
أمين القصيفي
لعلّه التحدي الأصعب الذي يواجهه رئيس السلطة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، إثر المواجهات التي اندلعت في الأيام الأخيرة وطاولت خصوصاً مناطق الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية، وهي “تحديات متوقعة” كما قال الشرع، مشدداً على الوحدة الوطنية ومعلناً عن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في الاشتباكات التي وقعت في منطقة الساحل. وفي حين لا يزال من المبكر تكشُّف كل الحقائق حول محركّي المواجهات الأخيرة، غير أن الكثير من المعلومات تشير إلى أن أصابع “الحزب” وإيران و”فلول الأسد” وبصماتهم، بارزة، في محاولة إعادة إنتاج مشهد الفوضى في سوريا وتقويض السلطة الجديدة المنبثقة بعد خلع وفرار بشار الأسد، فيما كثيرون سبق وتوقعوا ألا تستسلم إيران ومعها “الحزب” و”فلول الأسد” للواقع الجديد بسهولة، مستدلّين على ذلك بتصريحات كثيرة لعدد من المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمتهم المرشد الأعلى علي خامنئي بالذات.
المحلل السياسي مروان الأمين، يرى أنه “مما لا شك فيه أن الأحداث والتطورات الحاصلة في سوريا منذ أيام، خلقت تحديات كبيرة أمام أكثر من طرف، وبشكل أساسي أمام السلطة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع”، لافتاً إلى أن هناك “أطرافاً، داخل وخارج وسوريا، لها مصلحة بخلق هذه الفوضى، لا بل أكثر من ذلك، الذهاب بسوريا إلى حرب وتقاتل أهليّ، فحصل تقاطع في المصالح بين هذه الأطراف من داخل وخارج سوريا على محاولة قلب الوضع الجديد”.
الأمين يشير، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “الطرف السوري الداخلي يتمثل بفلول النظام البائد، أي من شخصيات وقيادات وضباط وعناصر وأفراد، كان لهم مصالح مباشرة مع النظام السوري المخلوع، أو كانوا من المرتكبين للمجازر بحق السوريين والمطلوبين للعدالة. هذه المجموعة تسعى لحماية نفسها، فحاولت وعملت على تشكيل مجموعات مسلحة حولها واحتمت بمناطق الطائفة العلوية، كأنها اتخذت من هذه الطائفة متراساً لها من أجل إعطاء المعركة بعداً طائفياً ومذهبياً لحماية نفسها.
أما الطرف الثاني الذي كان له مصلحة بتغذية هذه الحالة من الفوضى، فهو “الحزب” وإيران، لأن الشريان البري الذي كان يستخدمه “الحزب” ويتغذَّى منه لوصول الموارد العسكرية والمالية إليه، انقطع مع سقوط نظام الأسد وبروز قيادة جديدة في سوريا مناهضة للمحور، وبالتالي في حال إعادة الفوضى ووقوع حرب في سوريا، فهذا الأمر يسمح لـ “الحزب” بإيجاد منفذ ما من أجل إعادة تفعيل هذا الشريان البري لإعادة ترميم ذاته مالياً وعسكرياً”.
الأمين يوضح، أن “هذا التقاطع بين الطرفين، أي بين “الحزب” وإيران من جهة وبين “فلول الأسد” من جهة ثانية، خلق حالة الفوضى التي حصلت”، لكنه يشير إلى أن “التحدي الكبير اليوم هو أمام السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع. وممّا لا شك فيه، أنه من حق، ويجب على السلطة الجديدة في سوريا، منع أي حالات عسكرية وفوضوية خارجة عن النظام والقانون في سوريا، لكنها لا يجب بأي شكل أن تسمح بهذه الانتهاكات والارتكابات والمجازر التي شهدناها”.
الأمين يشدد، على أنه “يجب على السلطة الجديدة في سوريا أن تتحمَّل مسؤوليتها لجهة ضبط العمليات العسكرية، بحيث تكون موجَّهة ضد فلول نظام الأسد البائد وضد من يحمل السلاح، ولا يجب أن تطال المدنيين العلويين أو غيرهم، فنذهب في هذه الحالة من فكرة مواجهة الخارجين على الدولة والقانون وننتقل إلى مرحلة وكأن هناك شيئاً يشبه العدالة الانتقامية”.
الأمين يؤكد، أنه “من النافل القول إن هذا الأمر مرفوض ولا أحد يمكن أن يقبل به ويجب وضع حدٍّ سريع له، ويجب محاسبة كل من قام بتلك الارتكابات، لأن هذا الأمر يدلّ على أن هناك ميليشيات تتصرّف وليس دولة تتحمَّل مسؤولياتها تجاه جميع مواطنيها، أي عمل ميليشياوي وليس عملاً مؤسساتياً ودولتياً”، مشدداً على “وجوب أن تذهب لجنة التحقيق التي شكّلها الشرع لكشف المسؤولين عن الارتكابات إلى النهاية في عملها، ومحاسبة كل المرتكبين والمسؤولين عن الانتهاكات التي حصلت، والإثبات للعالم بأن هناك دولة جديدة في سوريا ومؤسسات دولة تمارس سلطتها تحت سقف القانون، ووضع حدٍّ لكل الخارجين على القانون والميليشيات المتفلّتة”.



