لا يزال الملف الرئاسي حياً بفعل إصرار كنسي محلي وايضا فاتيكاني، على تركه حيا. لكن خارج هذا الاهتمام، الاستحقاق ضائع ومخفي خلف جبل الأزمات وابرزها العسكرية جنوبا.
امس، دق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من جديد جرس الانذار محذرا من مخاطر الشغور الرئاسي واهدافه الظاهرة وغير المعلنة. فقال: لطالما حذّرنا من خطر الاستمرار في شغور الرئاسة الاولى، واعتبرنا التقاعس عن الدعوة إلى اجراء الانتخابات خطأً وطنياً و بمثابة اغتيال سياسي للنظام التوافقي الذي نحتكم إليه… اضاف “إنّنا نفهم معنى عدم وجود رئيس للجمهوريّة: إنّه رئيس يفاوض بملء الصلاحيّات الدستوريّة، ويطالب مجلس الأمن تطبيق قراراته لا سيما القرار 1559 المختصّ بنزع السلاح، والقرار 1680 الخاص بترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701 الذي يعني تحييد الجنوب. وبعد ذلك يُعنى هذا الرئيس بألّا يعود لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، وبالتالي بدخول لبنان نظام الحياد، وتحويله من واقع سياسيّ وأمنيّ إلى واقع دستوريّ يعطيه صفة الثبات والديمومة من خلال رعاية دوليّة”. وختم الراعي “لنصلِّ معًا إلى الله كي يلهم المسؤولين عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، إلى التجرّد من مصالحهم الخاصّة والفئويّة، ويعملوا بثقة على انتخاب الرئيس، لأنّ أوضاع البلاد لا تتحمّل أي تأخير أيًّا تكن الأسباب.
على وقع هذا الموقف، كان أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين يصل الى بيروت، قائلا: هناك قلق كبير من ناحية السياسة في لبنان والأزمة الاقتصادية التي تؤثر على الفقراء، وهي الأزمة السياسية والأزمة المؤسساتية ومشكلة انتخاب الرئيس، وسوف نحاول قدر الإمكان المساعدة والمضي قدمًا في هذا الاتجاه، وقد لا ننجح، ولكنني آمل على الأقل أن أساعد بطريقة ما. واشار الى “اننا جئنا إلى لبنان في مبادرة للقيام بكل ما يلزم لمساعدته ونقول لكم صلوا لنا”. وقال ردًّا على سؤال عمّا يمنع انتخاب رئيس الجمهورية أنّه “سؤال صعب الإجابة عليه”، مضيفًا: لا نعلم ما يمنع اللبنانيين أو ربما أعلم، ولكن لن نتكلم عن هذا الموضوع الآن، ما يمكنني قوله أنّ الفاتيكان قلق جدّا من هذا الوضع، نحن نتابع هذا المسار. وأضاف: نهتم بلبنان للحفاظ على هويّته الفريدة في الشرق الأوسط، ونقوم بكل ما في وسعنا للمساعدة. وعما إذا كان يحمل مبادرة محددة، قال: هناك برنامج محدد خلال هذه الزيارة، لنرى ما يمكننا فعله، سنبذل قصارى جهدنا من دون التظاهر بفعل كل شيء.
بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، الفاتيكان القلق على لبنان، كما اعلن بارولين، يتابع منذ اشهر، وبعيدا من الاضواء، الملف اللبناني، وكان أبرز مؤشر الى ذلك، اللقاء الذي جمع بارولين بالموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان منذ اسابيع في الفاتيكان. والقضية اللبنانية حاضرة في كواليس دبلوماسية الكرسي الرسولي منذ اشهر. وفي اتصالاته، يدفع الفاتيكان المجتمع الدولي الى عدم ترك لبنان والى رعايته وقيادته الى بر الامان، لان الازمة التي يتخبط بها، وجودية، وهو يعتقد ان محاربة هذا المخطط المشبوه لاسقاط الصيغة اللبنانية والكيان الذي أسسه المسيحيون، تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، يريده الفاتيكان جامعا وموحدا للبنانيين ومدافعا عن الدولة والمؤسسات، لا اكثر ولا أقل. على اي حال، تتابع المصادر، عظات البطريرك الراعي ومواقف بكركي، ليست الا صدى لوجهة نظر الفاتيكان، والعكس صحيح.
انطلاقا من هنا، لا مبادرات جديدة محددة يحملها بارولين، تقول المصادر ، فمتى اقتنع المعطلون بأن لا بد من التنازل للذهاب الى رئيس جامع، ستُحل الازمة بكل سلاسة وسهولة، تختم المصادر.
لارا يزبك ـ المركزية