‏”بين عامين : حلول جذرية أو مرحلة انتقالية” (سعيد غريّب)


 
نقف على عتبة عام جديد فأيّ جديدٍ تحمله الاستحقاقات المطلّة من قابل الأياّم الآتية؟ معتادون بشريّاً أن نفرح بأيّ جديد. نتغاضى عن خط ّالأوهام الفاصل بين سنةٍ وسنة، ليغمرنا إحساسٌ عميقٌ مشترك بين البشر أجمعين، هو الأمل بالعام الآتي كمولودٍ جديد. نودّع سنة وكأنّها العدو ونستقبل أخرى كأنّها الصديق، فهي محبوبة سلفاً لأنّها تحيي فينا ذلك الشعور العميق المختصر بعبارة “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”.
 
نكاد ننسى اننا نودّع عاماً مُرّاً فيه من الأحقاد ما يكفي لترثه أجيالٌ وأجيال، فالعام 2026 يتسلّم من العام 2025 مخلّفاتٍ ثقيلة وتغييراتٍ أساسيّة لا يمكن تجاهلها في المستقبل، إذ إنّها تخطّت الجغرافيا والديموغرافيا لتصل إلى المناخ وسلام البشر. نودّع عاماً كادت البشرية أن تقع خلاله في المحظور الأكبر لولا روادع كابحة وسلسلة من ضربات الحظ، ونستقبل عاماً فيه أيضا كلّ المغامرات متوقّعة وكلّ الاستحقاقات منتظرة.
 
فكيف تكون السنة الآتية في بلدنا الذي يكمل حياته بالمعجزات وبإرادة شعبه من دون حياة ٍطبيعيّة للمؤسّسات الدستوريّة؟ هل نعوّل على نتائج اجتماعات الميكانيسم في ظل تجارب سابقة لا تشجّع كثيرا على قابل متفائل للأيّام؟ هل يتحقّق استحقاق الانتخابات النيابية في ظلّ الجدل حول القانون الانتخابي، واقتراع المغتربين، وما احتمالات التأجيل تحت ذرائع سياسيّة أو تقنيّة؟ وإن حصلت، أيّ ملامح سترسم للمرحلة المقبلة؟ وهل من أفق واضح للتعافي في الاقتصاد والمال؟
 
لا شكّ أنّ هذا العام ينطلق مثقلاً بتراكم الأزمات، ويمتدُّ كسابقه ليغدو مفصليًا في تحديد الاتجاه الذي سيسلكه لبنان وهو البلد المحكوم بواقع التوازنات الاقليميّة والمحليّة، فيما استحقاقه الانتخابي يتأرجح وسط تباين مصالح  الافرقاء. أمّا وضعه الاقتصاديّ والماليّ فما يزال في طور المعالجة المرجوّة والمحاسبة المنتظرة.
 
إنّ صورة العام الآتي لا تزال تراوح في الضبابية، ما لا يعد بحلول جذرية بل بمرحلة انتقالية يستمرّ فيها لبنان ساحةً تنتظر نضج الظرف الاقليمي وتلاقي ارادة اللبنانيين على إعادة بناء الدولة واستعادة سيادتها.
ولعلّ الملفّ الاكثر دقة يبقى مصير المفاوضات القائمة مع اسرائيل، والمندرجة ضمن حدود ادارة النزاع وليس انهاءه. والواضح أنّها تحتاج بشكلٍ خاص إلى إجماعٍ وطنيٍّ حقيقي يواكب انتداب السفير سيمون كرم الى الوفد اللبنانيّ فيتخطّى الانقسام السياسي الداخلي لكي تصل المفاوضات إلى خواتيمها المرتجاة في تثبيت وقف الأعمال العدائية الاسرائيلية والحفاظ على سيادة لبنان وسلامة اراضيه. إلّا أنّ أيّ تسوية تبقى مرتبطة بالتطورات الإقليمية.
ويبقى على لبنان في العام الجديد أن يتمسّك بحبل الإيمان بهويّته وأمنه ودوره وسيادته على كامل أراضيه، ليستطيع التحكمّ باستقراره الداخلي بعيدًا من تأثيرات المعادلات الخارجية.