عن صفحة الإعلامي الأستاذ شربل زوين
عاجل..يَستعدّ الأب البروفيسور يوسف مونّس- 87 سنة- للمشاركة في حلقة “تكريم الزمن الجميل بالمحبّة والوفاء لأول فيلم لبناني ديني للقديس شربل” من بطولته..والحلقة التلفزيونيّة التكريميّة من إعداد الدكتور هراتش سغبزريان ومن خلال شاشة محطة LBCI..
جدير ذكره أن أول فيلم للقديس شربل قام الأب يوسف مونّس ببطولته في عام 1957، عندما كان فتيّاً يتلقى دروسه الثانوية في معهد الروح القدس- الكسليك.
عُرِض الفيلم بالأسود والأبيض على شاشات السينما ومن ثم في المؤسسات التربويّة في منتصف ستينيات القرن الماضي، وقد لاقى رواجاً شعبيّاً كبيراً، وهو من إخراج نقولا ابو سمح وكتابة نصّ الأب بولس ضاهر، ومشاركة نخبة من ممثلي وممثلات الزمن الجميل؛ الفيلم يروي قصة حياة القديس شربل مخلوف، وهو راهب ماروني لبناني عاش في القرن التاسع عشر.
معلومات عن الفيلم:
- إنتاج: 1958؛ الفيلم يروي قصة حياة مار شربل (إبن أنطون زعرور – مخلوف-عائلة زوج والدته الثاني..)
جلجلة “ فيلم شربل”
عاد الراهب الماروني يوسف مونّس من أوروبا، مكتشفاً أن المسرح هو إحدى ثروات العالم الثقافيّة: يقول الأب مونّس“كنت لا أزال شاباً وسيماً وأملك موهبة التمثيل والكتابة، ودرست المسرح في جامعة ستراسبورغ”.
ولم يكن التمثيل غريباً عنه آنذاك، ففي جعبة ذاك الراهب الناشئ تجربة سينمائيّة لا تُنتسى، وقد أطلقته الى عالم الشهرة باكراً، هي فيلم“شربل”. وكان ذلك عام 1957، حين إختار المخرج نقولا أبو سمح الأب مونّس وكان لا يزال شاباً يتلقى دروسه الثانويّة في معهد الروح القدس بالكسليك، للعب دور القديس شربل في فيلم سينمائي كتبه الأب بولس ضاهر وهو أول فيلم ديني في تاريخ السينما اللبنانية، ويُضيف مونّس:“في الواقع إستغربت يومذاك إختياري أنا وليس غيري، وتَمنيت عليهم ان يَلعب راهب أكبر سنّاً المرحلة الاخيرة من حياة شربل،“إستهولت الفكرة”، شربل كان جبلاً، كان عمارة، كيف لي ان ألعب هذه المرحلة خصوصاً أنها أهمّ مراحل حياته”.
عن تلك التجربة “الصعبة جداً يروي الأب مونّس“كنت في أول حياتي الرهبانيّة، كان عليَّ كل يوم أن أضع ذقناً جديدة وكانت عملية صعبة، كل يوم كانوا يَضعون “المسكة” ويزرعون الشعر فوقها وكل يوم كانت تُنزع مع ما يُسبِّبه ذلك من ألم شديد، تَعذّبت كثيراً في آدائي لهذا الدور، كان هناك إلتزام تام بتصوير كل المشاهد حيث عاش القديس شربل، وملاحقة أحداث حياته بحسب أوقاتها وفصولها وقساوتها، كنا نُصوّر في الشتاء والثلج، وننتظر حتى الربيع لنصوّر البيادر”.
خرج الأب مونس من تجربة شربل“مدمّراً” كما يقول، يستعرض حوادث تخلّلت عمليات التصوير كانت في غاية الصعوبة وخصوصاً تلك التي صُوِّرت على الثلوج حيث كان الرهبان يُخرجون جثة شربل (مونس في الفيلم) من الدير، فزحطوا على الجليد وسقط مونّس على الثلج، وكانت النتيجة إصابة بليغة في رئتيه“لا زلت أعاني منها حتى اليوم”.
“كانت تجربة صعبة جداً، حَمَّلوني غُمر الشوك، وانكوى ظهري، كل المشاهد كانت صعبة وتعكس حقاً صعوبة الحياة التي إختارها ذاك القديس العظيم، في أحد المشاهد بقينا حتى الظهر نقطع السنديان ونَضرب بالفرّاعة، وأخذ الدم يَنفر من يديّ، وكانت النتيجة أن المخرج نقولا أبو سمح أراد أن يُعيد تصوير المشاهد..ثم كان مشهد صعب جداً حين كان شربل يَحتضر في الصومعة وهو ينام على جِلد على الأرض وقربه النار، كل مشهد أدَّيته كان بمثابة جلجلة، عانيت كثيراً وطلعت منه بمشاكل صحيّة في ظهري ويَديّ لا زلت أعاني منها حتى اليوم”.
هل ندم لتأديته الدور؟
يَختصر الأب مونس تجربته في هذا الفيلم بـ”المغامرة” الكبيرة التي كان لها تأثير كبير على حياته لكنه حتماً لم يندم على هذا الدور على رغم قساوته “الحمدلله كنت مقتنعاً جداً به، دخلت الجوّ وخرجت منه بصورة شربل الحلوة، كان إختباراً رائعاً”..
شربل دفشني أكثر الى الرهبنة
“ًشربل” هذا الإختبار الرائع، شكّل منعطفا كبيراً في حياة الراهب الشاب، “دفعني الى خيار جديد، إخترت بين الدوافع والأساسيات، كان صوتاً صارخاً داخلي، تأثرت بحياته، بجبروته، بمطلقيته، بجذريته”.
يَستطرد مونّس“لم يتقبلوا شربل في البداية، تماماً كما لم يتقبلوا سيّدة لورد، وفجأة رأينا العالم كلّه زاحفاً الى لورد، وها نحن نرى اليوم صعود ظاهرة مار شربل وقد تخطت لبنان لتصل الى كل العالم..ترى الناس راكضة الى عنّايا..الى المستشفيات ونرى أطباء وأخصائيين كبار عاجزين عن شفاء مرضى كُثر، فيما ذاك الراهب البسيط الذي قضى العمر مصليّاً في صومعته، صار الطبيب الشافي الذي ذاع صيته في كل العالم، يَشفي حالات مستعصية بقوة الحب والصلاة والإيمان”.
“جلجلة” شربل والعذابات التي تكبدها مجسداً دوره، دفعت الراهب الشاب أكثر فأكثر الى خيار الرهبنة، الى التمسّك أكثر فأكثر بدعوته، “شربل دفشني أكثر الى هذه الحياة وكان وراء لقائي برهبان مهمين لعبوا دوراً مهماً في حياتي الرهبانية”.
“أنا مش بلاي بوي، أنا راهب”
الشهرة التي عرفها مونّس بعد “فيلم شربل” كان يمكن حتماً ان تُغريه أن “تطلع البخار” في رأس الراهب الشاب الوسيم، لكن “يسوع تدخّل وحماني، لقد تَجذَّرت أكثر فأكثر بدعوتي، وبأصالة هذه الدعوة”، وبالنتيجة يقول مونّس “أنا مش بلاي بوي، أنا راهب، وألتزم روح الرهبانيّة شكلاً وروحاً، حتى أنني كما كل رهبان الرهبنة المارونيّة إلتزمت أصالة دعوتنا ورفضنا كل حداثة شكليّة أو روحيّة تتعارض مع روحيّة الرهبنة ونذورها، نحن ضد ثياب الرهبان المدنيّة، ضد الطوق والقمصان البيض، نحن كما مار شربل نلتزم ثياب الرهبنة والنذور، هذا هو نذر الراهب”.
بعد“شربل”..طويت الصفحة
نعم، شهرة “فيلم شربل” لم تُغيّر الراهب الشاب، إستمر مخلصاً لحبّه الأول ليسوع المسيح.
(معلوم أن الأب البروفيسور يوسف مونّس هو راهب ثائر، وصاحب مواهب عديدة واسع الثقافة والعطاءات، مفكّر أنتروبولوجي وجودي ولاهوتي فلسفي، أكاديمي إداري، وكاتب أديب فنان، ممثل، محاضر جامعي لحوالى خمسة عقود، مسرحي، رياضي إنخرط أيضاً في عالم الرياضة بِدءاً من السباحة حيث خاض مباريات في بطولة لبنان على مدى 15عاماً، كما خاض سباقات في الركض وتسلّق الجبال والوديان، ويقول مونّس“كنت راهباً إستثنائياً بنشاطاتي”، نجم تلفزيوني، صحافي إذاعي وتلفزيوني، وأيضاً مستشار سياسي ومحاور، صانع رؤساء دولة..هو كل ذلك وأكثر يَصبُّ في جسد واحد يَصول ويَجول وصوت إعلامي صارخ لا يَستكين، لكنه من ذاك المذبح المقدّس بدأ وإليه يعود ساجداً مبتهلاً..)



