25 أيار 2000 تاريخي مفصلي بين خيارات ومعادلات.. هل انتهى زمن «التحرير»؟

جريدة البناء | Al-binaa Newspaper

283

كتب محمد حمية

لم يكُن 25 أيار 2000 مجرد تاريخ لتحرير المقاومة للقسم الأكبر من أراضي الجنوب المحتلة عامي 1978 و1982، بل شكّلت محطة فاصلة بين رؤيتين: الأولى تُمثلها الأنظمة العربية تُشكِك بجدوى خيار المقاومة في استعادة الحقوق العربية وتحريرها من قبضة القوات الإسرائيلية، لصالح خيار التمسك بالقرارات الدولية والاحتماء بالمجتمع الدولي، وليس التساكن مع “إسرائيل” المدعومة أميركياً وغربياً كقوة تستحيل هزيمتها فحسب، بل التطبيع والسلام والشراكة الاقتصادية كخيار وحيد ومتاح لجلب الإستقرار للعرب وتفادي الخطر الإسرائيلي المحتوم.
أما الرؤية الثانية فيُعبر عنها محور المقاومة بأن فعل المقاومة هو الخيار المتوافر لدول وشعوب المنطقة للتحرير واستعادة الأراضي والحقوق والمقدسات وصناعة معادلات القوة لردع كيان الاحتلال الذي يدوس على القرارات والشرعية الدولية وفي ظل موازين قوى إقليمية ودولية تميل لمصلحته.
قبل العام 2000 وعلى الرغم من كل الإنجازات الميدانيّة الكبيرة التي سجّلتها المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وعملائه على طول الشريط الحدودي المحتل، لم تكن المقاومة في لبنان ولا في المنطقة تمتلك بعد دليلاً بيّناً لتثبيت رؤيتها، وكان معارضوها يردّدون المقولة الشهيرة “العين لا تقاوم المخرز” ولا نتيجة لخيار المقاومة لأن “إسرائيل” هي القوة ولا ترضخ للقوة. فجاء تحرير الجنوب كمفاجأة صادمة لمؤيدي ومعارضي المقاومة وربما لقيادة المقاومة نفسها، فأحدث تحولات كبيرة في مفهوم الصراع العربي – الإسرائيلي والمعادلات المنطقة، وكانت الأرضية الأولى والصلبة التي بُني عليها المسار التراكمي للتحرير والمقاومة والانتصارات والردع للمقاومة في لبنان والمنطقة.
*أول قوة عربية – إسلامية تُحرر أرضاً عربية بالقوة المسلحة وتخرج جيش الاحتلال وعملاءه مدحورين مذلولين ومن دون قيد أو شرط ولا حتى مفاوضات لترتيبات أمنية حدودية للانسحاب. فحققت المقاومة منفردة ومن دون مساندة مباشرة من أحد، ما لم تستطع جيوش عربية تحقيقه في الحروب العربية حتى في حرب العام 1973.. ما كشف الذرائع التي تلطّت خلفها الأنظمة المتحالفة مع “إسرائيل” لعقود من الزمن لمهادنة الكيان وعدم المواجهة معه، ما دفعها إلى المزيد من تمويل مشاريع الحرب على المقاومة على محورين:
– حروب الفتنة بدأت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كحلقة في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد بالتوازي مع تشويه صورة المقاومة وحزب الله وتصويره على أنه مجرد أداة إيرانية لا حركة مقاومة وطنية قدّمت صورة مشرقة للعمل الوطني المقاوم خدمة للقضايا اللبنانية.. والمحور الثاني الحروب العسكريّة (تموز 2006) كحرب مركبة الأهداف الأميركية – الإسرائيلية، ثم ما سُمّي بـ “الربيع العربي” والحرب على سورية وحرب الإرهاب بـ”الوكالة” بعد فشل الأهداف الأميركية في العراق وأفغانستان ولبنان بالقضاء على المقاومة.
*أعطى تحرير الـ2000 نموذجاً حياً وواقعياً وعملياً أعطى دفعاً قوياً لحركات المقاومة لا سيما في فلسطين للاقتداء به لإعادة استنهاض وتنظيم تشكيلاتها القتاليّة لرسم سياق تحريري تراكمي بدأ بانتفاضات ما بعد الـ2000 والحروب المتتالية في غزة، وصولاً إلى عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الماضي التي رسمت مسار تحرير فلسطين ولو طال الزمن.
فماذا لو تمكنت “إسرائيل” من سحق حزب الله في حرب الـ2006؟؟ هل كانت المقاومة في فلسطين لتستمر وتبقى القضية حيّة حتى اليوم؟ أم كانت آلة الحرب الإسرائيلية استدارت نحو غزة والضفة بدعم ودفع أميركي – غربي – عربي لإنهاء المقاومة وبسط السيطرة الإسرائيلية وتصفية القضية الفلسطينية وفرض المشاريع في المنطقة والدخول في زمن الحكم الإسرائيلي لنصف قرن جديد؟
*لم يستطع حزب “العين لا تقاوم المخرز” الصمود أمام “طوفان التحرير” الجارف الذي لاقى آنذاك وحدة وطنية عابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب قلّ نظيرها في لبنان، ولا تشويه هذا الانتصار الوطني الكبير، لذلك ذهب إلى خطاب جديد، مختصره أن “إسرائيل” انسحبت من الجنوب بقرار منها تطبيقاً للقرارات الدولية ولاعتبارات داخلية، مرفقة بنظرية جديدة تحمل سؤالاً عن جدوى احتفاظ حزب الله بسلاحه بعد انتفاء الهدف طالما تحقق الانسحاب الإسرائيلي على الرغم من استمرار احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر!.. فكان جواب وتقدير المقاومة حينها أن “إسرائيل” لن تغفو على ضيم، وبالتالي لبنان بحاجة إلى قوة دفاعية لردع العدو لا إمكانية للدولة توفيرها.. ولذلك بدأت قيادة المقاومة الإعداد لاستراتيجية الدفاع بعد إنجاز التحرير، فجاء عدوان تموز فقدّمت المقاومة دليلاً مثبتاً على جدوى وظيفتها الدفاعية، ودليلاً على رؤية المقاومة وجدوى خياراتها بأنها قادرة على مواجهة أقوى وأعتى جيش في الشرق الأوسط وهزيمته وفرض معادلات القوة والردع عليه، ثم جاءت حرب سورية والإرهاب وحروب الفتن والتخريب الداخلية واتفاق ترسيم الحدود الاقتصادية، والعدوان على غزة والجنوب بعد “طوفان الأقصى” لتثبت حاجة لبنان والمنطقة للوظائف المتعددة للمقاومة.. فـ”زمن التحرير” لم ينتهِ فهناك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر الشمالية تنتظر المقاومة لاكتمال إنجاز تحرير الـ2000، وربما لفعل هجوميّ لملاقاة المقاومة الفلسطينية بتحرير فلسطين عندما تحين لحظة الحرب الكبرى.