الإنجيل بحسب القديس لوقا
لو ٣٩/١-٤٥
زيارة مريم لإليصابات
وفي تلكَ الأَيَّامِ قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إلى مدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات فَلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجنين في بَطنِها، وامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، فَهَتَفَت بِأَعلى صوتها:
“مُبارَكَةٌ أنتِ في النِّساء! وَمُبَارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ، مِن أَيْنَ لِي أَن تَأْتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ فِي أُذُنَيَّ حتَّى ارتكضَ الجَنينُ ابتهاجاً في بَطْني فطوبى لِمَنْ آمَنَت : فسَيَتِمُّ ما بَلَغَها مِن عِندِ الرَّبِّ.”
يا مريم يا نايَ ألحان السماء، ها أنت في طريقك مسرعة نحو “عين كارم” على بعد مئتين وسبعين كيلومترًا من قريتك الناصرة، لزيارة نسيبتك أَليصابات. قد استغرق السير مع القافلة أربعة أيام، تَخلَّلَتها محطات استراحة عند المعارف، لقد سَعدوا باستضافَتِك مع يوسف .
آهٍ ! لو عرف هؤلاء الناس مَن يتوقَّفُ معك ليرتاح عندهم !
لِمَ تُسرعين هكذا؟ لتأدية الخدمة لا غير .
لقد علمت من الملاك جبرائيل، بأنَّ أَليصابات، قد حَبِلَتْ بابنٍ في شيخوختها، وهي في الشهر السادس، لتلك التي كانت تُدعى عاقرًا. إنّها بدون شك، بحاجةٍ إلى يد العون . الملاك لم يوح لكِ بالذهاب إلى خدمتها، لا! كان يكفي أن تكوني على علمٍ بذلك. لذا أصبحتِ القدوة لكلّ عمل خير ورحمة، علينا أن نسعى إلى القيام به، عفوياً، ولدواعي المساعدة. إن قلبنا “المريمي” يدفعنا إلى خدمة كل إنسان بحاجة إلى أن نُصغي إليه، ننظر إلى وضعه، نُعزّيَهُ ونَكْسَوَهُ ونُطْعِمَهُ.
مريم، أنتِ من قمت بأوّل تطواف بالقربان المقدس. حملتِ يسوع على دروب بلادك، وقدّستِ بعبورك الطبيعة والمنازل وكل الوجوه التي صادفتها .
لدى وصولك إلى أَليصابات، ألقيت التحية بالآرامية: “شلوملخ” فارتعشت نسيبتك حبورًا، ولم تتمالك نفسها من الهتاف بأعلى صوتها، كما تهتفُ النساء في الشرق، في المناسبات المفرحة، كالولادة والأعراس، ويُعرَفُ هذا الهتاف في لبنان “بالزلاغيط”.
تقوم الفتاة العذراء بزيارة المرأة العاقر. والمخلّص الذي ما يزالُ خَفيًّا قَدَّسَ السابق. والروح القدس الساكن أحشاء أَليصابات، أوحى إليها بالنشيد “مباركة أنت بين النساء”، هؤلاء النساء اللواتي أحزنتهنَّ اللعنة التي سَبَّبتها لهنَّ حواء. منذ الآن أقصيتِ اللعنة التي صدرت في البدء، بفضل البركة الحالّة في أحشائك.
“مِن أينَ لي أن تأتيني أمّ ربي ” هتفت نحوك أَليصابات. ألن يُعلن يوحنا فيما بعد، عندما قَصَدَهُ ابنك يسوع ليتعمّد على يده: “أنا أحتاج إلى الاعتماد على يدك، وأنت تأتي إليّ؟” (متى (١٥/٣) يا له من تناغم رائع !
شَهِدَتْ أليصابات بهذه الكلمات، لسرّ التجسّد. الله هو مصدر كلِّ يقين، يُرسِّخُ فينا ثوابت الإيمان التي لا يُمكن أن تَتَزعزع.
لِنُصَلِّ:
يا مريم يا ناي ألحان السماء
إني بوجهك كل آن محدق
ينساب عطرك في حنايا أضلعي
وشذا حنانك في الخليقة يورق
حبي لك غلفته بتضرع
ان يبقى عمري في رضاك يهرق
يا قُوَّتي وحديقتي وسعادتي
بابي على الإثم بفضلك مُغلقُ
قبطاني أنتِ في الخِضَمِّ الهائجِ
والنجمةُ والقبلةُ والزورقُ
إن أثْخَنَت نفسي جراحُ الحيرةِ
يُمناكِ تُمسِكُني فلستُ أغرقُ
كنتِ وأنتِ دائما أنشودتي
ولغيرِ لحنها لا يَحِنُّ مسمَعي
وإليكِ صمتي فاقبليه مُعبِّرًا
عما أعي وعمّا ما قد لا أعي
يجتاحُني جوعٌ إلى الطفولةِ
إن تهتُ عنكِ فاضَ حوضُ مدمعي
أنتِ السراجُ السّرمديُ لهيكلي
صار الجمالُ بوحيِ حبكِ مطمعي
يا أمي فيكِ مرتجى ما أشتهي
يا مرفأي يا بَسمتي يا مَرجعي
إن غبتِ غابَ اللهُ يا سرَّ الصلاة
لا مستحيلَ عندي ما دُمتِ معي
تأمّلات روحيّة من كتاب الإنجيل في صلاة للأب منصور لبكي.



