زيارة البابا ليو الرابع عشر لم تكن زيارة بروتوكولية ولا محطة روحية عابرة. فمع أن الطابع الديني طغى على المشهد، فإن الرسالة السياسية التي حملتها كانت أوضح من أي وقت مضى: اللبنانيون يريدون السلام، والمجتمع الدولي مستعد لمساندة دولة تتّجه فعلاً نحو الاستقرار.
ولعلّ المشاهد الشعبية التي رافقت الزيارة لم تكن مجرد مظاهر استقبال، بل مؤشراً واضحاً على رغبة الناس بالخروج من منطق الانقسام، والعودة إلى دولة واحدة تمسك بقرارها وسيادتها على كامل أراضيها.
وفي هذا السياق، برز موقف الرئيس جوزاف عون الذي قرر الخروج من دائرة الانتظار. فتكليفه السفير السابق في واشنطن، سيمون كرم، برئاسة الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم» شكّل أول تحوّل جدّي في قواعد اللعبة. إذ فتحت هذه الخطوة الباب أمام مسار تفاوضي مباشر مرتبط بالقرار 1701 وبمسألة حصرية السلاح ومستقبل الحدود الجنوبية، وأعادت الدولة إلى موقع المبادرة بدل موقع المتفرّج.
وهنا لا بد من الإقرار بأن الرئيس اتخذ خطوة جريئة في لحظة سياسية حساسة. ففي وقتٍ تكتفي فيه بعض القوى بالمزايدات أو التعطيل، اختار الرئيس التقدّم نحو مسار يعيد للدولة وزنها. وبين من يعمل جدياً لبناء المؤسسات ومن يواصل إضعافها، وضع الرئيس نفسه بوضوح في الجهة التي تريد حماية البلد، لا تركه يتآكل. فلبنان يحتاج اليوم إلى قيادة تتحمّل مسؤولياتها، لا إلى أطراف تتصرّف كما لو كانت فوق الدولة وفوق القانون.
إلى ذلك، فإن تفعيل اجتماعات «الميكانيزم» ليس إجراءً إدارياً، بل محطة سياسية مفصلية. فالمجتمع الدولي يريد الانتقال من إدارة الأزمة إلى إنتاج حلول حاسمة. وفي الأيام المقبلة، ستتوجّه البعثة الأممية إلى الجنوب لتقييم انتشار الجيش في المنطقة المحررة، ودراسة كيفية ملء أي فراغ محتمل بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل» في 2026، في ظل الحديث المتزايد عن إعادة هيكلة مهمتها أو تعديلها.
وبين زيارة البابا من جهة، وخطوات الدولة ومسار الميكانيزم من جهة أخرى، يجد لبنان نفسه أمام فرصة نادرة: فالاستقرار لم يعد حلماً بعيداً، والانهيار لم يعد قدراً محتوماً. والمعادلة باتت واضحة: إذا أراد لبنان أن يعيد بناء دولته، فهذه هي اللحظة المناسبة.
وفي هذا الإطار، تكتسب كلمات الفيلسوف جان جاك روسو دلالة خاصة:
«لا حرية حقيقية حين تصبح القوة خارج سلطة القانون.»



