميركيّا، وإصابة 128 آخرين.

ولكن وسائل الإعلام التابعة للحزب أعلنت أن الهجوم على الضاحية الجنوبية فشل في عملية اغتيال القيادي البارز. كما أن “رويترز” نقلت عن مسؤولين أمنيين أن “القائد الكبير في “حزب الله” الذي استهدفته ضربة إسرائيلية قد نجا”.

فؤاد شكر.

وأفاد موقع “اكسيوس” نقلا عن مسؤول إسرائيلي أن الهدف هو فؤاد شكر المسؤول عن جميع العمليات العسكرية لـ”حزب الله”. ثم عادت هيئة البث الإسرائيلية لتنقل عن مصادر مطلعة أن ليس لديها تأكيد أن عملية الاغتيال قد نجحت. كما أن وسائل إعلامية إسرائيلية أخرى قالت إن ثمة تقديرات بأن فؤاد شكر أصيب بجروح بالغة في الهجوم. وليلاً بثت قناة العربية نقلاً عن مصادر أن شكر قد قُتل وأن طوقاً أمنياً فرض حول مستشفى الرسول الأعظم الذي نقل إليه.

وتحدثت مصادر في مستشفى بهمن عن وصول قتيلة وعدد من الجرحى أحدهم في حالة حرجة إلى المستشفى فيما تحدثت معلومات أخرى عن سقوط قتيلة وعشرة جرحى.

وأظهرت اثار الضربة حجم الدمار في المنطقة المستهدفة. وأعلن الجيش الإسرائيلي لاحقاً حالة الاستنفار في كل إسرائيل، وطلب من المستوطنين قرب الحدود مع لبنان البقاء في الملاجئ، فيما أفيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتمع بقادة الجيش في مكتبه وأن اتصالات أجريت من أجل منع نشوب حرب بين لبنان وإسرائيل.

وفي تعليق أوليّ على الضربة، قالت الخارجية الأميركية: “نواصل التركيز على الديبلوماسية ونريد تجنّب أي نوع من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله”. كما أن البيت الأبيض سارع إلى الإعلان أنه لا يعتقد أن الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” هي حتمية.

ومساء أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن مجلس الوزراء سيعقد جلسة في الثامنة والنصف صباح اليوم للبحث في المستجدات الطارئة.

ما قبل الغارة

وكانت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أفادت قبل ساعات من الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية أن واشنطن تتوقع رداً إسرائيلياً محدوداً. فالإدارة الأميركية حسب مصادر دبلوماسية غربية لا تتوقع أن تحصل حرب إسرائيلية شاملة على لبنان وشجعت إسرائيل على أن يكون ردها محدوداً إذ ما زالت هذه الادارة منذ اندلاع حرب غزة على الموقف المصر على الحليف الإسرائيلي بعدم توسيع المواجهات إلى حرب واسعة في بيروت وكل لبنان.

الهدف الذي استهدفته إسرائيل

وفي هذا السياق خرجت الاتصالات الديبلوماسية عن الإطار اللبناني الخارجي واتسعت إلى دول معنية إذ بحث وزير الخارجية المصري بدرعبد العاطي مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جهود خفض التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. وذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أن عبد العاطي “أكد ضرورة دعم الدولة اللبنانية والحفاظ على استقرارها وحماية مصالح الشعب اللبناني”، مستعرضاً أبرز الجهود التي تبذلها مصر، والاتصالات التي تجريها مع الأطراف المختلفة لخفض التصعيد على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، “وهو ما كان محل تقدير من الوزير الأميركي الذي استعرض بدوره أبرز جهود بلاده في هذا الشأن”.

وعلى الصعيد الأميركي أيضا حذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، من أنّ “أي تصعيد بين لبنان وإسرائيل يُمكن أن يفجّر الوضع، ونود أن نرى حلًا دبلوماسيًا”. ولكنه قال: “لا أعتقد أن نشوب حرب بين إسرائيل و”حزب الله” أمر حتمي”.

وتلقى وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب إتصالاً من نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي الذي عبّر عن “وقوف المملكة الاردنية الهاشمية الى جانب لبنان في هذا الوقت الصعب كما في كل وقت”، مؤكداً “حرص الأردن على أمن وسيادة لبنان ورفضه للتهديدات الاسرائيلية”. كما شدد الصفدي على “عمل المملكة لمنع التصعيد والحؤول دون الانزلاق إلى حرب واسعة واضعاً إمكانات بلاده في تصرف لبنان”.

المشهد الداخلي

هذه الحركة لاقاها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتأكيده تكراراً “أن لبنان يدين كل اشكال العنف لا سيما التعرض للمدنيين، ويطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان وتنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 كاملا”. وقال: “من المستغرب أن العدو الإسرائيلي الذي يشن حرباً بلا هوادة على الفلسطينيين، قتلاً وتدميراً وتهجيراً، يزعم التفجع على ضحايا عرب سقطوا في منطقة عربية محتلة من قبل إسرائيل ويهدد ويتوعد، علماً أن الملابسات الكاملة لما حصل لا تزال غير معروفة بعد”.

وقال “إن التهديدات الإسرائيلية المستجدة ضد لبنان والتهويل بحرب شاملة لن يثني اللبنانيين عن التمسك بحقهم في أرضهم والدفاع عنها بكل الوسائل التي تقرها الشرائع الدولية”. وأكد “أن هذا الموقف تم ابلاغه إلى جميع اصدقاء لبنان في العالم وإلى الاتحاد الأوروبي، كما سيتم الرد على المزاعم والاتهامات الاسرائيلية في رسالة مفصلة إلى مجلس الأمن الدولي”.

ودعا إلى “عدم الانجرار خلف الشائعات والأخبار الكاذبة التي تهدف إلى بث الهلع في قلوب جميع اللبنانيين”، وشدد على “أن الحكومة حاضرة بكل وزاراتها وأجهزتها لمواجهة اي طارئ ولكن الاجراءات المطلوبة يجري اتخاذها بطريقة لا تثير الهلع عند اللبنانيين”.

بدوره، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال استقباله في عين التينة وفداً من الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم أن “ما يحصل يهدد المنطقه بأسرها، لكن بالرغم من خطورته، نحن لسنا خائفين على لبنان وعلى مستقبله، فضمانة لبنان هي الوحدة بين مواطنيه في الداخل وفي الإغتراب وأيضاً من خلال التمسك بعناوين قوة لبنان وبحقوقه المشروعة في الدفاع عن أرضه وعن سيادته وثرواته بكل الوسائل المتاحة التي نصت عليها القوانين والشرائع الدولية “. وقال بري: “اؤكد أن لبنان التزم وملتزم بالقرار 1701 منذ لحظة صدوره وإسرائيل سجلت رقماً قياسياً بخرق هذا القرار بأكثر من 33000 خرق، فالمدخل الأساس للإستقرار وتجنيب المنطقة إندلاع صراع لن يسلم منه أحد، يكون بالضغط على المستوى السياسي الإسرائيلي لوقف عدوانه المتواصل على غزة وعلى لبنان منذ ما يزيد عن تسعة أشهر”.

وفي المقلب المعارض، لفت المكتب السياسي في حزب الكتائب الى “لجوء “حزب الله” وكما درجت العادة إلى التلطّي خلف الدولة اللبنانية التي أصبحت أداة طيّعة في يده يستعملها متى دعت الحاجة ويحمّلها مسؤولية التفاوض بما ارتكبه من أفعال من دون أن يتورع عن إيفاد مسؤول العلاقات الخارجية لديه ليملي ارشاداته على وزير خارجية لبنان”. واعتبر “أن الدولة اللبنانية الحقيقية التي يفترض أن تمثّل ابناءها وتدافع عن مصالحهم لا يجوز أن تكون ساعي بريد بين ميليشيا والمراجع الخارجية بل إن وظيفتها الوحيدة هي الحفاظ على السيادة والقانون وكرامة اللبنانيين فتكون سيدة قرارها في السياسة كما في الحرب. ومن هنا يدعو حزب الكتائب المجموعة الوزارية إلى استدراك الوضع والإقلاع عن تغطية أي ارتكابات تساق تحت مسمى حماية اللبنانيين والدولة في مشهد بات مدعاة للسخرية”.

عودة الاحتدام

أما على الصعيد الميداني في الجنوب، فعرفت المنطقة الحدودية يوماً ساخناً للغاية اتسم بجولات من الغارات التي نفذتها الطائرات الحربية الإسرائيلية طوال ساعات النهار. وكانت شنّت غارة استهدفت منزلاً غير مأهول في منطقة الخلة بين بلدتي جبشيت وعدشيت بصاروخين، وألحقت فيه اضراراً كبيرة، فيما أفيد عن إصابة ثلاثة مواطنين بجروح طفيفة جراء الغارة.

في المقابل، أعلن “حزب الله” أنه قصف مقر قيادة كتيبة “السهل” في ثكنة “بيت هلل” بصلية من صواريخ “الكاتيوشا. كما قصف موقع جل العلام رداً على الاعتداء والاغتيال في بيت ليف جنوب لبنان. وأعلن أنه قصف للمرة الثانية أمس مقر قيادة كتيبة السهل بصلية من صواريخ الكاتيوشا. كذلك، أعلن أنه أوقع قتلى وجرحى بهجوم بمسيّرات انقضاضية على موقع للجيش الإسرائيلي في مستعمرة كفاريوفال.

واستهدفت غارة اسرائيلية بلدة الخيام التي تعرضت ايضاً لقصف مدفعي وفوسفوري. وقد نعى “حزب الله” حسن حسين ملك من بلدة بيت ليف.

وأعلن مصدر قيادي في الحزب “أننا لا نتوقع اجتياحاً برياً ولو محدوداً للبنان لكننا في حالة جاهزية كاملة والاجتياح البري للبنان سيكون حافزاً لنضع أولى أقدامنا في الجليل”. وأكد “أننا سنرد حتماً على أي اعتداء إسرائيلي ونحن قادرون على قصف المنشآت العسكرية في حيفا والجولان ورامات ديفيد بشكل قاس وعنيف، وقيادة الحزب ستقرر شكل الرد وحجمه على أي عدوان محتمل”.

  (النهار)