الزميلات والزملاء ممن عملوا في الوكالة الوطنية للاعلام او في وزارة الاعلام ، لم يغب من ذاكرتهم اسم اختٍ لهم وزميلة وصديقة كانت دائما الى جانبهم : عصمت مكداشي .
بالامس غادرتنا عصمت بعد معاناة مع المرض الذي الزمها البقاء في منزلها منذ تقاعدها لسنوات خلت . غادرتنا عصمت بصمت وتواضع كما كانت دائما في حياتها ، فتركت في قلوب كل من عرفها او عمل معها ، حسرة كبيرة لان عصمت كانت قريبة من الجميع ، تخدم باخلاص وتفان ، من دون ان تطلب في المقابل اي شيء باستثناء ان ترى الاخرين سعداء …
رافقتني عصمت طوال تسلمي مسؤولية ادارة الوكالة الوطنية للاعلام على مدى ١٧ عاماً ، فكانت شريكة النجاحات التي تحققت في تلك السنوات ، وكانت العين الساهرة على كل ما يتصل بعملنا سوية . منها تعلمت الكثير وانا في بداياتي في القطاع العام بعد سنوات قضيتها في ” النهار” ، مدرستي ومدرسة الكثيرين غيري . ولن انسى وقفات عصمت يوم حاول بعض المتحمسين ” اقتحام ” مكتبي في غيابي في ظروف مضطربة شهدتها البلاد في اوائل الثمانينات ، ما ادى الى ردعهم وسَلِم المكتب ومن فيه وبقيت الغالية عصمت حريصة على الحضور يومياً الى المكتب و ” حمايته” الى ان زالت الظروف وعدتُ اليه لاكمل مع عصمت سنوات اضافية من العمل والمثابرة .
ولان عصمت كانت اهل ثقة وموضع احترام الجميع ، وكانت المرجع في خبرتها وتجربتها واتقانها اللغة الانكليزية الى جانب اللغة الام ، فقد ” انتزعها ” مني وزيران للاعلام كي تكون مديرة مكتبيهما خلال توليهما المسؤولية الوزارية .
عصمت ، الانسانة الطيبة المهذبة ، الخلوقة ، نظيفة الكف وعفيفة اللسان ، لم يكن في قلبها اي مكان للحقد او البغض او العدائية … بل غمرت قلبها المحبة ، وكان التسامح خيارها ، وتقريب المتباعدين نهجها ، ومصالحة المختلفين اسلوبها ، فصارت عصمت ” ابو ملحم ” الوزارة يلتقي عندها الجميع لتصفية القلوب وانهاء الخلافات .
هكذا عرفتُ عصمت مكداشي على مدى ١٧ عاماً من العمل معاً ، وعندما ابلغني الصديق بديع طبارة بالامس نبأ رحيلها ، شعرت بأن جزءا كبيراً من ذكرياتي الجميلة في الوكالة الوطنية للاعلام رحل معها لانها كانت رفيقة الدرب ، في لحظات الفرح القليلة تلك الفترة ، ولحظات الحزن التي لا تنتهي . لن انسى صوتها ينساب عبر الهاتف منذ ان باعدتنا ظروف العمل والزمها المرض على ملازمة منزلها ، وذلك لتتمنى لي يوم عيد ميلادي العمر الطويل والسلامة والصحة ، وهي التي ما كانت تغيب عن معايدتي حضورياً في هذه المناسبة سنة بعد سنة مع مجموعة من المخلصين والمحبين من اسرة الوكالة الوطنية للاعلام ووزارة الاعلام.
واذا كانت عصمت مكداشي غابت بالجسد لكنها باقية في قلوب جميع من عرفها او عمل معها ، صورة لمن جسدّت في حياتها نبل الوفاء والاخلاص والمحبة .
وداعاً عصمت ، استريحي حيث لا ألم ولا وجع واذكرينا بصلاتك ، كما كنتِ تفعلين في حياتك … الى ان نلتقي .
رفيق شلالا