منذ أكثر من ألفي سنة، أتمّ الآب وعده وأرسل الروح المعزّي، وتمّ ذلك بعد قيامة يسوع المسيح من بين الأموات، لمّا، في ظهوره على رسله، أعطاهم الروح القدس “… ولمّا قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس…(يو20: 21-23).” وبعد خمسين يومًا وكان “كلّهم في مكانٍ واحد، حدث بغتةً دويٌّ من السماء… واستقرّ على كلّ واحد منهم لسان، وامْتلأوا كلُّهم مِن الروحِ القدس…” (أع 2: 1-21)، وكانت ولادة الكنيسة وانطلاقتها إلى العالم.
ومنذ أربعٍ وثلاثين سنة، وقعت كلمة الربّ يسوع “إذهبوا وبشّروا الأمم كلّها…” في قلب شابٍ سرعان ما تكوكبت حوله مجموعةٌ من رجال دينٍ وعلمانيّين ومعًا شكّلوا علّيّةً جديدة، بدأت “غرفةً صغيرةً واحدةً، فأصبحت محطّةً تلفزيونيّةً كبيرة”، منها تفرّعت أغصانٌ عدّة.
لهذين الحدثين، احتفل البطريرك المارونيّ، الكردينال بشارة الراعي بالقدّاس الإلهيّ في بكركي، يعاونه عددٌ من الأساقفة ورئيس عامّ الرهبانيّة المارونيّة المريميّة. وشارك فيه عددٌ من المطارنة والآباء وحضره، رؤساء عامّون ورئيسات عامّات وآباء، ومجلس إدارة تيلي لوميار وداعموها وموظّفوها وأصدقاؤها، وفاعليّاتٌ لبنانيّة، وجمعٌ من المؤمنين. خدمت القدّاس جوقة الثالوث الأقدس بقيادة رانيا يونس.
أتت عظة البطريرك الراعي منقسمةً إلى ثلاثٍ: الشقّ الروحيّ حول العنصرة، وولادة تيلي لوميار ورسالتها، والشقّ الوطنيّ.
قال البطريرك الراعي:
“تُعيّد الكنيسة اليوم لِحلول الروح القدس على التلاميذ في العليّة وكانوا كلّهم مجتمعين. هي الكنيسة الأولى الناشئة: الإثني عشر، ومريم أمّ يسوع وأقرباؤه وبعض النساء(أعمال 1: 13-14 و26).
بعد شرحٍ مقتضب عن عيد العنصرة، أكمل البطريرك الراعي كلمته، خصّ فيها بالذكر محطّة تيلي لوميار وعائلتها، قال:
“نحتفل أيضًا بالعيد الرابع والثلاثين لعيد تأسيس تيلي لوميار.
العنصرة هي عيد معموديّة الكنيسة وتثبيتها وانطلاقتها الرسوليّة شاهدة للمسيح، كما وعدها يسوع قبيل صعوده إلى السماء: “يوحنّا عمّد بالماء، أمّا أنتم فسوف تعمّدون بالروح القدس بعد بضعة أيّام … وستنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كلّ اليهوديّة والسامرة، حتّى أقاصي الأرض” (أعمال 1/ 5).
الشرط لإعطاء الروح القدس هو محبّة المسيح بحفظ وصاياه: “إذا كنتم تحبّوني، فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من أبي أن يعطيكم برقليطًا آخر ليكون معكم إلى الأبد، روح الحقّ”(يو14: 15-17).
تابع البطريرك الراعي قال:
“غرفة واحدة كانت، ومحطّة تلفزيونيّة كبيرة صارت. إنّها تيلي لوميار في ربع قرن. أطلّت عام تسعين على عالم الإعلام المرئيّ، فأشعل الرّوح القدس غيرة بعض العلمانيّين على كنيستهم ووطنهم واإانسان الذي مزّقته الحرب، فنفضوا عنهم غبار الحرب وبادروا إلى التّأسيس، وهم: الأخ نور ورفاقه الرّاحلان الرّئيس شارل الحلو، والوزير جورج افرام، والمطرانين بشارة الرّاعي والرّاحل حبيب باشا، الأب العامّ جورج حرب، جاك الكلّاسي، جورج معوّض، رلى نصّار، أنطوان سعد، كريستيان دبّانة.
فقدّموا تيلي لوميار إلى اللبنانيّين- الخارجين من نفق الحرب المظلم- كمحطّة مسكونيّة لا سياسيّة ولا تجاريّة ولا حزبيّة، هدفها نشر قيم المسيحيّة: العدالة والمحبّة والحرّيّة وحقوق الإنسان، ما دفع الكنيسة إلى تبنّي مشروعها بإشراف من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وإدارة مجلس يضمّ مسؤولين دينيّين وعلمانيّين مندفعين، ينظّم العلاقة بين السلطة الكنسيّة والتلفزيون عبر “بروتوكول تعاون”.
أردف البطريرك الراعي:
“ومع إطلاق فضائيّاتها الستّة، كان لها موقعها الإلكترونيّ وبرامجها الخاصّة بوسائل التواصل الاجتماعي، لتثبّت وجود كلمة الله في المواقع والمنصّات كلّها.
تُعدّ تيلي لوميار ونورسات من أبرز وسائل الإعلام المسيحيّ في العالم وفي طليعة القنوات المسيحيّة في الشرق وأكبر قناة مسيحيّة ناطقة باللغة العربيّة ولها الصفة الجامعة لكلّ لكنائس.
تخطّت تيلي لوميار كلّ حدود ونزعت كلّ عائق عبر مجموعة محطّاتها، وهذه هي مع أعمارها: 34 سنة تيلي لوميار، 22 سنة نورسات، 12 سنة نور الشباب، 10 سنوات نور الشرق، 9 سنوات نور مريم، 8 سنوات نور القدّاس، 5 سنوات نورسات English.”
ختم البطريرك الراعي كلمته عن تيلي لوميار قائلًا: “ومسكونيًّا شرّعت تيلي لوميار أبوابها للجميع، ووضعت يدها بيد الكنيسة، ووحدّت جهودها مع البطاركة والرؤساء لأجل نشر الكلمة بروح الجماعة الواحدة، مؤمنين بأهمّيّة رسالتها في هذه الأزمنة الصعبة. هذا الانفتاح عبّرت عنه كذلك في محطّات عديدة، لمّا واكبت أخبار أحبار الكنائس كلّها وأسفارهم، وغطّت الاحتفالات الكنسيّة وليتورجيّاتها من مختلف الأديار والرعايا في لبنان والانتشار، وذلك في المناسبات والأعياد كافّة.”
في ختام القدّاس، كانت كلمةٌ لِجاك كلاّسي، مدير عامّ تيلي لوميار، ورئيس مجلس إدارة نورسات، قال فيها:
“سأروي قصّةً من الكتاب المقدّس تعود إلى ثلاثة آلاف سنة…عن سليمان الحكيم ابن داود الملك…صاحب المزامير الشهيرة. كان عمره 13 سنة عند وفاة أبيه داود، لمّا نادى به الشعبُ ملكًا عليهم.
خاف سليمان أمام هذا الاستحقاق الكبير، وأسرع إلى الخيمة التي فيها تابوت العهد…وصلّى…وتكلّم مع الله ببراءة الأطفال:
“يا ربّ أنت تملّكني على شعبٍ غفير، وأنا بعدُ في عمرٍ صغير.
أطلب منك أن تعطيني الحكمة لِأقدرَ أن أجمعهم وأقودهم بحسب تدبيرك…”
فأتى جواب الله كالتالي: “لأنّك لم تطلب لا غنىً ولا عمرًا طويلًا، ولا موت أعدائك…سأعطيك “حكمةً” لم ينلها أحدٌ قبلك، ولن ينالَها أحدٌ بعدك”.
وحكمة الله لسليمان أزهرت سلامًا بين شعبه، والشعوب الأخرى.
سلامًا دام أربعين سنةً متتالية، من بدء عهده حتّى وفاته.”
ثمّ تابع كلّاسي: “دهاء زعماء عالم اليوم لم يترك مكانًا لأيّ حكمة، فانتفى السلام بين الشعوب، وغاب السلام بين الله والبشر…
لا بل صار السلام العدوّ الرئيس لهذه الإمبراطوريّات الضخمة التي بَنَتْ اقتصاداتها وأمجادها على الحروب وعلى صناعة السلاح وتجارته…
ولمّا سأل النبيّ حزقيّال الله أنْ لماذا تسمح، يا ربّ، بدمار أورشليم واليهوديّة، أجابه الله: “لقد ملأوا الأرض عنفًا وفسادًا” (حز 8: 17)
الله أعطانا المواهب والذكاء والحكمة والوزنات …
ونحن ننزعها عنّا…ونستبدلها بآلة…!!!!!
ثمّ، نعود لنسأل الآلة أن تعطيَنا حكمةً وذكاءً!!!!”
أردف كلّاسي قال: “ما من أحدٍ منّا ولا منكم يرفض التكنولوجيا الحديثة أو التطوّر العلميّ والتقنيّ، ولولا هذا التطوّر، لما وصلنا إلى أقاصي الأرض، لكنّنا نرفض أن تحلّ هذه التكنولوجيا محلّ الله.
الآلات والأجهزة كلّها مع تطبيقاتها المختلفة عاجزة عن أن تُخمد الحروب والنزاعات…
الآلات والأجهزة وتطبيقاتها غير قادرة أن تقضي على الخوف واليأس والقلق…
الآلات والأجهزة وتطبيقاتها مكبّلة أمام المرض والموت…”
قال جاك كلّاسي أيضًا: “منذ حوالى 2500 سنة، قال حزقيّال النبّيّ: “كلٌّ يحمل آلة تدميره بيده” (حز 9: 1)
آلةٌ تقول الشيءَ ونقيضَه!!!!!
آلةٌ لا تميّز بين الخبر السيّئ والخبر الجيّد!!!
آلةٌ انتهكت خصوصيّة الناس!!!
آلةٌ لا تهمّها لا التوبة، ولا التسامح، ولا الرحمة…!!!!
آلةٌ تُفرغُ ما تعبّاَ فيها: (آلة تجميع دات-وتفريغ داتا)
(آلة تجميع أخبار-وتفريغ أخبار)
تطبيقاتٌ كثيرة، تربّي أجيالًا تأكلها البِدع والانحرافات، والتعصُّب، والانحلال…
كلّنا من صنع يدي الله، وكلّ واحدٍ وواحدة منّا فكرةٌ من أفكار الله. في كلٍّ منّا قوّةٌ روحيّةٌ مزروعة من الله، تمكّن كلًّا منّا أن يغيّر العالم بأسره إلى الأفضل…
منذ 34 سنة وشغل تيلي لوميار الشاغل تحريك هذه القوّة الإلهيّة المزروعة فينا، لنصل إلى إنسانٍ نقيّ، ونظيفٍ وطاهر…إنسانٍ يعمل لخير إخوته في الإنسانيّة…”
وأضاف كلّاسي: “تيلي لوميار تسعى إلى هذا الانسان:
– إنسان لا يستسلم عند المصاعب
– إنسان لا ترهبه الأخطار
– إنسان لا ينهزم أمام التجارب
– إنسان لا تبهره الأضواء ولا تغريه الرغبات …….
– إنسان قلبه نظيف خالٍ من الصفات الهدّامة كلّها
– إنسان قلبه خالٍ من البغض والحقد
– إنسان قلبه خالٍ من الغضب والعنف
إنسان نقيّ يسعى إلى الكمال…
تيلي لوميار بالقرب منكم لئلا تستسلموا لليأس
تيلي لوميار بالقرب منكم لئلّا تخدعكم المظاهر الكاذبة
تيلي لوميار بالقرب منكم حتّى تصلوا إلى سلامكم الداخليّ.”
وختم جاك كلّاسي كلمته قال: “وعندما نبلغ إلى سلامنا الداخليّ….نكون حقًّا في الله
كل عنصرة وأنتم مليئون من الروح القدس، حكمةً وذكاءً وفهمًا، وحبًّا، وشجاعةً ورحمة…
كلّ عيد وتبقى تيلي لوميار منوّرةً قلوبكم…
وأنتم منوّرون شاشتها…
كلّ عيد وأنتم بخير.”
في الختام احتفل الحضور بعيد المحطّة وعائلتها، في ملحق الكنيسة الصخريّة في الصرح البطريركيّ.