نجوى ابي حيدر
كل اللاعبين على المسرح الإقليمي في حال تأزم داخلي . من الولايات المتحدة الاميركية الى اوروبا وخصوصا فرنسا مرورا بإيران والدول العربية فإسرائيل وصولا الى لبنان. حال المأزومية هذه تجعل الوصول الى حل شامل دفعة واحدة شبه مستحيل وتقدم طرح الحلول المؤطرة والمُمرحلة. واقع يبدو تلقفه الممسكون بزمام اللعبة وعلى اساسه يتحركون ويقودون المبادرات، حتى اذا ما تم الاتفاق على واحدة منها بدءا بحرب غزة، تكر سبحة الحلول الاخرى تباعاً مع مراعاة خصوصية كل منها.
ولعلّ أكثر المأزومين، الى الدولة العبرية والفلسطينيين الذين تتصل مأزوميتهم بحرب مدمرة يعيشونها منذ عملية طوفان الاقصى في 7 تشرين الاول الماضي ، اكثر الدول عظمة، الولايات المتحدة القابعة في ظل تشنج غير مسبوق بفعل انتخاباتها الرئاسية والمخاوف من امكان صدور حكم جنائي على دونالد ترامب يمنعه من الترشح يقابله طلب من الكونغرس بتشكيل لجنة اطباء للنظر في اهلية الرئيس جو بايدن للترشح لولاية جديدة بعد معلومات سرت عن اصابته بمرض الألزهايمر .اضف الى ذلك تداعيات المجازر الاسرائيلية المرتكبة في حق اهل غزة واطفالها على الرأي العام الاميركي وما احدثت من ردات فعل تجلت في التظاهرات داخل الجامعات وفي اوساط الطلاب، حتى ان معلومات تتردد عن ان نواب الحزب الديموقراطي كانوا يعتزمون مقاطعة جلسة في الكونغرس كان سيلقي خلالها رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو كلمة غدا قبل ان يلغي البيت الابيض اجتماعاً أميركياً – إسرائيلياً رفيع المستوى بشأن إيران كان من المقرر عقده الخميس ، بعدما نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي مقطع فيديو، امس يزعم فيه أن الولايات المتحدة تحجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل. علما ان الاجتماع كان سيناقش ملفات مهمة، أبرزها التوترات في شمال إسرائيل، والهجوم على رفح، و”خطة اليوم التالي للحرب” في غزة، بالإضافة إلى التهديد الإيراني في ضوء التقدم المقلق في برنامج طهران النووي.
والى العلاقات الاميركية – الاسرائيلية المتوترة ، تغوص اوروبا وفرنسا في شكل خاص في ازمة اليمين المتطرف، بعدما قلبت المقاييس رأسا على عقب وباتت تتهدد الاعتدال في القارة العجوز برمتها ففرضت على الرئيس ايمانويل ماكرون حل البرلمان والدعوة الى اجراء انتخابات تشريعية مبكرة نهاية الجاري،وسط تحذيرات من فوضى قد تعم البلاد وعودة الاضطرابات بين التطرف اليميني الديني واليساري. .
وفيما تغرق ايران في مشاكلها الداخلية وازماتها الناجمة عن اشتداد الخناق عليها بفعل العقوبات المفروضة عليها ، لا يبدو العرب في حال افضل في ضوء الانقسامات الحادة في الرأي والمواقف وتشتتهم بين مُطبّع مع اسرائيل ورافض للتطبيع . اما الدولة العبرية فتشهد بدورها انقساما بلغ حده للمرة الاولى على خلفية الخلافات التكتية في شان الحرب على غزة التي تفجرت اخيرا انسحابات لبني غانتس وغادي ايزنكوت من الكابينيت التي الغاها نتنياهو وانشأ “المطبخ المصغر” كبديل للتشاور، فيما الضغوط تشتد عليه من الداخل والخارج لوقف النار واستعادة الاسرى لدى حماس.
في ظل ظروف مماثلة يتساوى فيها اللاعبون الكبار في المأزومية، تقول اوساط دبلوماسية غربية لـ”المركزية” ان الحل الشامل لا يمكن ان يأتي دفعة واحدة انما على مراحل، تبدأ بوقف اطلاق النار وتنتقل لاحقا الى المفاوضات السلمية حول الحلول السياسية ، ومع تفكك الازمات تباعا وانتهاء الاستحقاقات الداهمة يصبح الحوار على البارد أجدى وأفعل ويمكن الحديث آنذاك عن سلام شامل ولو بعد حين.
نجوى ابي حيدر ـ المركزية