جوانا فرحات
بين الشأن السياسي والدور الرعوي تحولت زيارة أمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين إلى لبنان الأحد المقبل إلى محطة مفصلية نظرا إلى الدور المعطى لها في هذه الظروف السياسية والأمنية، لا سيما المتعلقة بالوضع الأمني في الجنوب. لكن الأبرز في هذه الزيارة يتمثل في الدعم الفاتيكاني لبكركي والبطريرك بشارة الراعي، ومن هنا برزت محاولات الفريق المنزعج من عظات الراعي وما تحمله من رسائل سياسية ووطنية للخروج من حال الفراغ وانهيار المؤسسات تفخيخ هذه الزيارة والتصويب عليها من خلال بث شائعات عن “وجود نوايا فاتيكانية لإقالة الراعي لكن ليس قبل انتخاب رئيس للجمهورية”.
“هذا الكم من السموم لا ينسحب على واقع الحال سواء في بكركي أو الفاتيكان يؤكد رئيس لجنة تنفيذ القرارات الدولية طوني نيسي لـ”المركزية”. ويطمئن المصطادين في الماء العكرة أن “أسهم البطريرك الراعي في الفاتيكان عالية جدا على عكس ما يُحكى وأن “الجناح “الذي يحتضن شخصه ومواقفه ودوره الرعوي والوطني على رأس الكنيسة السريانية الأنطاكية يتمتع بالنفوذ والدور الفاعل في الفاتيكان “.
وفي ما يتعلق بوجود نية فاتيكانية لإقالة البطريرك يشير نيسي “أن لا أحد يلزم سيد بكركي على الإستقالة حتى الفاتيكان، إلا إذا قرر الأول أن يقدم استقالته على غرار ما فعل البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير. آنذاك يوافق الفاتيكان على قرار الإستقالة. لكن البطريرك بشارة الراعي ليس في وارد الإستقالة وهذا أمر محسوم”.
يتوقف نيسي عند أهمية الفصل بين الفاتيكان -الكرسي الرسولي والفاتيكان الدولة. في الشق الأول يوضح أن الكرسي الرسولي هو عاصمة الكثلكة وتتبعه كل الكنائس الكاثوليكية بما فيها الكنيسة المارونية وهنا يبرز الدور الرعوي الذي تحيط به الكرسي الرسولي الكنيسة في لبنان ومسيحييه. أما على مستوى الدولة فالملاحظ غياب أي دعم أو تحرك حقيقي ومؤثر وفاعل على مستوى الساحة السياسية في لبنان، ويقتصر التدخل على الأمور الروحية دون سواها”.
إنطلاقا من هذا الدور تحمل زيارة أمين سر الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين في مجملها طابعا رعويا على أن يطعّمها بأحاديث في الوضع السياسي لا سيما الرئاسة والجنوب في اللقاءات التي ستمتد حتى يوم الخميس وستشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تفعيل الأعمال نجيب ميقاتي. إلا أن الأهم يبقى في اللقاء الموسع الذي سيعقده الكاردينال بارولين في بكركي مرورا بمحطة تتعلق بتفجير مرفأ بيروت وقد يلتقي وفدا من أهالي الضحايا للبحث في مسالة الزيارة المقررة إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس.
وفي السياق، يؤكد نيسي أن “أي كلام عن خروج الزيارة التي يقوم بها بارولين تلبية لدعوة منظمة “فرسان مالطا” هي خارج السياق السياسي والواقع تماما كما الكلام الذي تم ترويجه عند ترقية المطران ميشال الجلخ وتوصيفه بمطران البطاركة في حين أنه عاد إلى الفاتيكان ليمارس دوره الأساسي الموكل إليه من قبل الفاتيكان”.
ليس مستغربا في ظل هذه الظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تتحكم بحياة اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا أن ينظروا إلى زيارة موفد رفيع من قبل الفاتيكان إلى لبنان. وهم يعولون على دور بكركي وشخص سيدها بشارة الراعي بالتدخل والتعمق أكثر في المسار السياسي إنطلاقا من استمرار الفراغ في المركز المسيحي الأول في الجمهورية، ” لكن يغيب عن بال البعض أنه منذ لحظة تسلم البطريرك الراعي عصا بكركي وأطلق شعار “شركة ومحبة” أخذ قرارا نابعا من توجه فاتيكاني بعدم التدخل في الشأن السياسي، وقد سلّم الملفات للأقطاب المسيحيين الأربعة وتفرّغ للعمل الرعوي والكنسي والوطني. وهنا لا بد من التنبه إلى الدور الوطني الذي يقوم به الراعي من خلال العظات والرسائل التي يضع فيها الأمور الوطنية في نصابها باعتبار أن الكل متساوون في تحمل المسؤولية وعليه يمكن القول أنه يؤدي دوره الرعوي والوطني بامتياز وبالتالي لن يقدم على الوقوف في وجه أي جهة سياسية مسيحية”.
السؤال الذي يطرح هل هذا كاف في لحظة بدأت ترتسم علامات استفهام حول مصير الهوية وتشتتها؟ يجيب نيسي” إلى الدور الوطني ثمة دور سياسي ملح مطلوب من الراعي اليوم وهو إعادة إحياء قرنة شهوان جديدة إلا أنه يرفض الفكرة تجنبا لحصول أي انقسام عمودي بين الموارنة ومن المرجح أن لا يقدم الراعي على خطوة سياسية مماثلة من شأنها أن تستفز أو تنفِّر أي طرف مسيحي ويريد ان يحافظ على الموقع الوطني ويجمع بين المسيحيين وهذا ما تريده الكرسي الرسولي أيضا والأكيد أن الراعي راضٍ عن دوره”.
أن يترك الراعي السياسة لأهلها ويحافظ على الخطاب الوطني التوجيهي فهذا من شأنه أن يريح الفاتيكان، لكن بالتوازي لن تقدم الفاتيكان كدولة على أي خطوة سياسية لتحريك اي ملف سياسي على الساحة اللبنانية. وأي تدخل مباشر في التعيينات إن على مستوى تعيين رؤساء عامين ومطارنة داخل الأبرشيات يبقى في الإطار الرعوي. فالفاتيكان لا يملك عصا سحرية للتغيير وحتى اللحظة يرفض الإنخراط في أي مجهود دولي إن على مستوى اللجنة الخماسية أو الأمانة العامة في الأمم المتحدة وفي المقابل يحث على انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام عمل المؤسسات. ويختم نيسي ردا على خشية الفاتيكان من تحلل الوجود المسيحي في لبنان “لا خوف على المسيحيين إذا التزموا بمشروع سياسي فمن دونه لا يمكن الرهان على أي مستقبل”.
جوانا فرحات ـ المركزية