قطع أوتوستراد سليم سلام بالإطارات المشتعلة (نبيل إسماعيل).
انتقادات عديدة طالت الخطة الأمنية في #بيروت الكبرى وضواحيها، إلّا أنّ المسؤولين عن تنفيذها لم يتراجعوا حتّى الساعة. فالخطة متواصلة، ولم يُحدّد موعدٌ لانتهائها أو للتخفيف منها، بعدما واجهت ما يُشبه التمرّد، خصوصاً في الضاحية الجنوبية، حيث عُرفت ليلة السبت في 18 أيار بليلة “ثورة الدراجات النارية”.
الخطة الأمنية التي بدأت في أيار بهدف الحدّ من جرائم النشل، السرقة والخطف المتزايدة، وتحقيق الاستقرار في العاصمة، شملت أيضاً خلال الأيام السابقة تسيير دوريات على مدار الساعة، نصب حواجز، والبحث عن مطلوبين، وضبط المخالفات القانونية مثل السيارات والدراجات النارية غير المسجّلة، وإغلاق المحالّ التجارية غير المرخّصة.
بحسب رؤية رجل الأمن، فإنّ الخطة الأمنية حقّقت “نتائج أولية إيجابية، إذ سجّلت انخفاضاً ملحوظاً في معدّلات الجريمة، وسط استقرار أمني” في العاصمة بيروت. وقد شهدت الخطة تنسيقاً مكثفاً بين الأجهزة الأمنية لضبط مداخل المدينة ومكافحة الجرائم التي قد يكون مرتكبوها من خارج العاصمة، وهدفت إلى حماية المواطنين وليس تخويفهم.
احتجاجات شعبية
على الرغم من أنّ الخطة لاقت ترحيباً من البعض باعتبارها ضرورية لضبط الأمن، فإنّها أثارت موجة احتجاجات شعبية بسبب عدم منح المواطنين مهلة لتسوية أوضاعهم القانونية، خاصة أصحاب الدراجات النارية والسيارات غير المسجّلة. وشهدت العاصمة منذ انطلاق الخطّة قطع طرقات وحرق إطارات واحتجاجات قادها شبّان اعتبروا ما يحصل اضطهاداً وتواطؤاً وإجحافاً بحقّ المواطنين.
تأتي هذه الاحتجاجات في وقت “اجتاحت” الدراجات النارية المناطق اللبنانية في السنوات الماضية، في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الحادّة التي يعاني منها البلد، وباتت وسيلة النقل الأوفر والأنسب للشباب وطلاب الجامعات خصوصاً، ناهيك بكونها الوسيلة الوحيدة المتاحة في سوق العمل خلال فترة الحجر الصحيّ، وتصدّر ظاهرة “التسوّق الإلكتروني” وطلبات “الديليفيري” المشهد حينذاك.
إلى جانب ذلك، شجّع الشللُ، الذي عاشته الإدارات العامّة حينها، وغياب الرقابة، على المضيّ قُدماً في المخالفات واقتناء الآليات بطريقة غير شرعيّة… فمن بلغ السنّ القانونية للقيادة اليوم كبُر توازياً مع إضرابات النافعة، إذ إنّ معاملات إصدار رخص القيادة وتسجيل الآليات مجمّدة منذ سنوات عدّة لوجود إشكالات سياسيّةـاجتماعية، ليجد نفسه مطلوباً للقانون من دون سابق إنذار أو حتى خيار بديل للمخالفة.
“إرهابيّون” أم مخالفون لقانون السّير؟
انتشرت في الأيام الأخيرة مقاطع فيديو توثّق معاملة “قاسية” من قبل عناصر الدرك و#شعبة المعلومات للمواطنين المخالفين لنظام السير، بيَّن تدافعاً وعراكاً وضرباً بالأيدي والسلاح، إضافة إلى سحل وإطلاق للرصاص الحيّ أثناء محاولة أيّ من الشبان تفادي الحاجز أو الهروب منه.
أمّا المشهد الذي يمكن وصفه بـ”الأكثر رعباً”، فيتمثّل بالحواجز الليلية التي تنظّمها شعبتَا المعلومات والاستقصاء، فيظنّ المواطن للحظات أنّه “وسط ساحة حرب واجتياح لسيارته”، إذ يقف العناصر على طول الطريق بلباس مدنيّ مدجّجين بسلاح في الأيدي موجّهاً نحو الآليّة التي يتمّ تفتيشها وسط خيارَين لسائقها: إمّا تسليم الآلية المخالِفة أو الملاحقة بالرصاص الحيّ.3
وبالتزامن مع الحملة الأمنية، انتشرت مجموعات عبر “الواتساب” باسم “وين في حاجز” تُفيد بمواقع الحواجز لتحذير الشبّان.
كما تداول أعضاء المجموعات صوراً عديدة، ومقاطع مصوّرة، بشكل يومي، وتُظهر تعرّض المواطنين للعنف اللفظي والفعلي من قبل الدرك عن الحاجز.
“الجميع مخالف”
يرى مصدر متابع للملف أن “الخدمات غير متوافرة بشكل منتظم في البلد في لبنان، فالمواطن لا يستطيع شراء آلية وتسجيلها بشكل روتينيّ وطبيعيّ كما يحصل في أيّ دولة أخرى. ويعود هذا التقصير إلى إغلاق مكاتب النافعة لفترةٍ، لأسباب تتعلّق بمشاكل إدارية ومالية، بالإضافة إلى نزاعات قانونية مع الشركة المشغّلة بسبب خلافات تعاقديّة، ممّا أدى إلى تعطيل الخدمات الحيوية للمواطنين مثل تسجيل السيارات وإصدار الرّخص”.
(نبيل إسماعيل)
وفي رأي المصدر، “تعاني مكاتب النافعة من مشاكل ناجمة عن الانتقال من نظام إلكترونيّ قديم إلى آخر جديد، مما تسبَّب في تعطٌّل العديد من العمليات وتراكم المعاملات. كذلك، زادت إضرابات الموظفين والاعتصامات من تفاقم الوضع، إذ طالب العاملون بتحسين ظروف عملهم وحلّ النزاعات المالية والإدارية العالقة”.
ماذا يحصل عند حجز الآليّة؟
خلال الخطة الأمنية، حُجزت العديد من الآليّات والدراجات النارية إثر مخالفات مروريّة، وأخرى تتعلّق بعدم الالتزام بالقوانين المحلية، مثل القيادة من دون ترخيص أو عدم تسجيل الدراجات.
وهنا، يوضح عمر أبو الخدود، صاحب مكتب لتعليم قيادة السيارات، بأنّه “عند حجز الآلية يدفع المواطن 10 دولارات بدل نقل دراجته باستخدام “البلاطة” التي تستأجرها الدولة من مكان الحجز إلى المركز”.
(حسن عسل)
ويضيف لـ”النهار”: “إذا كان بحوزة صاحب الدراجة رخصة قيادة، فيستطيع تسجيلها باسمه، وفكّ الحجز عنها بمبلغ يتراوح ما بين الـ100 والـ400 دولار للتسجيل، وفق نوع وحجم وطراز كلّ درّاجة، بالإضافة إلى رسوم الضبط المحرَّر (15 مليون ليرة للقيادة من دون رخصة)؛ وإن لم يكن بحوزته رخصة، فعليه اصطحاب شخص لتسجيلها باسمه بغرض فكّ الحجز عنها”.
كذلك لفت إلى أنّ “تكلفة مبيت الدراجة في الحجز لليلة الواحدة يتراوح ما بين الـ500 والـ600 ألف ليرة لبنانية، ويتراكم المبلغ نفسه عن كلّ يوم إضافي في الحجز”.
(حسن عسل)
إلى ذلك، أفاد مصدر أمني لـ”النهار” بأنّ “وزارة الداخلية لا تملك حتى اليوم إحصاءً أوليّاً لعدد الآليات التي قامت بحجزها، فضلاً عن تفاصيل سير ومدّة الخطّة الأمنية في العاصمة والخطوة اللاحقة لها”.
عودة خدمات النافعة إلى روتينها الصحي
استكمالاً لمراحل الخطة الأمنية، أعلن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بأنّ اختبارات القيادة ستُستأنف في النصف الثاني من شهر تموز 2024 بعد توقّف طويل منذ خريف 2022، مؤكّداً أنّ السلطات تعمل على استئنافها بشكل يتماشى مع القوانين والمعايير المعمول بها. كذلك أشار إلى أن العملية ستكون شفافة وعادلة للجميع لضمان السلامة المرورية وتمكين الشباب من الحصول على رخص القيادة بطريقة منصفة.
إعلان مولوي لم ينَل رضى مدارس تعليم القيادة باعتباره “قراراً متسرّعاً من دون وجود أرضيّة أساسيّة له”. ويقول أبو الخدود: “إعلان الوزير يقضي بأنّنا أمام استئناف الاختبارات في أقلّ من شهرين بغياب تامّ للمستندات المطلوبة للتقديم، آلية جديدة للفحص النظريّ والعمليّ، وجود ميادين مخصّصة لإجراء الاختبارات ولجان مدرّبة تُغطي كافة المحافظات اللبنانية نسبة إلى الزخم المتوقّع في المراكز بعد سنتين من الجمود التام”.
(حسن عسل)
وأكّد أبو الخدود أنّ “عدد أعضاء لجان الاختبار العملي لا يتخطّى أعضاؤه الـ35 من متقاعدي قوى الأمن الداخلي، وهو عدد بالكاد يكفي لتغطية مديرية واحدة على الأراضي اللبنانية، ممّا ينذر بطوابير وتأخير وعودة الوساطات والرشاوى”.
وعن دوام عمل النافعة اليوم، قال: “قبل بدء الخطّة الأمنية كانت أبوابها مفتوحة أمام المواطن والمكاتب لإنجاز بعض المعاملات الروتينية، أمّا اليوم، فالنافعة تعمل طوال أيام الأسبوع لاستقبال المواطنين فقط وفكّ حجوزات آلياتهم شرط تطابق المعايير المطلوبة”، مضيفاً أنّه “في غياب تام لبطاقات رخص القيادة ودفاتر تسجيل الآليات، يكتفي المواطن بنصف ورقة تُثبت حيازنه على الآلية قانوناً وقدرته على قيادتها”.
إفادات تعليم القيادة إلى الواجهة مجدداً
في السياق، دعت نقابة أصحاب مكاتب تعليم قيادة السيارات في لبنان إلى إصدار “إفادة تعليم القيادة” كجزء من متطلبات الترشح لامتحانات القيادة، وهو إجراء يهدف إلى تعزيز المصداقية وضمان أن المدربين والمدارس ملتزمون بالقوانين المعمول بها. هذا الإجراء يتضمن أيضاً تطوير قاعدة بيانات للسائقين لمنع انتحال صفة مدرب أو مدرسة.
(حسام شبارو)
كما قام معهد قوى الأمن الداخلي بتدريب فاحصي امتحان القيادة العملي وفقاً للمعايير الدولية، وهو جزء من جهود لتحسين جودة التدريب والامتحانات. ومع ذلك، استمرت المشاكل بسبب البطء في تعيين لجان امتحان القيادة الجديدة واستئناف نشاط دوائر القيادة في مصلحة تسجيل السيارات.
وتُعدّ إفادة تعليم القيادة خطوة أولية ومهمّة في عملية تعلم القيادة والحصول على رخصة، بينما دفتر القيادة هو وثيقة تستخدم بعد الحصول على الرخصة لمتابعة سجل السائق المروري.
الخطّة الأمنية مستمرة في بيروت الكبرى، والحواجز قائمة، من دون وجود أي تأكيد من الجهات المختصة عن عدد المخالفات المسطّرة أو التُّهم الموجّهة إلى المطلوبين، ونسبة انخفاض معدّل الجريمة في العاصمة.
روان أسماـ النهار