رهان على “مواعيد وهمية” لتغيير في الخيارات الاستراتيجية!


لا جدوى من زيارة نتنياهو الى واشنطن ان مضى في مناهضته لبايدن في الانتخابات الاميركية وستضم الى لائحة الزيارات والقمم والمؤتمرات الفاشلة. ولذلك، لم يعد العجز عربيا إنما تحوّل دوليًا.


تعددت الرهانات الفاشلة على عدد من المحطات الإقليمية والدولية للتوصّل الى اتفاق حول “اليوم التالي” للعدوان على غزة وجنوب لبنان، والتي يمكن ان تحدث تعديلاً إيجابياً في الخيارات الاستراتيجية في المنطقة. وهو ما دفعَ مراجع ديبلوماسية وسياسية الى البحث عن الاسباب التي أدّت الى فشل المجتمع الدولي في تحقيق أي إنجاز على رغم من الجهود المبذولة في أكثر من صعيد. وعليه، ما هي المحطات البارزة التي تحولت “مواعيد وهمية” عبرت بلا جدوى؟
عبّرت مراجع سياسية وديبلوماسية عن قلقها مما بلغته حصيلة العدوان على قطاع غزة وجنوب لبنان والنتائج التي ترتّبت عليها على اكثر من مستوى، بعدما اقترب من ان يُنهي شهره التاسع من دون ان تثبت اي قوة دولية او اقليمية قدرتها على خفض التصعيد تمهيداً للتوصّل الى وقف ثابت لوقف إطلاق النار، وهو خطوة لا يمكن تحقيقها قبل الاتفاق على خريطة الطريق المؤدية الى الحل السياسي والتفاهم على مستقبل القطاع، والترتيبات على الحدود اللبنانية الجنوبية بما يضمن التهدئة وإنهاء اطول الحروب الاسرائيلية ـ الفلسطينية والعربية واكثرها توسّعاً بعدما شملت ساحات عدة ضَمّت مجموعة من الدول العربية والخليجية وايران.
وقالت هذه المراجع: قد تكون المرة الاولى التي تستمر فيها حرب في منطقة الشرق الاوسط بلا أفق، بعدما سقطت الرهانات على عدد من المحطات الواحدة تلو الاخرى، والتي جنّدت لها كل القدرات الديبلوماسية والسياسية في مواجهة غير مسبوقة مع الخيارات العسكرية التي وضعت المنطقة على فوهة بركان وفق سيناريوهات متداولة في مختلف الاندية الدولية والاقليمية مُرفقة بالتوقعات التي يمكن ان تؤدي اليها أي “دعسة ناقصة” قد يرتكبها أيّ من طرفي النزاع. كما على مستوى القوى التي تقف من ورائها تاركة أبناء المنطقة لقمة سائغة أمام آلات القتل المدمرة التي أدت الى ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة حتى الأحد إلى 37 الفاً و 598 شهيداً غالبيتهم من الأطفال والنساء، وارتفع عدد الجرحى والمعاقين الى 86 ألفاً و32 مدنياً عدا عن عدد الشهداء والجرحى في الضفة الغربية والمعتقلين في المنطقتين، فيما لا يزال نحو 17 الفاً على لائحة المفقودين تحت الأنقاض. واقترب عدد الشهداء في الجنوب من 500 لبناني بينهم اكثر من 300 مسؤول ومقاتل من “حزب الله” وعدد قليل من الفلسطينيين والسوريين.
وانطلاقاً من هذه النتائج التي خلّفتها الحرب ولم تكن متوقعة منذ عملية “طوفان الاقصى”، وما تركته من ندوب كبيرة في اسرائيل كما في المنطقة. ولذلك، تعددت الرهانات على كثير من المحطات السياسية والديبلوماسية للتوصل الى تفاهم حول “اليوم التالي” للحرب، من دون جدوى. وعلى رغم من هذه النتائج المحسومة فقد تجددت الرهانات عينها على مجموعة من المواعيد المقبلة، ومنها تلك التي راجَت في الساعات القليلة الماضية متحدثة عن الزيارة “التاريخية” لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لواشنطن في شكلها وتوقيتها. بانتظار مضمون خطابه المنتظر في 24 تموز المقبل امام الكونغرس الاميركي في ظل المواجهة المفتوحة على مختلف الخيارات العسكرية والديبلوماسية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان حكومته، لا سيما منهم وزيري الدفاع والخارجية لويد أوستين وانتوني بلينكن ومستشار الامن القومي جاك سوليفان الذين تبادلوا الاتهامات في الايام الاخيرة بلا أي حرج. وهي زيارة ستَلي في توقيتها تعثّر المحاولات الاميركية لإسقاط حكومته عقب استقالة الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت من حكومة الحرب المصغرة قبل حلها، بالاضافة الى استقالة عدد من ضباط الجيش الكبار يتقدمهم قائد “فرقة غزة” العميد آفي روزنفيلد الذي طلب إنهاء خدماته العسكرية بعد استقالته. كما الفشل الاميركي المدوّي في عدم القدرة على ترجمة مبادرة بايدن الاخيرة التي تبنّاها مجلس الأمن الدولي في شأن وقف النار وخريطة الطريق اللاحقة لتبادل الاسرى والمعتقلين والترتيبات الخاصة في قطاع غزة.
وبعيداً مما هو منتظر من زيارة نتنياهو التي أُرجئت أكثر من مرة قبل تحديدها مبدئياً أواخر الشهر المقبل، فقد ظهر جلياً ان زيارات مجموعة من وزراء حكومته الحلفاء منهم والمعارضين له التي سبقتها لم تكن واعدة، لا سيما منها زيارة الوزير بيني غانتس الذي لقي ترحيبا لافتا في مقار وزارات الخارجية والدفاع والأمن القومي يوازي حجم انتقاداته القاسية لنتنياهو. كما تلك التي قام بها وزير الدفاع يوآف غالانت وقبله أعضاء لجان الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست ومعها الزيارات المتعددة لمديري المخابرات الاسرائيلية (الشاباك، أمان، الموساد)، فقد لوحظ أنها كانت متوازنة بين مَن يتحدى الادارة الاميركية ومَن يتوافق معها على ضرورة تقديم الخيارات السياسية على العسكرية ولكنها لم تزحزح نتنياهو والمتشددين حوله قيد أنملة عن مواقفه المتصلبة.
ولذلك، فإن النظرة الى هذا الموعد المقبل ولو كان بعيدا بعض الشيء، ما زالت محفوفة بالمخاطر التي تطيح بالتوقعات الإيجابية منها، خصوصا اذا مضى نتنياهو في مناهضته لبايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة وسينضَم هذا الموعد الى مجموعة القمم التي راهن عليها كثر، منذ ان عقدت “قمة القاهرة للسلام” في 21 تشرين الأول الماضي في حضور ممثلي أكثر من 30 دولة وما رافقها من تصعيد عسكري اسرائيلي أنهى اجتماعاتها بلا بيان ختامي، وهي قمة أعقبت تأجيل القمة الرباعية التي كان يستضيفها الاردن في الأول من تشرين الثاني الماضي بمشاركة بايدن، والتي استبقتها تل ابيب بمجزرة مستشفى المعمداني بساعات، وجاءت بعدها القمة العربية ـ الاسلامية الطارئة في الرياض في 11 تشرين الثاني 2023 والتي جمعت ممثلي دول المجموعتين العربية والاسلامية بما فيها ايران، والتي لم يتوقف المراقبون عند مضمون بيانها الختامي أكثر من ساعات على صدوره.
ولم تكتف المراجع بالاشارة الى هذه المحطات على دقتها واهميتها، فتوقفت أمام الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركية ونظرائه الغربيين والخليجيين بين العواصم الكبرى، والقمة العربية الدورية السنوية الـ 33 في 16 ايار الماضي في المنامة التي غابت القنوات الفضائية عن نقل مقرراتها النهائية لتنشغل بتغطية الحكم الصادر عن محكمة الجنائية الدولية الذي دانَ الجرائم الاسرائيلية في الضفة والقطاع. ولا تستثني هذه الجردة ايضاً مسلسل القمم الثنائية من القمة الفرنسية ـ الاميركية في 8 ايار الماضي وصولاً إلى لقاءات مجموعة “الدول السبع” في اليابان في 19 تشرين الأول الماضي والثانية في إيطاليا قبل اسبوعين، والتي لم تغيّر في أي استراتيجية معتمدة.
وفي الخلاصة، تنتهي المراجع الديبلوماسية الى التحذير من مستقبل الوضع العالمي وليس الاقليمي فحسب، ان فشلت المساعي الجارية لوضع حدّ لحربَي غزة وأوكرانيا قبل الانتخابات الأميركية، لأنّ من شأن ذلك أن يُبقي المناطق المشتعلة في ايدي مستخدمي السلاح بلا ضوابط دولية وأخلاقية أو دفاعية وأمنية، فتستمر بحور الدماء في غير منطقة من دون ان يسجّل اي زعيم دولي او اقليمي اعتذاراً من ضحاياها وما يمكن ان تقود إليه من متغيرات مناخية سيدفع العالم ثمناً باهظاً لها.

جورج شاهين ـالجمهورية