أمين القصيفي
كان لافتاً بالنسبة لمعظم المراقبين، دخول المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على خطِّ قضية توقيف محمد عارف ياسين في مطار رفيق الحريري الدولي خلال محاولته إدخال حقيبة فيها 2.5 مليون دولار، من دون حيازته أي مستند قانوني أو تصريح مسبق عن هذه الأموال والجهة الموجَّهة إليها كي تستلمها. كثيرون لم يستبعدوا وجود بصمات لـ”الحزب” خلف دفع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى الواجهة في هذه القضية، وأن يكون ما حصل محاولة من “الحزب” لاستخدام المجلس كمتراس يتلطّى خلفه في هذا الإطار، أكان بالنسبة لهذه القضية أو في المستقبل، في سياق مواصلة “الحزب” لمحاولات إدخال الأموال بطريقة غير مشروعة إلى لبنان لسدّ العجز الهائل في ميزانيته.
اللافت في هذه القضية وما أثار شكوك المراقبين وأكثرَ من علامات الاستفهام حول “لمسات” محتملة لـ”الحزب” في هذه المسألة، هو أن تدخّل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حصل بعد أيام على توقيف ياسين، الذي ادّعى عليه القاضي سامي صادر بتهمة تبييض الأموال بعد التحقيقات الأولية معه، ومن خلال رسالة وجَّهها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى القضاء اللبناني يؤكد فيها أن هذه الأموال تعود إليه، وطالباً من القضاء استردادها!. من هنا، القضاء أمام مسؤولية كبيرة لتأكيد هيبته وإظهار الحقائق وعدم الخضوع لأي ضغوط في هذه المسألة، والتأكيد بأن القضاء هو الركن الأساس في عملية استعادة الدولة لسيادتها ودورها ومسؤولياتها وسيادة القانون على الجميع.
في هذا السياق، يلفت رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض، إلى أننا “أمام عملية تهريب أموال عبر مطار بيروت الذي يخضع لمراقبة دولية كبيرة وهناك من يتربَّص به شراً لإلحاق الأذى به، وربما اليوم بدأت تتكشَّف أسباب عدم موافقة جماعة “الحزب” يوماً على إنشاء مطار ثانٍ وثالث ورابع، واليوم بدأت تتكشَّف أسباب قيامهم بعملية “7 أيار” على خلفية كاميرات المراقبة في مطار بيروت لأحد المدارج والذي كانت تحطّ عليه وتطير منه الطائرات الخاصة. اليوم تنكشف كل الأمور والحقائق”.
محفوض يشير عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن هناك “إشارات وملاحظات برزت من خلال هذه القضية تأخذنا إلى مكان آخر. أولاً، تبيَّن بوضوح أنه منذ تأسيس “الحزب” في العام 1985 في إحدى حسينيات الضاحية الجنوبية، لم تكن في أي لحظة مصادر أمواله شرعية أو مشروعة، أو تمرّ عبر القنوات الطبيعية القانونية. فالتبرّعات وحملات التبرّع ليست عيباً، وليس عيباً وجود شخص يساعدك، العيب أن تكون هذه الأموال، لا مصدرها شرعي ولا طريقة دخولها إلى لبنان شرعية”.
الملاحظة الثانية الأساسية، بحسب محفوض، هي أنه “إذا كنا اليوم نكتشف هذه العمليات لتهريب الأموال في لحظة استعادة الدولة لحضورها ومؤسساتها ودورها وحيث بدأت تمارس سلطتها وسيادتها، بالتالي كم من مليار دولار تمّ إدخاله وإخراجه من لبنان بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب؟”.
الملاحظة الثالثة، يضيف محفوض، هي أنه “لم يقل أحدٌ مرةً بأن منظمة”الحزب” هي ملاصقة للواقع الديني الشيعي في لبنان، فلماذا يزجّون بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، هذه المرجعية الأمّ التي تمثّل الطائفة الشيعية في لبنان، بهذه القضية؟. لماذا يزجّون بمؤسسات مرجعية نعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الجمهورية اللبنانية، ليقولوا بأن الأموال هي من هذا المصدر ولهذا المرجع؟. لا، هنا الخطورة في ما يقوم به الحزب”.
إشارة وملاحظة رابعة يسجّلها محفوض في هذا الإطار لجهة “أين تُصرف هذه الأموال؟. إذا كانت الأموال لمساعدات فيجب تبيان هذه المساعدات وكيفية توزيعها ولمن سيُصار توزيعها. أيضاً في هذا السياق، إذا كانت هذه الأموال لإعادة الإعمار، فمبلغ 2.5 مليون دولار لا يعيد إعمار مناطق وقرى ومنازل ووحدات سكنية إعادة بنائها وترميمها تُكلِّف مليارات الدولارات”.
يضيف محفوض في السياق ذاته: “من هي الجهة المخوَّلة بمراقبة صرف هذه الأموال؟، ماذا لو كانت هذه الأموال نتيجة تبييض أموال؟، ماذا لو كانت نتيجة تهريب؟، ماذا لو كانت هذه الأموال مصدرها أعمال مشبوهة؟. كل هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها إلا من خلال الأطر القانونية”.
محفوض يؤكد على أن الأساس والأهم، هو أن “من يريد إدخال أموال إلى لبنان عليه العودة إلى المراجع المختصة، وأن يبرِّر مصدر وكيفية دخول هذه الأموال، والقانون واضح في هذا الإطار، فنقل الأموال من وإلى لبنان له أصول وقوانين وإجراءات، والقانون رقم 42 تاريخ 24 تشرين الثاني 2015 يوجب التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود عندما تفوق قيمتها مبلغ 15 ألف دولار أميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية الأخرى”.
محفوض يشير، إلى أن “هذه الجماعة، أي “الحزب”، يبدو أنها مصرّة على الضرب بكل القوانين عرض الحائط، هي جماعة اعتادت ألا تعرف شيئاً اسمه مخالفة قانونية، أو شيئاً اسمه فاتورة كهرباء، أو ما هو المخفر؟، وما إلى ذلك، هذه الجماعة تعرف بأن التهريب “ماشي” ومطار بيروت في خدمتهم و”صندوق رايح وصندوق جايي”، تحت ذريعة ما يسمَّى بـ”المقاومة”. ما لم تفهمه بعد هذه الجماعة أن لبنان جمهورية ذات سيادة، وإنفاذ القانون على الجميع، لكن الواضح والأكيد أنه عليهم أن يعتادوا تدريجياً بأنه صار لدينا دولة”.



