مع تصاعد التطورات الميدانية على جبهة جنوب لبنان بعد اغتيال العدو القائد طالب سامي عبدالله (أبو طالب)، و«الردّ الردعي» العنيف للمقاومة بهدف إفشال محاولة العدو تكريس استراتيجية الاغتيالات، بعدما فشل في فرض خيارات سياسية وميدانية لفصل جبهة جنوب لبنان عن غزة، تكثّفت الاتصالات الدولية لمنع تدحرج الوضع إلى حرب شاملة يدعو إليها أصحاب الرؤوس الحامية في كيان العدو. وأكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من الدوحة أن الاتفاق حول غزة «سيكون تأثيراً هائلاً في خفض التوتر بين إسرائيل ولبنان»، مؤكداً أنه «ليس لديّ شك بأن أفضل طريقة للتوصل إلى حل دبلوماسي للشمال (مع لبنان) هو حل الصراع في غزة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار».وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، الاتفاق على عقد قمة ثلاثية فرنسية – أميركية – إسرائيلية لـ«بحث خارطة طريق لنزع فتيل التوترات بين حزب الله وإسرائيل»، بعد تأكيد الرئيسين الأميركي والفرنسي، في قمة النورماندي، على ضرورة «منع التصعيد وتطبيق القرار 1701. فيما كُشف أن مسوّدة البيان الختامي الذي سيصدر عقب قمة مجموعة السبع هذا الأسبوع، ستتضمن «تعبير قادة المجموعة عن قلقهم البالغ إزاء الوضع على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وتأييدهم للجهود الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة». وفي هذا السياق، يتوجّه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر إلى واشنطن في اليومين المقبلين لعقد «لقاءات هامة» حول الوضع في لبنان وإيران.
وتأتي هذه التطورات، بالتزامن مع أوسع مواجهات تشهدها الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة وأكثرها اختباراً للضوابط التي حكمت المواجهة منذ 8 تشرين الأول الماضي، على خلفية اغتيال الحاج «أبو طالب» في بلدة جويا الجنوبية.
ولليوم الثاني على التوالي واصل حزب الله الردّ على الاغتيال بقوة وكثافة نيران غير مسبوقة، طاولت ثكنات ومواقع وقواعد عسكرية واستخباراتية إسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة.
وفي إطار الرد الذي قالت التقديرات الإسرائيلية إنه «لم ينتهِ بعد»، نفّذ حزب الله هجوماً مركّباً وُصف بالأوسع والأعنف منذ بداية المعركة، استخدم فيه الصواريخ والطائرات المُسيّرة الانقضاضية. فاستهدف بصواريخ «كاتيوشا» و«فلق» 6 ثكنات ومواقع عسكرية للعدو (الزاعورة، ثكنة كيلع، ثكنة يوآف، قاعدة كاتسافيا، قاعدة نفح وكتيبة السهل في بيت هلل)، فيما استهدفت القوّة الجوية في الحزب بأسراب من المُسيّرات الانقضاضية قاعدتَي دادو وميشار وثكنة كاتسافيا. وهذه المرة الأولى التي ينفذ فيها الحزب هجوماً بهذا المستوى في وقت واحد، طاول 8 قواعد عسكرية من الجولان إلى صفد، تزامناً مع سلسلة غارات جوية كانت تنفذها الطائرات الحربية المعادية على مناطق في جنوب لبنان. وفي ذلك جملة من الرسائل، أبرزها أن الاغتيال لن يُضعف الحركة الميدانية للعمليات أو الهرمية الميدانية، خصوصاً أن الرقعة الجغرافية المستهدفة بضربات رد حزب الله تركّزت في القطاع الشرقي من المالكية إلى شبعا بما فيها الجولان، وهي منطقة نطاق عمليات الشهيد أبو طالب، الذي بحسب الإعلام الحربي «قاد العمليّات العسكريّة ضد مواقع ومنشآت وتموضع العدو الإسرائيلي في الجزء الشرقي من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة وصولاً إلى الجولان السوري المُحتلّ».
كذلك نفّذ حزب الله سلسلة عمليات إسناد للمقاومة في غزة، فاستهدف مواقع الراهب والرمثا (تلال كفرشوبا) ورويسة القرن (مزارع شبعا)، وقصف نقطة تموضع لجنود العدو في وادي يرؤون بالصواريخ الموجّهة و«أوقعهم بين قتيل وجريح»، إضافة إلى استهداف انتشارات لجنود العدو في حرج دوفيف وفي محيط موقعَي الرمثا والسماقة (تلال كفرشوبا) وأحراج نطوعا وعداثر وأدميت.
ولدى وصول آلية عسكرية من نوع «هامر» إلى مثلّث قدس (يفتاح) يوشع، استهدفها حزب الله بصاروخ موجّه فأصابها إصابة مباشرة، ما أدّى إلى تدميرها وإيقاع من فيها بين قتيل وجريح.
ولم تخلُ عمليات الإسناد من رسائل، إذ نشر الإعلام الحربي في حزب الله، للمرة الأولى منذ فتح جبهة الإسناد، مشاهد لراجمات تخرج من منشأة تحت الأرض لترمي أهدافاً للعدو، ما أثار التساؤلات عن نوعية الصواريخ التي تطلقها، والهدف من إظهار المنشآت للمرة الأولى بعدما كانت المشاهد تقتصر على الرمايات من قواعد متحرّكة.
ورأى المحلل العسكري في «يديعوت أحرونوت» يوآف زيتون أن «الأشهر الأخيرة، ولا سيّما الأسبوع الأخير، لم تُظهر فقط قوة الذخائر الدقيقة التي أطلقها حزب الله منذ حرب لبنان الثانية في عام 2006، بل أظهرت بالدرجة الأولى سلّم أولوياته الذكي في اختيار أهداف الهجوم في إسرائيل». وأوضح أنه «ردّاً على اغتيال مسؤول رفيع، هاجم الحزب بشكل مركّز مصنع بلسان في كيبوتس سعسع. والمصنع، كما هو معروف، ينتج تحصينات لمركبات للجيش الإسرائيلي ولجيوش أجنبية أيضاً. وحزب الله يحاول من وقت لآخر استهداف مصانع أمنية مهمّة في الشمال. ويمكن الافتراض أنّه
سيوجّه ضدّ هذه المصانع السلاح الأهم الذي خزّنه في العقد الأخير، ولم يستخدمه بعد: مئات الصواريخ الدقيقة، مع رؤوس حربية قادرة على حمل ما يصل إلى طن من المواد الناسفة». وأشار إلى أن الحزب «يمتلك، بحسب تقديرات في الجيش الإسرائيلي، صواريخ جوّالة روسية من نوع ياخونت مخصّصة لمهاجمة أهداف في الساحل أو البحر، مثل منصات الغاز الإسرائيلية وقاعدة سلاح البحر في حيفا».
(الأخبار)