البطريرك الراعي للسياسيين: صحّحوا مسيرتكم وقراراتكم لخير لبنان واللبنانيّين

تمنى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “لو أنّ المؤمنين السياسيّين يشعرون بموهبة الروح القدس، وبقيمتها في حياتهم، لفتحوا أذهانهم وعقولهم لقبوله، ولقراءة علامات الأزمنة في حياتهم على ضوئه. فالروح أعطاه المسيح مجّاناً لكي يبدّل نظر الإنسان إلى أمور الدنيا، فيتحرّر من مصالحه وحساباته الخاصّة من أجل الخير العام”.
 
وقال: ” كيف يستطيع أي سياسيّ القيام بوظيفته الخطيرة من دون العودة إلى الروح القدس. لو فعلوا ذلك لكانوا انتخبوا رئيساً للجمهوريّة، وقبل نهاية خدمة الرئيس العماد ميشال عون وفقاً للدستور (المادّة 73)، ولكانوا اختاروا منذ ذاك الحين رئيساً يغيّر ويخلق بيئة وطنيّة جديدة نظيفة، وسلوكاً أخلاقيّاً، والتزاماً بالثوابت التاريخيّة”.
 
وصلّى الراعي “كي يلهم الله السياسيّين استلهام الروح القدس، لكي يصحّحوا مسيرتهم وقراراتهم لخير لبنان واللبنانيّين.

 
وقدم البطريرك الراعي قداس هذا الأحد على نية المزارعين في لبنان، معتبراً أن الأرض “تشكل عنصرا جوهريًّا من الهوية الوطنية وهذا ما أكد عليه المجمع البطريركي الماروني (2003-2006)، وفق النص الخاص بعنوان ” الكنيسة المارونية والأرض ” مما شكلّ حافزًا للبطريركية والابرشيات والرهبانيات وابناء الكنيسة لاستثمار الاراضي في مجال الزراعة”.
 
وأضاف الراعي أن الزراعة تشكل “أهمية استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي عبر تأمين حاجة لبنان من الغذاء، داعياً “الدولة لدعم القطاع الزراعي وجعله أساسياً في الاقتصاد الوطني وتحسين سبل عيش المزارعين والمنتجين وزيادة القدرة الانتاجية وتعزيز كفاءة الانتاج الزراعي والغذائي وقدرتها التنافسية وتحسين التكيف مع التغيير المناخي واستدامة نظم الزراعة والغذاء والموارد الطبيعية”. كما تمنى “على اللبنانيين المنتشرين في أنحاء العالم مواكبة وزارة الزراعة لتسويق المنتوجات الزراعية النباتية والحيوانية والمونة والصناعات الغذائية لان ذلك يدخل العملة الصعبة الى لبنان”. كما ناشد “المنظمات الدولية والهيئات المانحة احتضان ودعم أكبر القطاع الزراعي للنهوض به وتأمين شبكة الأمان الغذائي وتحويل النظام الزراعي والغذائي اللبناني لنظام أكثر صموداً وشمولية تنافسية واستدامة”.

عظة البطريرك كاملة

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي

الأحد الثالث من زمن العنصرة

بكركي – 2 حزيران 2024

_________________________________________

“من يحبّني يحفظ كلمتي” (يو14: 23)

1. العلاقة بين المسيح وتلاميذه، وبخاصّة أساقفة وكهنة العهد الجديد، إنّما تقوم على المحبّة قبل أيّ شيء آخر. وذلك أنّ من يحبّ يؤمن ويثبت إيمانه برجاء وطيد. ثمّ إنّ الإنسان بمحبتّه للمسيح الربّ يصبح مسكنًا لله الواحد والثالوث، كما يؤكّد الربّ يسوع في إنجيل اليوم: “من يحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه، وإليه نأتي، وعنده نجعل منزلًا” (يو14: 23). يا لقوّة الحبّ، حبّ الله القائم على حفظ كلمته. فكيف يحبّه من يجهل كلمته؟ وكيف يصمد بوجه التجارب إذا جهل كلام الله؟ وإذا تساءلنا عن عدد الذين يجهلون كلام الله، لإمتلأنا خجلًا، ولتساءلنا عمّا فعلنا من أجل أن يعرف المسيحيّون كلام الله، لكي يحبّوه.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتوجيا الإلهيّة، مرحّبًا بكم جميعًا. فأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم مفرّج يوسف صقر الذّي ودّعناه، مع زوجته السيّدة وحيدة سمعان الريّس وابنه وابنتيه ومع سائر ذويهم وأنسبائهم، ونخصّ بالذكر شقيقها عزيزنا نبيل سمعان الريّس مختار حملايا. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسه ولعزاء أسرته.

كما أوجّه تحيّة إلى عائلة المريض كرم بو شعيا، ونصلّي معها لشفائه وهو في المستشفى منذ سنة في حالة غيبوبة من جرّاء حادث سير في 2 حزيران 2023.

3. قدّاسنا اليوم على نيّة المزارعين فأحيّيهم حيثما هم، وأحيّي عزيزنا المهندس لويس لحّود مشجّع الزراعة والمزارعين بصفته مدير عام وزارة الزراعة، كما نحيّي وزيرها ونشكرها على تسويق المنتجات اللبنانيّة.

4. إنّ الأرض تشكل عنصرا جوهريًّا من الهوية الوطنية وهذا ما أكد عليه المجمع البطريركي الماروني (2003-2006)، وفق النص الخاص بعنوان ” الكنيسة المارونية والارض ” مما شكلّ حافزًا للبطريركية والابرشيات والرهبانيات وابناء الكنيسة لاستثمار الاراضي في مجال الزراعة. تشكل الزراعة اهمية استراتيجية لتحقيق الامن الغذائي عبر تأمين حاجة لبنان من الغذاء.

بفضل التعاون المستمر والدائم بين البطريركية والأبرشيّات والرهبانيّات ومدير عام الزراعة والكليات الزراعية والجمعيات والنقابات والتعاونيات لابقاء المزارع في ارضه والحد من النزوح والهجرة وبيع الاراضي الزراعية وخلق فرص عمل للشبيبة خاصة ان أكثر من ثلث سكان لبنان يعيش من القطاع الزراعي.

5. إنّنا ندعو الدولة لدعم القطاع الزراعي وجعله اساسيا في الاقتصاد الوطني وتحسين سبل عيش المزارعين والمنتجين وزيادة القدرة الانتاجية وتعزيز كفاءة الانتاج الزراعي والغذائي وقدرتها التنافسية وتحسين التكيف مع التغيير المناخي واستدامة نظم الزراعة والغذاء والموارد الطبيعية.

6. ونتمنى على اللبنانيين المنتشرين في انحاء العالم مواكبة وزارة الزراعة لتسويق المنتوجات الزراعية النباتية والحيوانية والمونة والصناعات الغذائية لان ذلك يدخل العملة الصعبة الى لبنان. ونناشد المنظمات الدولية والهيئات المانحة احتضان ودعم أكبر القطاع الزراعي للنهوض به وتأمين شبكة الامان الغذائي وتحويل النظام الزراعي والغذائي اللبناني لنظام أكثر صمودا وشمولية تنافسية واستدامة.

وننوه بجهود مدير عام وزارة الزراعة وموظفي الوزارة في السنوات الاخيرة بتعريف وتسويق النبيذ اللبناني في الاسواق المحلية والخارجية، وقد وصل الى العالمية وانتشر في كل قارات العالم وقد أصبح منافسًا.

7. “من يحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه، وإليه نأتي، وعنده نجعل منزلًا” (يو14: 23).

محبّة كلام الله هي محبّة الله نفسه. يقول القدّيس غريغوريوس الكبير: “إذا جاءك صديق غنيّ موسر، فإنّك تسارع لتنظيف بيتك، خشية أن تتأذّى عيناه من بعض أمور البيت غير اللائقة. هكذا فلينظّف المؤمن بيته من سيّء الأفكار والأعمال الشريرة.”

الله يسكن فينا بعد تنقية مسكننا الداخليّ. ونسطيع ذلكبحفظ وصاياه وتعليم المسيح في الإنجيل والكنيسة. فهي تلتهم الرذائل والأهواء، وتجعل النفس هيكلًا طاهرًا جديرًا بالله الواحد والثالوث. يقول القدّيس كيرللس الإسكندريّ: “إذا كنّا نحن نأنف من القذارة والنتانة في بيوتنا، فنرميها خارجًا، أفلا نأنف من قذارة الأفكار السيئة والخطايا التي تولّد النتانة في عقولنا وإرادتنا وقلوبنا؟ كيف يستطيع الله أن يأتي إلى نفوسنا ويجعل منها له منزلًا؟

8. ويهبنا ربّنا يسوع الروح القدس، البارقليط أي المؤيّد والمعزّي الذي يشفع بنا نحن الضعفاء والخطأة، ويدافع عنّا، وعن أخطائنا وحالات ضعفنا.

الروح القدس المعزّي حاضر في كلّ فرد وفي كلّ مكان. هو بسيط في جوهره ومتنوّع في مواهبه وقواه. موزّع من غير تبدّل. مشارَك فيه بشكل كامل، على مثال أشعّة الشمس: فكلّ واحد منّا ينعم بالشمس وكأنّها موجودة من أجله فقط، مع أنّها تُنير الأرض والبحر وتسود الفضاء. هكذا يُعطى الروح لكلّ من يقبله، وكأنّه حاضر له وحده، مع أنّه يُرسِل نعمة تكفي الكون كلّه. وينعم به كلُّ من يشارك فيه على قدر طبيعته، لا على قدر طاقته (القدّيس باسيليوس الكبير).

النفوس التي تحمل الروح تستنير به، فتصبح روحانيّة، وتبعث النعمة في الآخرين. وتقرأ علامات الأزمنة، وتفهم الأسرار، وتدرك الخفايا، وتقيّم المواهب.

9. كم نتمنّى لو أنّ المؤمنين السياسيّين يشعرون بموهبة الروح القدس، وبقيمتها في حياتهم، لفتحوا أذهانهم وعقولهم لقبوله، ولقراءة علامات الأزمنة في حياتهم على ضوئه. فالروح أعطاه المسيح مجّانًا لكي يبدّل نظر الإنسان إلى أمور الدنيا، فيتحرّر من مصالحه وحساباته الخاصّة من أجل الخير العام. لا يستطيع أحد أن يبدّل نظرته إلّا في ضوء عمل الروح القدس، بمواهبه السبع وهي: الحكمة والمعرفة والفهم للعقل، المشورة والقوّة للإرادة، التقوى ومخافة الله للقلب. كيف يستطيع أي سياسيّ القيام بوظيفته الخطيرة من دون العودة إلى الروح القدس. لو فعلوا ذلك لكانوا انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، وقبل نهاية خدمة الرئيس العماد ميشال عون وفقًا للدستور (المادّة 73)، ولكانوا اختاروا منذ ذاك الحين رئيسًا يغيّير ويخلق بيئة وطنيّة جديدة نظيفة، وسلوكًا أخلاقيًّا، والتزامًا بالثوابت التاريخيّة.

10. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يلهم الله السياسيّين استلهام الروح القدس، لكي يصحّحوا مسيرتهم وقراراتهم لخير لبنان واللبنانيّين، ولمجد الثالوث الأقدس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

*     *     *