الحدّ الأدنى للأجور “لعيشة متقشفة جدًا”.. شمس الدين: 52 مليون ليرة

لا يزال العامل في لبنان يتسابق مع لقمة عيشه التي يحصل عليها “بطلوع الروح” كما يقال، وهذا ليس كلاما إنشائيا، إنّما نتيجة واقع أسعار السلع والخدمات التي عادت إلى جنونها السابق حين كان الدولار يحلّق عاليا، فيما يستقرّ سعر صرف الأخير منذ أشهر خلت، ما يطرح تساؤلات عن السبب، وعن غياب وزارة الإقتصاد والتجارة عن المشهد كليًّا، حيث لا نشهد أي حملات لقمع المخالفات، بشأن إزالة التسعير بالدولار في أغلب المؤسسات التجارية، والذي أقرته الوزارة سابقا، أو بشأن رفع الأسعار بهذا الشكل المجنون!


أغلب الأسر اللبنانية “مكسورة” معنويًّا وماديًّا، قبل موجة الغلاء الجديدة، فكيف بحالها اليوم؟ عطفًا على أنّ الحدّ الأدنى للأجور متدنٍ جدًّا في الأساس.

إزاء هذا الواقع، أعلن وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم في الرابع من نيسان 2024، رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 18 مليون مع بدل نقل 9 مليون للقطاع الخاص، ولكن رغم الجهود الحثيثة لوزارة العمل، فحجم زيادة أجور القطاع الخاص لا يقتصر عليها فقط، فأيّ قرار صادر عن لجنة المؤشر التي ترأسها مرهون بموافقة الهيئات الإقتصادية.
ويبقى السؤال: هل يكفي رقم 18 مليون ليرة كحد أدنى للأجور للقطاع الخاص، وكم تحتاج الأسرة لتحقيق العيش بحدّه الأدنى؟

جزم الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، في حديثه لـ”الديار”، بأنّ اعتماد الحدّ الأدنى للأجور 18 مليون ليرة شهريا، غير واقعي وغير حقيقي، ولا يعكس كلفة معيشة الأسرة، فاليوم ومن خلال الأبحاث التي قمنا بها وكي تعيش أسرة لبنانية مؤلفة من 4 أفراد، “عيشة متقشفة جدا جدا جدا”، فإنّها تحتاج إلى 52 مليون ليرة شهريا، ما يعني أنّ هناك فرقا كبيرًا بين الحدّ الأدنى للأجور وبين الكلفة التي تحتاجها الأسرة، فإذا كان الفرد اليوم يحتاج على سبيل المثال ما يعادل دولارين يوميا، يعني أنّ أي أسرة من 4 أفراد، تحتاج إلى 8 دولارات يوميًّا، أي 240 دولار شهريا وهذا الرقم متدن جدًّا.

إن سلّمنا جدلا أنّ هذا الرقم ممكن في القطاع الخاص باستثناء من يتخلّفون عنه بداعي الخوف من الإفلاس، أو بداعي التفلّت من الرقابة والتسجيل في الضمان والتصريح برواتب موظفيه، فهل يمكن زيادته في القطاع العام؟

أكّد شمس الدين أنّ رفع الحد الأدنى وإعطاء زيادات أمر ممكن في القطاع الخاص، لأنّ الأسعار والأرباح عادت إلى مستويات ما قبل الأزمة، في حين أنّ الرواتب والأجور تبلغ 20 إلى 25% فقط من قيمتها السابقة، وبالتالي فإنّ القطاع الخاص قادر أن يرفع الرواتب كما قبل الأزمة، مؤكّدا أنّ المشكلة هي في القطاع العام، لأنّه بالرغم من الزيادات التي أصبح الموظف بموجبها يتقاضى ما يعادل 9 رواتب شهريًّا وبدل النقل، لا تزال الإيرادات أو الدخل هو أقل من حاجات الأسرة.

وعن الحلّ، لفت شمس الدين إلى أنّه لا بدّ من معالجة موضوع القطاع العام بطريقة مختلفة، وذلك بأن يُسمح لموظفيه بالعمل يومين أو ثلاثة أو نصف دوام في القطاع وباقي الأيام في مؤسسات أخرى، ليكون لديهم دخل إضافي، لأنّ أيّ زيادة لموظفي القطاع العام، ستحمّل المواطن المزيد من الضرائب والرسوم، أو ستذهب الحكومة باتجاه طبع المزيد من العملة وبالتالي المزيد من التضخّم، وأوضح أنّ عدد العاملين في القطاع العام بالأصل كبير جدًا، ويفوق حاجته مئة بالمئة تقريبًا، فإذا كان يضمّ بين جيش وقوى أمن وموظفين مدنيين بحدود 240 ألف موظف، فإنّه لا يحتاج أكثر من 120 ألف موظف، مشدّدًا على أنّه من الخطأ اللجوء إلى صرف العاملين في هذا القطاع.

نظرا لتماسها مع هموم العمّال اليومية، وملامستها لوجعهم وصعوبة ظروف عملهم وخاصة المياومين منهم أو العمال المستغّلين من لبنانيين وسوريين، لم تبدِ النقابات موافقتها الضمنية على أرقام زيادات الحدّ الأدنى للأجور لا سيما بعد العاصفة المالية التي عبثت بأمن لبنان المالي والنقدي والإقتصادي، وإن كانت توافق ظاهريا على قاعدة “خذ وطالب”.

رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان ( FENASOL ) كاسترو عبد الله، أشار لـ”الديار” إلى أنّ موظفي القطاع العام والخاص يعيشون نفس المعاناة ويمرون بأسوأ وضع اليوم، بحيث أوصلتنا الأزمة الإقتصادية والسياسات المالية المتّبعة إلى هذا الدرب من الإنهيار، وأشار حول الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص المقرّر بأن يصبح 18 مليون ليرة، وبدل النقل الذي لا يدخل بأساس الراتب، إلى أنّه وفقًا لدراسة الإتحاد الوطني للنقابات قبل 4-5 أشهر، فإنّ الراتب لا بدّ أن يوازي ما بين 700 أو 800 دولار، فيما تحدّثت الدولية للمعلومات عن راتب يقارب 52 إلى 53 مليون ليرة، وكذلك الإحصاء المركزي، عدا عن إيجار السكن والطبابة وسواها، لافتا إلى أنّنا نتحدث هنا عن العيش بالحدّ الأدنى، فالمشكلة الكبيرة وخاصة في ظلّ غياب أيّ حوار إجتماعي جدّي، رغم أنّ أصحاب العمل تأقلموا ودولروا كلّ شيء، وأصبح لديهم اليوم قيمة إضافية، وكذلك الدولة من خلال الخدمات والضرائب التي فرضتها، حيث أصبحت تسدّد الدين الداخلي.

أجر متحرّك وسلسة جديدة
برأي عبد الله الحل يتحقّق بإيجاد سلّم متحرك للأجور في القطاع العام، كما القطاع الخاص، ويمكن أن تقوم به الدولة، ولكنها للأسف تهمله رغم أنه مطلب مزمن للحركة النقابية، وبذلك تزيد الأجور تلقائيا بحسب نسبة التضخم، والمطلوب أيضًا سلسلة رتب ورواتب جديدة لموظفي القطاع العام تعيد القوة الشرائية لأجورهم، فهم لا يزالون يتقاضون وفق سعر 1500 ليرة، وما يقدّم لهم من مساعدات إجتماعية لا تدخل في صلب الراتب، ومن يتقاعد اليوم يتقاضى على أساس المليون ونصف والمليونين ليرة، يعني أساس راتبه، أو بأحسن الحالات 3 مليون ليرة بحسب أجر الساعة، وبالتالي نحن بحاجة لهذه الهيكلة، ولكن للأسف اليوم الدولة والحكومة الحالية هم مقدّمو خدمات لأصحاب العمل والهيئات الإقتصادية بهذا الموضوع، فاليوم نمرّ بوضع استثنائي، هناك حرب في جنوب لبنان، والبلد على فوهة برميل بارود، وليس هناك تحركات لرفع الصوت، وهذا ما تستفيد منه ذلك الدولة وأصحاب العمل.

عبد الله تطرّق أيضًا إلى موضوع استغلال اليد العاملة واللاجئين السوريين في القطاع الخاص خارج أي معايير، ما أوصل إلى اعتبار لبنان السنة الماضية في مؤتمر منظمة العمل الدولية من قبل لجنة معايير العمل بأنّه مخالف للاتفاقية 29 التي تتحدّث عن العمل الجبري، والتي صدّق عليها عام 1977، بأنّه يمارس العمل الجبري يعني “السخرة”.

وجدّد عبد الله أنّ ما من حلّ اليوم إلا عبر عقد إجتماعي جديد، مفاوضات أو حوار اجتماعي جدّي حقيقي، لافتًا إلى أنّه لا بدّ أن يتخلّى أصحاب العمل والهيئات الإقتصادية والمصارف عن “عنجهيتهم”، وأن يدفعوا للموظفين والعمّال القيمة الحقيقية لقوّة أجورهم، وإن لم يحصل ذلك فنحن ذاهبون للأسوأ، واليوم ما يمنع التحركات هو الوضع الأمني، ولا بديل عن حوار إجتماعي جدّي والإلتزام بمعايير العمل اللائق وإعادة القوة الشرائية للأجر في القطاعين العام والخاص، وإعادة قيمة التعويضات (نهاية الخدمة في القطاع الخاص، والمعاش التقاعدي في القطاع العام)، وأشار إلى أنّ المفارقة أنّهم تحدّثوا عن 18 مليون ليرة، فيما هناك قطاعات لا يتقاضى موظّفوها أكثر من 10 مليون ليرة، وأخرى لا تدفع بدل النقل ومنح التعليم، ولا يتّم التصريح عن كامل الرواتب للضمان، وهناك في المقابل مؤسسات تعطي جزءا من الرواتب بالدولار ولكنّها قليلة.

وختم عبد الله بأنّ كل الناس متضرّرة اليوم، ولم يعد هناك طبقة وسطى، ونعيش في وضع سيء، ومحرومون من أدنى الحقوق، ولدينا مشكلة طبابة، سكن، خدمات عامة، فهناك جيش من المتضرّرين في القطاع العام والخاص، وكلّ الفئات الإجتماعية اليوم متضررة باستثناء أصحاب العمل والكارتيلات: المحروقات، الطحين، المواد الغذائية، الأدوية والمستشفيات.

المصدر – الديار