التّلاميذ يُضطّهَدون


الإنجيل بحسب القديس متى
متى ١٦/١٠-٢٤
التّلاميذ يُضطّهَدون
ها أنذا أُرسِلُكُم كالخرافِ بَينَ الذّئاب : فَكونوا كالحَيَّات حادقين وكالحمام ساذجين. إحذروا النَّاس، فَسَيُسلِمونكم إلى المجالس، وَيجلدونكم في مجامِعِهم، وتُساقونَ إلى الحُكّام والمُلوكِ من أجلي ، لِتَشْهَدُوا لَدَيهِم ولدى الوَثَنِيِّين. فلا يُهِمَّكم حينَ يُسلمونكم كَيفَ تتكلّمون أو ماذا تقولون، فَسَيُلْقَى إِليكُم في تلك السَّاعِةِ ما تَتَكَلَّمُونَ بِهِ. فَلَستُم أَنتُمُ المُتَكَلِّمين، بل رُوحُ أَبيكُم يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِكُم.
سَيُسْلِمُ الأَخ أَخاهُ إلى الموت، والأب ابنه، ويثور الأبناء على والديهم ويُميتونهم، ويُبغِضُكم جميعُ النَّاسِ مِن أجل اسمي. والذي يثبتُ إلى النهاية فذاك الذي يَخلُص. وإذا طاردوكم في مدينة فاهربوا إلى غيرها . الحَقَّ أَقولُ لكم: لن تُنهوا التَّجْوال في مُدنِ إِسرائيل حتَّى يأتي ابن الإنسان. ما مِن تلميذ أَسْمَى مِن مُعَلِّمِه، وما مِن خَادِمٍ أَسْمَى مِن سَيِّدِهِ.

إنَّني لا أستَغرِبُ كلامك ربّي: «ما من تلميذٍ أسمى من معلّمه».
كي أكون من خاصَّتِك، عليّ أن أدفع الثَّمن، كما يتوجّب على العروس، أن تَتبَع عريسها وتُشاركه نَمَط عَيشِه، هكذا إن أردتُ اتِّباعك عليَّ أن أحفظَ تَوصياتِكَ، فاتِّباعُك أمرٌ صَعب وَمُتطَلِّب، فإنَّكَ لا تَطلُبُ مِنّا أن نَترُكَ كلّ شيء وحسب: أهلنا أصدقاءنا مالنا، وحتى إرادتنا الشخصية، بَل تَعِدُنا بِمُكافأة هي اضطّهاد العالَم وحِقده.
إنّ في الأمر ما يُثيرُ الغَضَب ! مع ذلك، ما انفكَّ يَتبَعُكَ ملايين الأشخاص، وقد مَضى ألفا سنة على قيامتك.
الجواب الوحيد، المَنطِقي والحَتمي بنظرك، هو أنّني لا أحظى بالسّعادة إلا بالاستسلام لهذا «الوعد». لقد أثبَتَت صحّة كلماتك عدّة أمثلة، وما نَعِمَ يوماً، رُسُلك وفي ما بعد مُرسَلوك بالاستقرار ورغد العيش في هذا العالم. فملايين الشهداء والسّجناء، والمَنفيّين (ليس في المناطق غير المسيحية، بل وحتى في البلاد المعروفة بأنّها فخر المسيحيّة)، عانوا من الاضطّهادات الجسديّة والمعنويّة، تُرمَى المَبادئُ أرضًا، تُداس، ويُهزأ بنصائحك، يُنصَب المال، والرّغبات والفجور، كمعبودات …. وعلى الرّغم من أن الموازين تَنقَلِب والرّوح تُقتَل، فالإصرار يَتباهى ببناء حضارة تفتَقِدك …
في هذا العالم الذي يشبه برج بابل، يعجز التّفاهم بين الناس: فلا لُغتهم موحَّدة، ولا كلامهم موحَّد.
مع هذا، يتابِع إنجيلك شقّ الطريق. والمؤمنون بك، ما يزالون بكلّ رباطة جأش وبلا هوادة، الينابيع الجوفيّة التي تؤمِّن للأرض اخضرارها. فالنّساك، ومن ماثَلَهم بِفَرَحِهِم وإخلاصِهِم الكهنة، الرّهبان والرّاهٌبات، العلمانيّون المُكرّسون، الآباء والأمّهات والمَرضى المُتألِّمون لا يُحصَون، رفع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى مرتبة الطّوبى والقداسة، أكثر من ألفٍ منهم ! هؤلاء جميعًا، الأقوياء بحبّك ما كان يُقلِقُهُم، إلّا الخوف من أن يُحزِنوك، إنَّ حكمتك في أوقات المِحَن نوَّرت أذهانهم كانوا يَمثُلون أمام المحاكِم بِبساطة، وبكل براءةٍ حكيمةٍ وشُجاعة، كما هزّت القديسة جان دارك، أثناء مُحاكَمتها القضاة الّذين كانوا يسعَون إلى تضليلها بِصوابيّة أجوِبَتها . وَرَدًّا على أسئلة اللّاهوتيّين المُفخَّخة: هل أنتِ في حالة النّعمة؟ أجابت: إن كنتُ في حالة النّعمة، فَليَحفَظني الله : وإن لم أكُن فَلْيَهْدِني »!
وتزخَرُ سِيَرُ القدّيسين بالأمثال التي تُثبِت صحّة أقوالك.
لِنصَلِّ:
يا رب، أضرعُ إليك! لا تَسمَح بأن أخاف من المُجاهَرَة بإيماني بك، حتّى لدى أوقات التّهديد بالتَّعذيب أو بالموت. وإن لاحظتَ أنَّني على استعدادٍ لأن أخونك … وَلِكي لا أخجل من أن أنظُرَ إليك، انتَشِلني قبلَ خيانَتي! أرجوك.
تأمّلات روحيّة من كتاب “الإنجيل في صلاة” للأب منصور لبكي.