تحقيق – فاطمة عيسى (الوكالة الوطنية للإعلام)
وطنية – أربع وعشرون عاما على التحرير الكبير.. تحرير الجنوب من دنس احتلال كان منذ بدايته موقتا والى حين، كان الجنوبيون يرون النصر بأعينهم التي حاول العدو اقتلاعها وعزيمتهم يقترب عاما بعد عام، لكنهم ما هدأوا يقاتلونه بأسنانهم وأظافرهم واللحم الحي، مضت أيامهم قهرا وفقدا وظلما، لكن ما أرعبهم كل هذا، أجبروه على الاندحار غصبا وذلا وانتزعوا الحرية بقبضاتهم التي ظلت مرفوعة اثنين وعشرين سنة.. والى الان لم تزل رؤوسهم شامخة كجبال الجنوب الخضراء..ظل الجنوب مزهرا الى الآن معلنا ان الذبول والقبول بالهزيمة محال.
مثل هذا اليوم، ومنذ أربعة وعشرين سنة، اندحر آخر جندي إسرائيلي، وتطهرت أرض الجنوب، مضى ما يقارب ربع قرن وما زالت هذه الذكرى محفورة في قلوب الجنوبيين كما لو ان اليوم تحرروا ..
تعود الذكرى بالسيدة هدى التي كانت تبلغ الثماني سنوات يوم التحرير وتقول متأثرة: “ذاك يوم لا ينسى، خرجت من المنزل تجرني أمي في قريتنا الحدودية راميا، بعد سماعنا زغاريد النساء والتكبيرات والتهليلات وأصوات الدبكة تهز الأرض في ساحة القرية، دموع الفرحة مرسومة على كل الوجوه.. وأصوات “الحمد لله لتحررني” تملأ المسامع، كانت ضحكتي تزين وجهي ودموعي تنهمر، معالم وجهي متناقضة: فرح شديد وقلبي يدق كأنه يعزف موسيقى النصر، كان يوما لا ينسى”.
وتضيف: “كان أبي كلما بدأ القصف يحملنا مسرعا وينزل بنا الى الملجأ الى أن يتوقف القصف، كان الخوف يملأ قلوبنا، أبي الذي تم تهديده واجباره على مغادرة القرية مرارا من قبل العملاء، وعندما رفض كانوا يضربونه ضربا مبرحا ويقولون له: فل، والان فلوا هم وعملاؤهم، وبقينا نحن لأننا أصحاب هذه الأرض”.
قصص قهر وظلم الجنوبيين لا تنتهي، كان التنقل بين القرى الجنوبية ومن القرى الى المدينة صعبا جدا، حواجز بين المناطق تتطلب تصريحا للعبور، كمان لو أننا لسنا على بقعة أرض واحدة، الشباب كانوا عرضة للاعتقال والتنكيل، للضرب والاهانات.
تروي الحاجة أم حسين الثمانينية من قرية عيناثا الجنوبية، كيف تم اعتقال ابنتها البلغة ١٧ عاما بتهمة التعامل مع المقاومة ودعمها لهم: “أخذوها عن المعبر أمام عيني ولم أقدر أن أحميها، ضربوني بكعب البندقية حتى أغمي علي، لأعلم لاحقا أنها في معتقل الخيام، تعرضت للضرب المبرح، وبعد سنة أفرجوا عنها”.
تقف أم حسين أمام منزلها تشرح كيف هجم أهالى القرية على مركز ال١٧ التابع لجيش العدو حيث كان يختبأ العملاء، كيف عاد الاهالى على ملالات العدو يرفعون علامة النصر الذي انتزعوه بالقوة من جيش مهزوم هارب، فر تحت الضربات الموجعة.
اليوم وبعد ربع قرن، أصبح الجنوبيون أيقونة للنصر، ومثالا للصمود والقوة تحت شعار أن “ما أخذ بالقوة لا يسترجع الا بالقوة”، وكما الامس سيعودون وهم يحملون فراشهم فوق سياراتهم وستجهز النساء الأرز والورود لينثروه على مداخل الجنوب، فما أشبه اليوم بالأمس.