بعد ثمانية أشهر ونيف على “طوفان الأقصى” وحرب “الاشغال” التي أطلقها “حزب الله” على الحدود الجنوبية للبنان، والتهديدات شبه اليومية التي يطلقها قادة العدو الصهيوني تارة بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وتارة بتدمير بلدنا بطريقة شبيهة بما حدث في غزة، أصبح السؤال البديهي هو: هل ستقع الحرب الكبرى ومتى؟
وساطات كثيرة هي التي يقوم بها مبعوثون وموفدون دوليون في محاولة لتهدئة الجبهة الجنوبية، ربما أو بالأحرى بالتأكيد، ليست هذه المحاولات سوى لتجنيب إسرائيل دماراً محتوماً وانهياراً إضافياً بعد الانهيار المعنوي الذي أصاب جيشها وجبهتها الداخلية، والانقسامات السياسية التي تهدد حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية بفرط عقدها.
السبب البديهي خلف هذا الاستنتاج وفقاً لمصدر نيابي قريب من قوى الممانعة، شاء بعض القوى السياسية أم رفض، هو أن الغرب وإسرائيل تملكهما خوف من قدرات المقاومة المسلحة سواء أكانت في غزة وبطلتها حركة “حماس” أم على الجبهة الجنوبية وبطلها “حزب الله”، فمن عادة إسرائيل أن تقوم بحروبها ضد العرب منذ نشأتها على قواعد أساسية تتلخص أولاً بالحرب الخاطفة، ثانياً بتجنّب الخسائر البشرية، وثالثاً وهو الأهم أن تجنّب جبهتها الداخلية خسائر مادية وبشرية على السواء.
ويضيف المصدر: ان كل هذه الظروف لم تعد متوافرة للكيان الصهيوني، فهو يخوض حرباً منذ تشرين الأول الماضي وهذه أطول حرب في تاريخه، وعلى الرغم من أنه لم يعلن، كعادته، عن عدد قتلاه، فإن الأرقام الموثقة في الاعلام الصهيوني والغربي عموماً تفيد بأن ما لا يقل عن ألفي قتيل قد سقطوا في صفوف جيشه عدا الجرحى والمعاقين، ناهيك عن المدنيين الذين قتلوا نتيجة “طوفان الأقصى”، هذا من دون الحديث عن الأضرار الاقتصادية الفادحة التي مني بها قطاع الزراعة نتيجة ضربات “حزب الله” على المستوطنات الشمالية، وقطاع السياحة الذي كان الأكثر تضرراً.
ويؤكد أن حديث العدو الصهوني عن شعور إسرائيل للمرة الأولى بخطر وجودي حقيقي، ذلك أن المواجهة التي ما كانت متوافرة في الماضي أصبحت اليوم تخيفها، وما رسالة “الهدهد” إلا نموذجاً عن التطور الذي حققته المقاومة وأصبحت بموجبه قادرة على المواجهة على قاعدة “الند للند”، والتفوق الذي لطالما تميّزت به في الجو، أصبح مهدداً في كل لحظة وما إسقاط المسيرات المتطورة التي تملكها إلا خير دليل على ذلك، علماً أن الخبر الذي تقصّد “حزب الله” تسريبه حول امتلاكه منظومة دفاع جوي متطور وصواريخ أرض جو من طراز “سام 14” إنما جعل العدو الصهيوني يقلّل من اختراق الأجواء اللبنانية بطائراته الحربية واعتمد بصورة كبيرة على المسيرات الموجهة لتنفيذ غاراته وعمليات الاغتيال.
لكن الاعلام هو السلاح الذي أصبح معتمداً بقوة هذه الأيام وأكثر من ذلك الذي يستخدم على الجبهات. ولا يفوت الاعلام يوماً خبر أو تصريح نقلاً عن مسؤول من هنا أو خبير من هناك أن الحرب الموسعة أصبحت مرجحة وأن توقيتها يعتمد على زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في 24 تموز المقبل أو على خطأ يرتكبه الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله على غرار الخطأ الذي وقع في تموز 2006 وأدخل البلاد في حرب الأيام الـ 33.
ويشير المصدر النيابي إلى أنه على الرغم من استشراف الزعيم وليد جنبلاط أن الحرب الموسعة ستقع، ومن القلق وعدم الاطمئنان الذي عبّر عنهما رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتهديدات المبطنة التي أطلقها المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين، إلا أن الواقع يشي بأن الحرب مستبعدة، للأسباب المذكورة آنفاً، إضافة إلى أن شن العدو حرباً موسعة ضد “حزب الله” يعني أن الأسطول الأميركي سيكون مجبراً على التدخل مقابل انخراط الحوثيين من اليمن وقوات الحشد الشعبي من العراق وربما أيضاً صواريخ إيرانية بعيدة المدى تطلقها طهران، وهذا الأمر تأخذه واشنطن في الحسبان ولذا فهي تسعى بكل ما أوتي لها من نفوذ الى منع نتنياهو من الانجرار وراء جنونه.
ويختم بالقول: إن هذا الكلام ليس من باب التفاؤل ولا هو محاولة تطمين، بل إن الحرب فعلياً قد وقعت على صفحات الجرائد وشاشات المواقع الالكترونية في حين أن “قواعد الاشتباك” لا تزال قائمة، ولا يقوم العدو الصهيوني بما لم يقم به من قبل من انتهاكات جوية وبحرية وحتى برية، وارتباط وقف الحرب على جنوب لبنان بوقف الحرب على غزة، أو بمعنى آخر “وحدة الساحات” قد يجعل من أمد تبادل إطلاق الصواريخ والمسيرات طويلاً، وعلى الأقل حتى يعود نتنياهو من رحلته الأميركية في أواخر تموز المقبل.
صلاح تقي الدين ـ لبنان الكبير