بعدما أطلقت كتلة “الاعتدال الوطني” مبادرتها لحل الأزمة الرئاسية والقائمة على فكرة التواصل والحوار، وبعدما فشلت في مسعاها، باشرت كتلة “اللقاء الديموقراطي” من جهتها جولة على مختلف الكتل النيابية من دون أن تستثني في لقاءاتها أي فريق، ساعية إلى الترويج لمبدأ الحوار والتواصل لكنها واجهت تعنتاً في المواقف جعل من مهمتها صعبة التحقيق، ثم كانت جولة لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل انطلاقاً من المبدأ نفسه تشجيعاً للحوار لكنه لم يصل إلى مبتغاه.
ومن الواضح أن كل هذا الحراك الذي يقوم على مبدأ يتبناه رئيس المجلس النيابي نبيه بري والقائم على الدعوة إلى الحوار برئاسته، لم ينتج “قمحاً” والسبب الواضح هو أن الفريق “السيادي” المتمثل بحزب “القوات اللبنانية” ظلّ على موقفه “المبدئي” برفض إنتاج “بدعة” غير دستورية برأيه وهي أن يصار إلى الحوار والتفاهم المسبق على اسم الرئيس العتيد للجمهورية، وبالأخص أن لا يكون هذا الحوار برئاسة بري الذي هو برأيه يمثل فريقاً سياسياً واضحاً.
وفي حين أن مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني” كانت قد حظيت بدعم كبير من بري ومن اللجنة الخماسية للدول التي تحاول معالجة الأزمة المزمنة للانتخابات الرئاسية، إلا أن رئيس “القوات” الدكتور سمير جعجع حاول خنق هذه المبادرة في مهدها لاعتقاده أن الرئيس بري يقف خلفها وهي أتت باسم “الاعتدال” لكنها تروّج للمبدأ نفسه الذي يريده بري: تعالوا نتحاور حول اسم سليمان فرنجية وبعدها نذهب إلى الانتخابات الرئاسية.
وترى أوساط سياسية أنه على الرغم من الايمان القاطع لدى مختلف الفرقاء السياسيين بأن لا بديل عن الاتفاق أو الحوار أو التشاور قبل الوصول إلى اسم يتقاطع حوله معظمهم، إن لم يكن جميعهم، إلا أن فرض الشروط المسبقة على هذا الحوار أمر مستغرب ولا يمكن تفسيره.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الشرط الأول الذي كان فريق المعارضة يتمسك به من خلال تبريره لرفض الحوار، هو أن فريق الممانعة لا يزال مصراً على ترشيح فرنجية للرئاسة ولا يريد التخلي عنه وبالتالي ما نفع الحوار إذا كان مشروطاً بالتداول حول اسم فرنجية دون سواه؟ فالحوار يكون بلا شروط أو لا يكون.
لكن المفارقة المضحكة والمبكية في آن برأي هذه الأوساط، أن يبادر على سبيل المثال لا الحصر رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل الى التصريح علناً بأنه لا يمانع الدخول في حوار مشترطاً سحب اسم فرنجية من التداول، فكيف يريد حواراً غير مشروط ثم يفرض شروطه للقبول به؟
وتتساءل هذه الأوساط: لماذا لا يكون سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، فالرجل له باع طويل في السياسة وابن بيت عريق لا يزايد أحد على “مارونيته” ولم يصدر لغاية اليوم أي موقف سلبي من ترشيحه عربياً أو دولياً، فحركة السفراء المعنيين في اللجنة الخماسية تجاه فرنجية حثيثة وهم يلتقون به بموعد ومن دونه، فلماذا يعارضه بشدة هذا الفريق “السيادي”؟
وتضيف: هل لأنه صريح لدرجة عدم إخفاء علاقاته “الشخصية” برئيس النظام السوري بشار الأسد؟ وهل لأنه يقف قلباً وقالباً مع المقاومة في وجه الاعتداءات والأطماع الاسرائيلية؟ إن واقع أزمة النازحين السوريين في لبنان يتطلب تواصلاً مباشراً مع النظام السوري ومن أفضل من فرنجية للقيام بهذ الدور؟ وهل إن الوقوف إلى جانب المقاومة في وجه الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان نقيصة في حين من واجب كل مواطن يريد سيادة بلاده واستقلالها أن يقف في وجه هذه الاعتداءات بكل جوارجه سواء كان من يواجهها مقاومة أو غيرها؟
وتتابع: هل البقاء من دون رئيس للجمهورية في هذا الوقت العصيب والمخاض الذي تمر به المنطقة أفضل من انتخاب رئيس مهما كان اسم هذا الرئيس؟ بالتأكيد هذه أحجية حلّها أولاً وأخيراً يكون بتبريد الرؤوس الحامية والاعتراف بأن وضع الشروط لمواجهة شروط مضادة لن تنتج رئيساً ولبنان لن يكون بمنأى وأمان من دون استعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية ولكن يكون بانتخاب رئيس للجمهورية.
وتختم الأوساط: كل حراك مبارك وكل مبادرة مرحب بها لكن يبدو لغاية الآن أنه على الرغم من النيات الطيبة والمشكورة لكتلة “الاعتدال” و”اللقاء الديموقراطي” فإن حراكهما هو “حركة بلا بركة”، وإذا كان هدف النائب باسيل من حراكه هو منع وصول فرنجية ومن خلفه قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى بعبدا، فإن هذا الأمر يجعل من حراكه أيضاً من دون بركة.
*نائب نقيب محرري الصحافة اللبنانية وكاتب وناقد سياسي في منصة “لبنان الكبير”
وممثل مقيم لعدد من وكالات الأنباء الصحافية الأجنية.