مريم ميرزادة ترفع المرأة إلى مستوى العرفان دونما آليات مرسومة

في كتابها “عقل المرأة العملي- مقاربة منهجية عرفانية”

سلوى فاضل

“عقل المرأة العملي– مقاربة منهجية عرفانية”، كتاب جديد صادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” ضمن “سلسلة الدراسات الحضاريّة”، لمؤلفته الإيرانية مريم نورالدين ميرزادة وقد كتبته باللغة العربية وبإشراف مثقفين لبنانيين.
الغلاف يحكي عن فكرة الكتاب حيث تظهر سيدة بلباس شرعي إسلاميّ متعارف عليه بثوب الكمال، واللوحة من أعمال الرسام حسين قانصو، واقفة ووجهها بوجه الشمس تقف حولها نساء متنوعات في مظاهرات نسويّة.
الكاتبة شابة لها اهتمامات متنوعة الدراسات ما بين الفلسفة والبيولوجيا والعرفان، لها العديد من المؤلفات الروائيّة والشعريّة والأبحاث الفلسفيّة.. أرادت أن ترد على الكتابات النسويّة الغربيّة والعربيّة حيث “تحاول مناقشة بعض الأفكار المرتبطة بالمرأة مما قد استجد عند بعض الحركات النسوية، ولتُثبت أن المرأة كما الرجل مفطورة على حبّ الكمال والسعي إلى التكامل، على ضوء مدركات العقل العملي الذي يتمتع به الإنسان سواء أكان رجلًا أو إمرأة”.
على مدى 143 صفحة تحاول ميرزادة أن تكون النسويّة الإسلاميّة المعاصرة التي تنتقد التيارات النسويّة والفكر الغربي المتجذر بالفلسفة اليونانيّة، ولكونها مختصة بالفلسفة، وهي صاحبة “الأربعين: فلسفة اللاهوت” وحاملة ماجستير فلسفة، تعمقّت أكاديميّا بالمادة فتحاول “البَحبَشة” في النصوص الفلسفيّة حول المرأة، رافضة كلّ ما يُقال عن مكانة المرأة حاضرًا وتاريخًا.
لكن العنوان “عقل المرأة العملي– مقاربة منهجيّة عرفانيّة” يغش القارئ فيقع بتضارب ما بين “العملي” و”المنهجيّة العرفانيّة”.
في أربعة فصول و143 صفحة وعشرات المصادر والمراجع، باللغات العربيّة والإنكليزيّة والفارسيّة، تسعى ميرزادة إلى سد الفراغ الهائل في المكتبة العربيّة حيال الرؤية الإسلاميّة المُعاصرة للمرأة والتي تقدّم صورة مختلفة عن المرأة في عقل الإمام الغزالي، الفيلسوف المسلم، الذي قدّم مقولات يونانيّة أرسطوطاليسيّة بلباس إسلامي ديني.
وقد تبع كلّ من الفيلسوف السبزواري وكذلك الأمر بالنسبة للشيرزاي ما قاله أرسطو حيال المرأة والمجتمع وقيادته التي ترسخت في أذهان العامة على أنها أقوال إسلاميّة إلى أن خرج الشهيد مرتضى مطهري والعديد من المفكرين الإسلاميين كاشفين عن رؤية جديدة مبتكرة أكثر تقدميّة غير رجعيّة. واللافت أن الباحثة لم تحدد أي سبزواري تقصد: هل هو محمد باقر السبزواري أم عبد الأعلى السبزواري؟ وكذلك الأمر بالنسبة للشيرزاي لم تحدد أيضًا من المقصود بالشيرازي؟ أهو الفيلسوف الشيرازي أم العشرات غيره من هذه العائلة العريقة لدى الشيعة).
وعلى الدوام كانت إشكالية المرأة/ المجتمع محبوكة بمسألة الأخلاق في المجتمعات الشرقية، وهو على العكس مما بحثته المجتمعات الغربيّة التي خرجت عن المألوف في كلّ شيء، لدرجة أن الغربيين تحدثوا عن “الجندر” فيما يخصّ إشكاليّة الجنس، وقد وقعوا في شرك مسألة التفلّت الأخلاقيّ وضرب الأسرة في أسسها.
فصلّت ميرزادة الفكر الأوروبيّ وعقائد فلاسفته الذين نظرّوا بدونيّة إلى المرأة، وقد قلّدهم الفلاسفة المسلمين المتأثرين بالفلسفة اليونانيّة، لكن المفاجئ أن الفكر الغربي “المابعد حداثوي” انتفض على الفكر التراثيّ الأوروبيّ، فكان أن عرضت ميرزادة للفكرة الإسلاميّة الحديثة المُتمثلة بالفكر الشيعي الإيرانيّ نظرة “مابعد حداثوية”.

اعتراف

لا أدري لماذا يهتم الإيرانيون بالعرفان والفلسفة إلى الدرجة القصوى، هل هو تأويل الواقع المزري وهروب إلى المنحى الغربي المتطوّر في التأويل والتفسير؟
أربعة فصول وعشرات العناوين الفرعيّة تُقدّم خلالها مريم ميرزادة، الكاتبة المُتقنة للعربيّة، والمُطلّعة بحيث يفهم القارىء العناوين بمنحاها الشعريّ لا الفلسفيّ، خاصّة فيما يتعلق بالعنوان. ولعل اختيار العنوان يخلق إرباكا للقارئ إلى أن يُقرر القراءة والاطلاع فيدرك المقصد. وربما يكون هذا العنوان بإيحاء من أساتذتها العرفانيين الأمر الذي أفضى إلى هذا الَلبس.
وتعترف ميرزادة بسوء “مناهجنا المعرفيّة والأخلاقيّة حيث أخفقت بالنزول إلى المجتمع والتواصل معه…”. لكن المفاجأة أنها كشفت عن العالمة المجتهدة الإيرانية نصرت أمين (مواليد 1886) التي لم نسمع عنها، وإن كانت قد بلغت مرحلة الاجتهاد في سن الأربعين وهو وإن كان اعلان جميل، لكنه سيئ لأن ميرزادة اعتبرتها أول مُفسرة للقرآن بعد السيدة الزهراء!. أفِ لهذه المسافة الزمنيّة التي لم يجد الدهر بأيّة إمرأة مُفسرة للقرآن وهذا دليل عجز وخلل نسوي فاضح.
وواجهت المرأة المسلمة صعوبات في مسالك العرفان بدءً من التخلّي عن المظاهر والتبرّج والحب والحياة والعيش، والعرفان يوجب التحلّي بالصفات الأخلاقيّة الواحدة بين الجنسين.
وسعادة المرأة، بحسب ميرزادة، تبدأ بكمال المعرفة، ومعرفة النفس وبواجب الوجود لتحقق السعادة. لكن التأريخ الإسلاميّ ظلمها حيث اعتبرها “رجل الله” من باب الكبار، فالمجتمع القرآني هو مجتمع الجنسين: الرجل والمرأة، إذ لكلٍ واجباته.
ما يؤخذ على العرفان هو اللعب على اللفظ والاكتفاء بسرد التعبيرات المقتصرة على “الفن، المصداق، السلوك، …”.
ويؤكد آية الله جوادي آملي نبوغ المرأة بالقول “إنّ حقانيّة الإسلام من حيث العقل النظريّ يتطلّب ذكاءً رفيعًا، والقبول به من حيث العقل العمليّ عزمًا صلبًا يتحمل كلّ أنواع الخطر”. والسؤال ألا يدلّ هذا القول على أن العقل لا يقبل الإسلام؟!”.
يُعالج الكتاب الفكرة الواردة بالعنوان على أربعة فصول، الأول: المبادئ السلوكيّة في المنهج العرفانيّ. والثاني: تأثير المنهج العرفانيّ في مواجهة المناهج الماديّة والبديلة. والثالث: مآلات المنهج العرفانيّ الاجتماعيّ. والرابع، وهو خاتمة الفصول الذي يُعالج أمرين :بُنية العقل والمؤثرات التاريخيّة، وأخلاق العرفان: عقل المرأة العمليّ.
لم تنفذ الفكرة للقارئ من خلال الكتاب إلاّ في الجزء الثاني من الكتاب عبر عرض اخفاقات المناهج الماديّة حيث انتقد المفكر الفرنسي جان بورديار بالقول إن ” المجتمع المُعولم هو مجتمع زاخر بالمعاني الغريبة التي لا تشبه واقع أيّ شعب من الشعوب، ذلك أن رسالة الغرب، هي اخضاع الثقافات المتعددة لقانون المعادلة الوحشي بكل الوسائل، ويتنبأ بنهاية السياسي بعد نهاية التاريخ الحتميّة والناجمة عن المواجهة الإنثربولوجيّة بين الغرب وكلّ الحضارات التي تمتلك من القيم ما هو عصيّ على التذويب”.
إن انحطاط مكانة الإنسان واختزاله إلى أداة ماديّة وتقويمه على هذا الأساس، هو أحد منتجات الحضارة الفردانيّة Humanist والماديّة Materialist والإباحيّة Liberalist، ويدرس الغرب اليوم عواقب هذا النهج في حياة البشر وخاصّة النساء، بعدما ترتبت عليه تداعيات أخلاقيّة اجتماعيّة كارثيّة، شغلت الباحثين في علم الاجتماع منذ عقود، ويطلق على هذا النهج تعبير “التشيؤ” وعلى وجه التحديد “تشيؤ الإنسان والمرأة”. وأهم مصاديق وتعريفات التشيؤ: التسليع، وحظر الاستقلال، والركود، والتبادليّة، والعدوانيّة، والملكيّة، وحظر الفعاليّة. فما سرّ هذه المبالغات في التجميل؟.

النمذجة التسليعية

نتيجة النمذجة هذه تضيع المرأة بحثًا عن ذاتها، بل شكلها، فتصبح استهلاكيّة لمنتجات غربيّة بعنوان الحرية التي تبعد عقلها عن التفكير والنضج والإنتاج الفاعل. ونصير هنا إنموذجًا من قبح ثقافة الاستهلاك والتشيؤ وعنف الصورة.
من هنا نصل إلى النسوّية وارتباطها بالانحرافات الجنسيّة نتيجة عولمة المظهر، حيث لجأت النسويّة إلى رفض التمييز بين الجنسين فوقعت بمفهوم اللاجنس، وبالتالي المفهوم المُتغيّر باستمرار كـ (LGBTQ) وهي العدالة الجنسية التي أقرها مؤتمر (سيداو 1979) في الأمم المتحدة، وكان فاتحة عهد التسيّب الأخلاقي وانتشار دعوات المثليّة وحقوق المثليين رغم كل ما قد يؤدي إلى خلط أدوار الأمومة والأبوّة، مع ترافق النشر أن “الدين” هو السبب وهو المصدر الأساس لوصمة العار المُلحقة بالمجتمع، من هنا دخل مفهوم “ترجيل المرأة” وشعارات تحريرها ومواجهة العنف بالعنف المُضاد.

البديل الإسلامي

من خلال استعراض ميرزادة للتاريخ الحضاري في المجتمع الشرق – إسلامي تجد أن “مبعث النظرة الدونيّة للمرأة هو ما أوردته الديانات اليهوديّة والنصرانيّة المُحرّفة، والتي ظهرت النسوّية كردة فعل للخروج عليها، حيث كانت هذه النظرة الدونيّة تحط من قيمة المرأة وتذم وجودها ولا ترى فيها أيّ خير”.
مما أوقع المُنظّرات الإسلاميّات بالمحظور حيث حاولن التوفيق ما بين الحداثة والتقليد. وقد وقع الكثيرون في فخ التنميط دون أيّة محاولة الفصل بين الإسلام الأصيل وبين تأويلات المسلمين من رجال دين وتأويلات. وهنا نسأل ميرزادة كيف للمسلم أن يصل إلى فهم الإسلام من غير طريق العلماء والمراجع والمُفكرين، فهل لدى العامة القدرة على فهم الأصول والعقيدة والأحكام والفلسفة؟ ولا بد من القول إن فلسفة الفقيه الأعلم نابعة من فكرة الدور الأساس للعلماء والمراجع!

ملاحظات

“المرأة في المجتمعات الشرقية اليوم تتصف بالصفات التي كانت للمرأة في أثينا القديمة عكس ما كان عليه وضعها في مصر الفرعونيّة التي أذهلت المؤرخين لنشاطها ومشاركتها الرجل في جميع مناحي الحياة. وهذا دليل على أن المجتمعات الشرقيّة كانت أكثر تحضرا من المجتمع اليوناني”. من هنا قامت الثورات الصناعيّة ودعا كل من ماركس وإنغلز لتحريرها عبر الثورات. وقد تأثر العلماء المسلمون بالأرسطوطاليسيّة اليونانية وتناولوا المرأة كشيئ لا كإنسان، كالسبزواري والشيرازي بحسب الباحثة.
ومن المعلوم أن الطيف الأكبر من النظرة الدونيّة والتحقيريّة للمرأة ناتج عن الإسرائيليات ومن الحضارتين اليونانيّة والرومانيّة.

الإشكاليّة

ما هو سبب هذه الاشكاليّة الواقعة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالمرأة؟ يذمونها ويدّعون بالوقت عينه تكريم الإسلام لها؟ والمفكرون المتأثرون بالغرب يذمون المرأة لكون الفلسفة اليونانيّة هي أساس كلّ الفلسفات الغربية والعربيّة، وبالوقت عينه يقولون إن القرآن أعطى للمرأة حقها! أين المفكرين الإسلاميين المُجددين؟
فالإسلام ينظر بعين العدالة إلى المرأة والرجل بحسب ميرزادة، فتضع مقارنة ما بين المنهج الماديّ والمنهج العرفاني في التعامل مع المرأة عناوين ومصطلحات تبقى نظرية مجانبة الحقوق التي نالتها المرأة في الغرب ومعظم الدول المشرقيّة غير الإسلامية.

تساؤلات

في الختام، تؤكد مريم ميرزادة أن المرأة تخضع في مجتمعنا لثلاثة أنواع من السلطات، أولاها التقليد الدينيّ، وثانيها السلطة الذكوريّة، وثالثها سلطة المناهج الماديّة بحيث ضيّع هوية المرأة العربية والمسلمة وجعلها تدور في حلقة مُفرغة، مما يدفع الباحثة في الختام إلى دعوة المرأة للتحليّ بالأخلاق العرفانيّة التي تحميها وتدفعها لتأسيس مجتمع إسلامي صحيح، ولا خلاص إلا بالسلوك العرفاني الذي يوصل إلى المعرفة الحقة ووعيها لذاتها ولهوّيتها ولدورها.
هذه الدعوة تُعيد المرأة إلى الحلقة المفرغة ذاتها التي تدور فيها، بمعنى اقتراح الحلّ بالمواعظ والمبادئ لا بالطريق العمليّ والقانونيّ.