علي يوسف
– يقع موضوع التشبيك على المستويات السياسية والاقتصادية والنقابية والخدماتية على أنواعها في إطار الأمن القومي أو الامن الاقليمي وفقا لمقتضيات المرحلة من جهة والظروف التي تحكم شروط وأسباب واهداف التشبيك.وكان يمكن طرح موضوع التشبيك في إطار الامن القومي العربي وفق مقتضيات الصراع مع الغرب وكيانه المغتصب الذي لعب طوال الفترة الماضية دور الشرطي الفارض للسيطرة الغربية ولاستمرار مشروع ومفاعيل سايكس بيكو.إلا أن مفهوم الامن القومي لم يطرح على المستوى العربي إلاّ من قبل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي اعطاه مداه في الصراع مع الغرب بجعله جزءا من مشروع محور دول عدم الانحياز ليجد له مكاناَ ثالثاً وفي الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيات وبين الحلف الاطلسي.ومع نكسة العام 1967 وما تبعها ووفاة الرئيس عبد الناصر ضُربت فكرة الامن القومي وغابت عن الطرح وعن الفكر العربيين لتحل محلها كيانيات تبعية متخبطة متصارعة في مصالح متناقضة سلطوية ومالية شكلت المناخ الملائم لهجمة غربية فتكت بكل مظاهر الامن القومي العربي وحتى بحدود عناوين التعاون الشكلية. وتحولت القمم العربية الى قمم بيانات استنكارات ومطالبات من قبيل براءة الذمة امام الشعوب والتاريخ.وقد زاد في تفاقم الامر انهيار الاتحاد السوفياتي وسيطرة القطب الواحد الغربي على القرار الدولي وعلى السياسات الدولية.إلا ان عناصر مستجدة متراكمة ومتدرجة خلقت واقعاً جديداً على المستويات الدولية والاقليمية والعربية هي:1- فشل الولايات المتحدة الاميركية لأسباب بنيوية ليس مجال شرحها هنا في ايجاد وصنع تسويات ذات مضامين اخلاقية سياسية تؤمن استقرار توازن سيطرتها لفترة طويلة.2- صعود دور ما يمكن تسمية محور الشرق عبر دول البريكس والذي تمدد ليشمل دولاً اخرى أهمها ايران ثم مصر والسعودية.3- الثورة الاسلامية في ايران التي حملت مشروع مواجهة السيطرة الغربية والتزام القضية الاساس في هذه المواجهة وهي قضية فلسطين بمعايير ايديولوجية وسياسية اقوى من المعايير المصلحية.4- صعود وتكون محور المقاومة من فلسطين الى لبنان الى سوريا الى العراق بدعم ايراني ثابت وكبير وببنى ومنهجية جديدتين ساهم الاسلام السياسي التحرري المناهض للغرب في تكوينهما بحيث استعادت قضية تحرير فلسطين وقضية التحرر من مفاعيل سايكس بيكو موقعهما في مشروع سياسي قائم على اسس متينة ايديولوجياً ودعماً وبنية وبيئة حاضنة وحامية.5- تنفيذ عملية طوفان الأقصى من قبل حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية والتي شكلت أول عملية فلسطينية وعربية ذات طابع هجومي ضد ما يسمى دولة الكيان ودخول قوى محور المقاومة وان تحت شعار المساندة في العملية الهجومية المستمرة حتى الآن من اليمن الى العراق الى لبنان وبدعم ايراني واضح وحاسم وان لم يتحول حتى الآن الى جبهة عسكرية مباشرة.ولقد أدى امتزاج كل هذه العناصر المستجدة مع تراجع دور عربي رسمي قومي جامع خلف المقاومة وخلف القضية الفلسطينية الى تلازم هدفين أساسيين:الأول : متابعة مجريات وتداعيات وآفاق عملية طوفان الاقصى ووحدة الساحات لمحور المقاومة.والثاني: متابعة وتعزيز صعود محور الشرق الذي ينمو ويتوسع في افريقيا واميركا اللاتينية وآسيا وبعض اوروبا وفي الشرق الأوسط في اتجاه فرض عالم متعدد الاقطاب على انقاض القطب الواحد.وتلازم هذين الهدفين يعطي المعاني السياسية والاقتصادية والثقافية للتشبيك الاقليمي القائم على الأمن الاقليمي كبديل اوسع من الامن القومي العربي وبحيث يكون الامن القومي العربي القائم على تحرير فلسطين والتحرر السباسي والاقتصادي والثقافي من السيطرة الغربية جزءاً من مشروع الامن الاقليمي القائم على تحقيق هذه الاهداف اقليمياً بدخول ايران وتركيا اللتين تجمعهما بالعالم العربي اواصر الدين والثقافة والتاريخ والبيئة والتقاليد المجتمعية اضافة الى المصالح الاستراتيجية وبحيث يشكل مشروع التشبيك مشروع بناء قطب اقليمي متحرر من السيطرة الغربية من جهة ومن جهة ثانية قادر على لعب دور دولي يؤمن تطوره وتأمين الرفاه لشعوب المنطقة على قاعدة نظام امني سياسي اقتصادي اقليمي.صحيح ان هذا المشروع قد يكون مستفزاً لبعض الكيانات العربية المرتبطة بالغرب إلاّ أن رؤية للتشبيك ولسياساتها تؤمن الطمأنينة بعدم المس بالشؤون التي تتعلق بالانظمة الداخلية لهؤلاء مع التغيير الواضح في ميزان القوى سوف يدفع هؤلاء الى الاندفاع نحو التشبيك وان يكن بمنطق تبعية في بادئ الأمر.وحتى لا يكون مشروع التشبيك مجرد شعار يجب توضيح اهمية هذا الشعار واسبابه واهدافه كمسألة اساسية وفي الأساس .. وهذا يحتاج الى ورش عمل لوضع تصورات وتوصيات تتناول:- الحدود ونظم الانتقال والتنقل بين دول التشبيك- الاتفاقات الاقتصادية في ضوء دراسة الثروات والقيم المضافة التي يمكن ان يتم تعميمها في حالات التشبيك بحيث تتحول الى مصالح مشتركة.- وسائل الربط بين دول التشبيك – المطارات وسكك الحديد والنقل البري التجاري والبشري.- مشاريع الاستثمار المشتركة ذات الأولوية وفقاً للثروات والحاجات والقيم المضافة.- المشاركات الشعبية في الاستثمار في المشاريع المشتركة بما يجعل التشبيك مصلحة شعبية..- الاتفاقات العلمية والخدماتية والثقافية على انواعها وفقاً للقيم المضافة وتعزيزاً للمصالح المشتركة ولمنظومات القيم المتعلقة بالفكر والعدالة والحقوق والواجبات.- توحيد او على الاقل تلاؤم القوانين المتعلقة بالاستثمار والتنمية والعلاقات البينية بين دول التشبيك على مختلف المستويات البشرية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتبادل المعلومات والتكنولوجيا – اقرار اتفاقات الدفاع المشترك والتعاون العسكري والامني صحيح ان هذا العمل هو عمل مؤسسات الدول المعنية إلاّ ان طرح توجهات والترويج لها يساهم في الترويج لفكرة التشبيك ويخفف من آثار الصراعات التي كان الغرب قد عززها لسنين في سبيل استمرار سيطرته.