بيروت – ناجي شربل
استهل رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع حديثه الى “الأنباء” بتوجيه التهنئة الى سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد الحمد المبارك الصباح”. وقال: “الكويت دولة شقيقة وقفت الى جانب لبنان باستمرار في كل أزماته، منذ الاستقلال والى اليوم. ونحفظ لها ذلك، وأتمنى لصاحب السمو أمير البلاد ولشعب الكويت كل الخير ودوام الاستقرار”.
قارب جعجع الملفات الشائكة بالمنطق والتاريخ والدستور، داعياً الى الاحتكام الى عملية انتخابية لرئيس الجمهورية والقبول بنتائجها، كما حصل في انتخابات رئاسة المجلس النيابي الأخيرة (يوم فاز الرئيس نبيه بري من الدورة الأولى برصيد 65 صوتاً، جامعاً نصف عدد أصوات المجلس النيابي زائداً واحداً)، وتالياً نائبه الياس بو صعب بعد دورة ثانية. “لم نصوّت لبري ولنائبه، ورشحنا نائباً آخر لنيابة رئاسة المجلس (البروفسور الطبيب غسان سكاف)، وقبلنا بنتيجة الانتخابات”.
ودعا جعجع “حزب الله” الى “خوض الانتخابات الرئاسية بأقوى ما عنده من جهود، والالتزام بالقواعد الديموقراطية”.
اما مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، فحددها رئيس حزب “القوات” بـ”المرشح القادر على الفوز، والذي لديه حد أدنى للقدرة على تحقيق جمهورية لبنانية منشودة”. وتحدث عن تقاطع مع مرجعيات أخرى منذ 8 أشهر حول المرشح جهاد أزعور، وأشار “الى فرق لا يردم في وجهات النظر مع محور الممانعة”. وقال: “يريدون رئيس جمهورية دمية يعتمد سياستهم ونظرتهم الى الأمور، كما حصل منذ ثماني سنوات. في حين نريد رئيس جمهورية يتمتع بقرار مستقل وصاحب شخصية بمنحى جمهوري ودستوري، ويقدّم مصالح الجمهورية على أي شيء آخر”. وخلص الى القول عن التفاهم مع “محور الممانعة” حول رئيس للجمهورية: “لم نصل الى تفاهم، ولم نستطع ذلك”.
وكشف ان اللجنة الخماسية “تحاول وبكل نية طيبة الوصول الى حلّ، بتأمين إجراء انتخابات رئاسية. ويتساءل أفرادها: كيف يكمل لبنان من دون رئيس للجمهورية؟”. وأضاف: “لم يصلوا حتى الآن الى نتيجة، وأتمنى عليهم إكمال المهمة ومواصلة المساعي، للوصول ربما الى شيء مقبول، دون ضرب الدستور والتخلي عن قناعاتنا ومبادئنا”.
بالانتقال الى رفض “القوات” لحوار يترأسه رئيس مجلس النواب، رد جعجع على السؤال بالقول: “السؤال غلط. نحن لا نرفض الحوار الحقيقي. بل نرفض طاولة حوار رسمية برئاسة رئيس المجلس، ونرفض تكريس عرف مخالف للدستور”. وأعطى أمثلة عن انتخابات رئاسة مجلس النواب وتسمية رئيس الحكومة، وقال: “هل دعا رئيس الجمهورية الى حوار في هاتين المسألتين؟ هناك آلية دستورية يجب ان تطبق، ولمَ علينا وضع الرئيس نبيه بري وصيّاً على انتخابات رئيس الجمهورية؟ لا توجد مادة في الدستور اللبناني تتيح ذلك. ومن جهة ثانية، الدعوة الى الحوار غير بريئة، ويشترطون ترؤس بري للجلسات، في سياق استكمال محور الممانعة وضع يده على كل شيء في البلد، وهذا ما لن نرضى به”.
وتابع “الحكيم” (الاسم الذي ينادى به من قبل مناصريه ومن يجالسونه وهو لقبه كطبيب): “اعتمدنا الحوار الحقيقي الجدي بعيداً من الاعلام، مع الكتل النيابية كلها، ومع كتلة الرئيس بري بالذات. وسنستكمل مع الإفرقاء بحوار جدي فعلي، يقوم على الابتعاد عن مهزلة طاولة الحوار الرسمية. ونسأل من جهة ثالثة: متى كان محور الممانعة مع الحوار؟ ونستعيد هنا تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أصرّ على محاورة المحور وماذا كان مصيره؟ ونصل الى الحرب الدائرة حالياً في جنوب لبنان، والتي شنّها تنظيم مسلح خارج أي شرعية لبنانية. قرار الحرب هذا ألم يكن يستأهل حواراً؟ في المحصلة ان محور الممانعة لا يحاور في الأشياء التي يضع يده عليها ولا يرضى بتعاطي أحد معه، ويقصر الدعوة الى الحوار على أشياء لا تزال تحت سلطة الدستور”.
وعن انكسار الجرّة بين “القوات” والرئيس بري، رد جعجع على الفور: “لا (كررها مرتين) لم تنكسر، ذلك اننا التقينا مع الرئيس بري في بعض الجوانب السياسية والمبدئية واللبنانية. في حين لم نلتقِ في موضوع رئاسة الجمهورية، ذلك ان وجهة نظره غير مفهومة من قبلي. وأطالبه بالدعوة الى جلسات لانتخاب الرئيس بدورات متتالية، بعيداً من الجلسات الفولكلورية، حيث يبادر أعضاء في كتلته النيابية الى الخروج من قاعة المجلس بعد انتهاء الدورة الأولى”.
المحور الأبرز في الحديث مع د. جعجع، كان العلاقة مع “التيار الوطني الحر”، اذ سألناه: هل صحيح ان التوافق قائم بينكما في ملفات عدة كالنزوح السوري والموقف من وحدة الساحات وغيرها؟”. ورد “الحكيم” على الفور: لا، لا، لا. انا الأكثر خبرة بالحركة العونية قبل خروجها الى العلن، وأعود الى أيام تولي العماد ميشال عون منصب قائد الجيش (1984 – 1990). وأقول: لا تصدقوا أي شيء يطرحه التيار. بدءاً من (دعوة العماد عون في “حرب التحرير الى) تكسير رأس (الرئيس السوري الراحل) حافظ الاسد بدعوى ان سوريا تريد ان تبتلع لبنان، وصولاً الى جعل بلدة براد في سوريا مربط خيل الموارنة مع رئاسة (الرئيس الدكتور) بشار الاسد. يقولون الشيء ويفعلون نقيضه، كما في 1989 عندما رفض وجود تنظيم مسلح (“القوات اللبنانية”) يقف الى جانب الجيش اللبناني في عزّ الحرب الأهلية، وشنّ حرب إلغاء ذهب ضحيتها أكثر من الف قتيل. وفي عزّ قيام الدولة، قبل بتنظيم مسلح غير شرعي (“حزب الله”) وتحالف معه ودافع عنه في المحافل الخارجية (…) المقياس في العلاقة مع التيار هو نتيجة أفعاله، وليس ما ينادي به من شعارات. وبالتالي لا تطابق في وجهات النظر، ونعوّل فقط على الخطوات العملية. ننتظر ونحكم، ونشير الى تقاطعنا معهم على ترشيح جهاد أزعور، وكان مفترضاً ان ينال 63 صوتاً الى 64 في جلسة 14 يونيو 2023 منذ سنة تماماً، ولم يمنحوه أصواتهم كاملة”.
وعن استقبال رئيس “التيار” النائب جبران باسيل ضمن جولة يعتزم الأخير القيام بها ويستهلها الاثنين من عند الرئيس بري، قال جعجع: “أتمنى له كل التوفيق (…) نريد الاطلاع على مضمون المبادرة”.
وعن رهان “الفريق الآخر” على تخلي جعجع عن مشروع الدولة، والتخلي لاحقاً وتحت الضغوط عن امتصاص غليان شارعه، كما فعل في جريمة قتل باسكال سليمان بالنزول على الأرض ليلاً للتهدئة، قال “الحكيم”: “أوعا حدا يراهن على هذه المسألة. متمسكون بمشروع الدولة، ولا انتصار جدي يتحقق الا بالسياسة لتأمين وضع مستقر. لطالما كانت رهاناتهم خاطئة، لجهة تخلينا عن مشروع الدولة ، وهذا لن يحصل (…)”.
كما علّق على دور حزبه وتحوّله كأكبر كتلة نيابية لبنانية ومسيحية، ولعب دور الحاضنة المسيحية والوطنية ضمن ما يعرف بالخط السيادي، فقال جعجع: “القوات هيك، حاضنة وطنية. وهذا ما برز في لقاء المعارضة الأخير في معراب، اذ لبّى الجميع الدعوة، في حين لم تتم دعوة البعض”. وبسؤالنا عن “صرف الحضور النيابي الكبير للقوات على الساحة السياسية”، رد جعجع: “تصوّر المشهد السياسي الحالي من دون القوات. أين كان الوضع؟ وأجيب انه كان سليمان فرنجية انتخب رئيساً للجمهورية، ووضعت الممانعة يدها بالكامل على البلاد، وتدهورت الأوضاع أكثر. حصلنا على توكيل شعبي غير حاسم، بمعنى الأكثرية النيابية الساحقة، ورغم ذلك نقوم بمنع الأمور السيئة. وأعطي أمثلة عن موضوع النازحين السوريين غير الشرعيين، وما تمكنّا من تحقيقه مع البلديات انطلاقاً من ثقلنا الشعبي، على رغم كوننا خارج السلطة الرسمية، ولا نملك أي موقع يخصنا سواء أكان موقعاً أمنياً او غيره (…) نحن نعطي نتائج في الملفات التي نتصدى لها”.
وعن انتقاد البعض لترؤسه المعارضة، قال: “لا أريد ان اترأس، ولا أريد شيئاً من هذا القبيل، وانا راضٍ بموقعي الحالي. تم طرح مواضيع وطنية في لقاء المعارضة، وخير دليل على نجاحنا، ردة فعل محور الممانعة، والحملة التي شنّها على اللقاء”.
وخاطب جعجع الجيل الجديد قائلاً: “أقدّر صعوبة الظروف التي يمرّ بها، وربما البعض وبخلاف جيلنا يدرس على ضوء الشمعة في غياب الكهرباء، ويواجه ايضاً ظروفاً اجتماعية واقتصادية صعبة للغاية. رهاننا التمسك بالبلد، ذلك ان الوطن ليس فندقاً، نبحث عن فندق آخر وقت تراجع الخدمات فيه. ودعوتي الى الجيل الجديد التمسك بلبنان. وأشدد على الانضواء في أحزاب سياسية، على رغم وجود أحزاب سيئة، ذلك انه من دون أحزاب مستحيل الوصول الى نتائح متقدمة على صعيد إحداث التغيير، ومفهوم الأحزاب في كل الدول أساسي”.