صباح الخير وأحد مبارك
الإنجيل بحسب القديس لوقا
لو ٣٦/٢٤-٤٨
يسوع يتراءى للرسل
وبينَما هُما يَتَكَلَّمَان إِذا بِهِ يَقُومُ بَينَهم وَيَقُولُ لَهم: “السَّلامُ عَلَيْكُم” فَأَخَذَهُمُ الفَزَعُ والخَوفُ وظَنُّوا أَنَّهُم يَرَونَ رُوحاً. فقال لهم: “ما بالكم مُضطَّرِبين، ولِمَ ثَارَتِ الشكوك في قلوبكم؟ أنظروا إلى يَدَيَّ وقَدَمي. أنا هو بِنَفْسي. إلمسوني وانظروا، فَإِنَّ الرُّوحَ ليسَ لَه لَحِمٌ وَلا عَظْمٌ كَما تَرَونَ.” قَالَ هذا وأَراهُم يَدَيْهِ وقَدَمَيْهِ غَيْرَ أَنَّهم لم يُصَدِّقُوا مِنَ الْفَرَحِ وظَلُّوا يَتَعَجَّبون، فقالَ لَهم : “أَعِندَكُم هَهنا ما يُؤْكَل؟” فناوَلُوهُ قِطْعَةَ سَمَكٍ مَشوِيّ. فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا بِمرأَى مِنْهُم. ثُمَّ قَالَ لهم : “ذلك كلامي الذي قلته لكم إذ كُنتُ مَعَكم وهو أَنَّه يَجِبُ أَن يَتِمَّ كُلُّ ما كُتِبَ في شأني، في شريعة موسى وكُتُبِ الأنبياء والمزامير.” وحينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهم لِيَفهموا الكتب، وقالَ لَهم : “كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتَأَلَّمُ ويقومُ مِن بَيْنِ الأمواتِ في اليَومِ الثَّالِث، وتُعلَنُ بِاسمِهِ التَّوْبَةُ وغُفْرانُ الخَطَايَا لِجَمِيعِ الأمم، ابتداءً مِن أُورشليم. وأَنتُم شهود على هذه الأمور”.
يا ربّ، لقد رافَقتَ للتَّو تِلميذَي عمّاوس، في طريقهما،
وَفَسَّرتَ لهما شيئًا فشيئًا ما يختص بآلامك وقيامتك، إلى أن تعرَّفا إليك. فقاما للوقت ورجعا أدراجهما، من دون إضاعة لحظة، ليُخبِرا الرُّسُلَ ورئيسهم بطرس، بأنّك قمت من بين الأموات. إنك حَيّ، وإنَّهما شاهدان على ذلك.
في الصباح ذاته، وجد بطرس وهو في صحبة يوحنا، قبرك فارغاً. كيف نُفَسِّر ذلك؟ لقد شاع خبر قيامتك. وأكَّدَت مريم المجدليّة والنسوة أنّ ملاكاً قال لهنَّ، إنك تنتظرُ رُسُلَك في الجليل. هل من المعقول أن نُصَدِّق ذلك؟ أَيَجِب أن نَبتَهِجَ حقّاً؟
أنت تعرف قلب تلميذك . وتعرف كم أقلَقَته هذه الأحداث، وعلى الأخَصّ نكرانه إيّاك. لم يكن يتصوَّرُ أنه سيُقدِم على تَصَرُّف كهذا، لقد نَدِمَ وبكى بُكاءً مُرّاً. حين اخترتَه رئيسًا، كُنتَ تَعلم كل ذلك. سَمحتَ بهذا الضّعف بِحِكمةٍ منك، حتى يتَمكَّن هو بدوره، حين سيصبح رأس الكنيسة، أن يرأَفَ بضعف إخوته … عندما غاصَ نظرك بِنَظره قرأ فيه فائق حنان رحمتك. وأنعَمتَ عليه بهذا العزاء الإلهي، اذ خصَّصته بزيارة صباح القيامة. وهو يشاهد “ربَّه” أمامه، استعاد سلام القلب والقدرة على تحقيق رسالته كرئيس. فإذا به يجمع الرسل
ويُقدِّم لهم شهادته .
وها اجتماعهم يطول ويمتد حتى المساء، على ضوء مصابيح الزيت. هُم سُعَداء بما يُخبِرُهم بطرس. لقد انتَعَش إيمانهم وانبعث فيهم الرجاء.
فجأة ومن دون أن يدري أحد كيف دخلتَ، تَقومُ في وَسَطِهِم. تُلقي التّحيّة كعادتك وقد شَمَلتَهُم بِنَظَرك.
نحن نَفهَم خوفهم. ينظرونَ إليكَ مَذهولين، لا يَتجاسرونَ على أن يُصَدِّقوا أعينهم. كَطفل يرى فجأة أباه المسافر أمامه، وقد عاد من سفره بغتةً. إذّاك، دعوتهم وبكل بساطة، إلى أن يتحَقَّقوا من أنّك أنت بنفسك.
“أنظروا إلى يديّ ورجليّ، أنا هو بنفسي! المسونى وانظُروا، فإن الرّوح ليس له لحم ولا عظم كما ترون لي”
تمنَحُهُم إمكانيَّة لَمْسِ جراحات آلامك. هذا ما سَيَشهَد عليه يوحنا مؤكّداً: “ذاك الّذي رأيناه بأعيُنِنا، ذاك الّذي لَمَسَتهُ يَدانا مِن كَلِمة الحياة … نُبَشِّرُكُم به”
انتَهى الكابوس، انتَهى القَلَق، وراحَ الفَرح يَتَفجَّر في قلوبِهم. وحتى تزول الشّكوك كُلّيّاً، تَذهَب معهم إلى أبعَد، تَطلُبُ مِنهُم طعامًا. تَرغَب في أن تُقَدِّمَ لهم براهين حِسِّيَّة يحتاجها تَفكيرهم. تلاميذك رجال يَتمتَّعون بالحِسّ السَّليم. وتكتَسِب الأمور الحسّية، المَلموسة، المَنظورة والمُختَبَرة قدرًا أهَمّ بِكثير من الإثباتات الذّهنّية. تَعلَم أنَّهُم يرتاحون إن استَنار ذهنهم، جرّاء ما كان يَعتصر أفئدتهم. وفي ما بعد، سوف يدعم بطرس عِظاته بذكره هذه السِّمات المستوحاة من الحياة اليومية: “نحن من أكلنا وَشَرِبنا معه”.
“أنا هو بنفسي ! ” نعم ! أنت هو بنفسك، أنتَ مَن تبعوه طوال ثلاث سنين، أنت مَن أَهَّلَهُم وعَلَّمَهُم. أنتَ مِن جُلِدْتَ ومُتَّ على الصّليب ودُفِنْتَ في القبر. أنتَ الشخص نفسه.
حتى وإن كان جسَدُك قد وُهِبَ قِوىً جديدة. لكن يتوجّب عليهِم أن يعبُروا الطريق نفسه ؛ كما عَبَرَهُ تلميذا عمّاوس. عليهم أن يُدرِكوا هُم أيضًا، أنّ جميع الأحداث التي عاشوها، هي من ضمن التّدبير الإلهي منذ الأزل. وعليكَ أن تَرقى بِهِم إلى فهم التّوراة، كما لم تتوقَّف يوماً عن أدائه، طوال ثلاث سنوات قضيتها معهم. “ذلك كلامي الذي قلته لكم إذ كنت معكم”.
مع ذلك استَمَرّوا في مَفهومِهِم للمسيح المُنتَصِر والمُحَرَّر من نير العدوّ . يُثبِتُ هذا ما ورد في أعمال الرُّسُلِ، حينَ طَرَحوا مُجَدّدًا السؤال الذي ما زال يستَقطِبُ اهتمامهم:
“يا رب، أفي هذا الزمن تُعيد الملك إلى اسرائيل؟” ومرّة أُخرى وَبِمُنتهى الصّبر الذي يميِّزكَ، تُفسِّرُ لهم عن حياتك، موتك وقيامتك كما ورَدَتْ في التّوراة وأنشَدَتها المزامير. لقد وَجُبَ أن تَتِمَّ كلُّ هذه الأمور، لِنَتَحرَّر من سُلطَة الشر، ونُعتَقَ من جديد على نحوٍ عجيب، وقد أصبحنا أبناء الله .
والآن، وقد أيقنوا أن موتك على الصّليب، لا يُمكنه أن
يكون إخفاقاً، بل كان الوسيلة التي اختارها الله ليكشف عن محبّته، فإنّهم على استعداد لاتّباعك على الدَّرب الذي رَسَمْتَهُ لهم، درب الصّليب حيثُ تَقَدَّمْتَهم. ويمكنك أن تعهَدَ إليهم بِرسالَتِك، التي هي رسالة الكنيسة: “إعلان بشرى الخلاص الجديدة ومغفرة الخطايا”.
لِنُصَلِّ:
يا رب، أمثُلُ في حضرتك مع الرّسل. لا أتلفَّظ بكلمة، أُصغي إليك. أمتلئ منك إنّي مُستَعِدّ لأن أذهب إلى حيث ترسلني. سلاحي صليبُك درب انتصاري وضمانُه.
تأمّلات روحيّة من كتاب ” الإنجيل في صلاة” للأب منصور لبكي.



