علي يوسف
يمكن القول ان كلمة المرشد السيد الخامنئي في ذكرى الامام الخميني جاءت تاريخية في الشكل وفي المضمون .. في الشكل بالحضور الجماهيري الضخم وظهور الوقار الاستثنائي للمناسبة و كونها اتت في وقت تزامنت فيه ٣ مفاصل مهمة من تاريخ المنطقة والعالم ومن تاريخ الثورة الايرانية والنظام الاسلامي فيها واستحقاق الانتخابات الايرانية .. وكذلك حيث ظهر واضحا وجليا في ردود فعل الشعب الايراني على ماجاء في الكلمة ان لجهة الالتزام العميق عمق الايمان بتحرير فلسطين وكذلك الالتزام عينه بنظام الجمهورية الايرانية الاسلامي وبالثقة الكبيرة وبعنفوان بقدرة الشعب الايراني على الحفاظ على ثورته وتحقيق التقدم والتنمية ومحاربة الاستكبار العالمي من منطلقات اوسع من المنطلق الاسلامي الى المنطلقات الفكرية الإنسانية التحررية والتنموية … وقد تجلت ردود الفعل هذه في ارتفاع صيحات التأييد عند الحديث عن طوفان الاقصى وعند الحديث عن زوال الكيان الصهيوني وكذلك عند الحديث عن عظمة الشعب الايراني التي تتجلى بتمسكه بالإرادة الحرة وفي الاستمرار في بناء الدولة القادرة والفاعلة والداعمة في مواجهة الاستكبار ودعم الشعوب المستضعفة …اما في المضمون فسنتناول المفاصل التي شملتها ووفق ترتيب الكلمة نفسها …١- طوفان الاقصى والقضية الفلسطينية :تضمنت الكلمة ٤ مفاعيل اساسية لطوفان الاقصى تحت هذا العنوان ..الاول من حيث التوقيت لتشير الى انها افشلت مشروعا تحول الى خطة عمل بدأ تنفيذها مآلها إنهاء القضية الفلسطينية عبر حركة تطبيع واسعة بين الكيان الصهيوني الغاصب وبين الدول العربية مما يحول الكيان الى جزء من دول المنطقة ليمارس الدور المنوط به منذ انشائه في السيطرة على قرار وارادة شعوب المنطقة ودولها والسيطرة على ثرواتها وضبط نموّها وفقا لأجندة محددة وبما يتناسب مع مصالح السيطرة الغربية التي يلتزم هذا الكيان تحقيقها …والثاني من حيث انها طالت ارض الكيان الصهيوني المعترف به دوليا وضربت بقسوة جيشه ومخابراته والذان يشكلان الركيزتان الاساسيتين للكيان ولبنيته القائمة على دور الشرطي للمصالح الغربية وعلى الحماية والسيطرة ..والثالث هو ان حجم الضربة التي احدثها طوفان الاقصى وضعت الكيان في وضع عدم القدرة على العودة الى الوراء و عدم القدرة على تحقيق اي انتصار بفعل المقاومة الفلسطينية وجبهات المساندة القادرة والقوية الى الحد الذي لا يستطيع معه العدو شيئاً وجعله امام خيار وحيد و طريق وحيد هما الهروب الى الأمام وبما يأخذ الكيان الغاصب الى الزوال ….والرابع من حيث ان طوفان الاقصى ثبّت من خلال جبهات المساندة وحدة ساحات المقاومة في مواجهة الكيان الغاصب وفي مواجهة الغرب والاستكبار .. ولم يفت المرشد ان يُشير الى انه لا يستطيع الجزم ما اذا كانت المقاومة الفلسطينية كانت تعرف وتدرك ما ستكون مفاعيل وتداعيات هذه العملية التي قامت بها في ما يعني ذلك من تأكيد ان المقاومة الفلسطينية اي حماس وحلفائها هم الذين قرروا العملية وموعدها وان كانوا يدركون ان محور المقاومة سيكون جاهزا للمساندة على الاقل وصولا الى منع هزيمة المقاومة الفلسطينية حتى لو تتطلب ذلك الذهاب الى الحرب المفتوحة والكبرى ….٢- استشهاد الرئيس الايراني رئيسي و وزير الخارجية عبد اللهيان ورفاقهما والذي طرح فيه المرشد السيد الخامنئي من خلال الحديث عنهم وعن قيم ممارستهم للسلطة المفهوم الثلاثي للسلطة ولممارستها في ايران .. -المفهوم الداخلي القائم على التفسير السياسي لمعنى خدمة الناس خططا ومضامين و اهداف وعلاقات مباشرة وعاطفة واستطلاع الحاجات والعمل على تأمينها من خلال التنمية الشاملة في العلم والاقتصاد وفي الطاقات البشرية والانتاجية والخدماتية ..-والمفهوم الخارجي القائم على وضوح الاهداف والسياسات والصلابة في الموقف والارادة ووضوح التحالفات والتمييز الواضح بين الصديق وبين العدو وتخفيف التوترات مع الدول المجاورة ودعوتها بصدق الى التعاون وتقديم انموذج رائد في العلاقات يقوم على الاحترام والسعي الى ايجاد المصالح المشتركة وتبادل الخبرات في التنمية والتشبيك الاقتصادي والمجتمعي بعيدا عن سياسات الهيمنة والانانيات …-والمفهوم الاخلاقي والانساني القائم على مواجهة الاستكبار العالمي ودعم المظلوم والاصرار على الحقوق على مختلف مستوياتها…ولم يفت السيد الخامنئي التأكيد على ان مرجعية هذه القيم في مفاهيم السلطة وممارستها هي القيم الاسلامية الدينية تأكيدا للنظام الاسلامي في ايران ….٣- بروز حالة الاستقرار في النظام الاسلامي في ايران ودعم الشعب الايراني للثورة الاسلامية ولهذا الخيار من خلال الحضور الشعبي الكبير الذي فاق التصور للمشاركة في مراسم تشييع الشهداء والذي يتكرر في كل مفصل مهم حين يفقد الشعب احد قياداته الذي يشكل رمزا من رموز النظام الاسلامي الايراني دورا وممارسة وجهادا وقيماً وممارسة .. وهذا ماحصل خلال تشييع الشهيد سليماني ويحصل في تشييع قيادات اخرى وان بنسب متفاوتة .. وهذا الاستقرار وعدم حصول اي فراغ في السلطة أو اي توتر او اي حادثة مخلة يؤكد على المتانة والحصانة الوطنيتين ويؤكد ان المسار الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية سوف يتم بروح عالية من المسؤولية التي يفرضها هذا الحدث وفي هذه الظروف التاريخية المفصلية وفي هذه اللحظات السياسية الدقيقة .. وذلك ليأتي رئيسا وليعاد تكوين السلطة في ايران على النهج عينه الذي رسم خطوطه الإمام الخميني ونفذه الرئيس رئيسي ببراعة استحقت الاعجاب والتقدير الكبيرين ….ويمكن القول في الخلاصة ان خطاب المرشد السيد الخامنئي كان تاريخيا من حيث ابرز مضمون مدرسة سياسية شرقية تقوم على قيم الكرامة والعدالة والحقوق وتعود الى مرجعيتي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والشورى والاحترام الاخلاقي والانساني على نقيض نظام المصالح الغربي الذي يعتبر المصلحة فوق كل اعتبار ووصل في اعلى درجاته الى مافيوية اغتصابية استكبارية استعبادية تحكم بالقوة والفتن والحصار والتجويع وصولا الى دعم الابادة الجماعية في غزة ….