
جوزف القصيفي
خوف وليد جنبلاط على مستقبل وحدة سوريا، وتماسك طائفة الموحدين الدروز ليس مجرد استنتاج، وهاجس لا وجود له على أرض الواقع. وهو مقتنع تمام الاقتناع بأن إسرائيل تريد أن تجعل من الدروز حرس حدود لها وتسخر في سبيل ذلك كل الوسائل التي تمكنها من تحقيق هدفها. وأن النشاط الذي يقوم به الشيخ موفق طريف يصب في خدمة هذا الهدف. ولطالما كان أبناء الطائفة في الجولان المحتل وفي الجانب السوري من الحدود مع فلسطين المحتلة يجاهرون بانتمائهم إلى سوريا ويعتبرون أن وجودهم كمكون مذهبي يتعزز بعمقهم العربي، ويتلازم مع دورهم التاريخي منذ وجودهم في لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وحلولهم في مناطق إستراتيجية في هذه البلدان. وتقول مصادر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي انه يمتلك معلومات دقيقة عما يقوم به الكيان العبري ترغيبا وترهيبا من أجل تنفيذ مخططه، والاموال التي تنفق في هذا السبيل، والضغوطات التي يتعرض لها دروز سوريا لتبديل مسارهم التاريخي والذهاب نحو خيارات طالما أجمعوا على رفضها. وأن القلق هذه المرة اكثر من جاد لأن الوسائل المستخدمة تأخذ منحى تصاعديا، ينذر بالاسوأ، ويعرض وحدة الطائفة لاخطار حقيقية تضعفها وتعطل دورها وتشل قدراته، وتجعلها طائفة هامشية. وهو قرر التصدي لها بكل ما أوتي من قدرات وامكانات، وأجرى إتصالات دولية وعربية للمساعدة على فرملة اندفاعة بنيامين نتنياهو، لكي يقيم شريطا عازلا في جنوب سوريا لحماية كيانه الغاصب. وثمة استغلال واضح للحال الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في البلاد،ولاسيما المناطق الدرزية نتيجة الحرب في سوريا، ثم سقوط النظام السابق، وعدم الاستقرار، وضبابية المشهد العام على أثر الانقلاب الذي اطاح ببشار الاسد. إن هذا الواقع المستجد آثار حفيظة رجب الطيب أردوغان وخشيته، لأن آثار هذه المحاولة الإسرائيلية اذا قيض لها النجاح ستمتد إلى مناطق النفوذ التركي في الداخل السوري، اذا ما وظفت تل ابيب الورقة الكردية التي لم تطو فصولها بعد،وتم الاتصال بين الجيب المستحدث في الجنوب،ومناطق قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، مما يعني قيام منطقة نفوذ عبرية على الحدود السورية – التركية. ومن شأن ذلك تأجيج الصراع الإقليمي ذي البعد الدولي، وإبقاء المنطقة في حال توتر مستمر، لا يخدم الاستقرار فيها، اللهم الا استقرار اسرائيل، لتبقى لها اليد الطولى في تقرير السياسات وتوجيه البوصلة العسكرية والامنية بما يهدم مصالحها الاستراتيجية. وهكذا تحولت سوريا إلى منطقة صراع نفوذ إقليمي إسرائيلي – تركي تستخدم فيها جميع الأسلحة وتمثل فصولا على ارضها من دون أن تصل المواجهة إلى حد الحرب المباشرة. واذا كان من الصعب التكهن بمآلات الأمور في سوريا ما بعد الاسد في غياب اللاعبين الروسي والايراني، وعدم القدرة على بناء جيش على انقاض الجيش الذي انفرط عقده، وتفرق بعد سقوط النظام السابق، وتدمير إسرائيل لمنظومة سلاح الطيران والدفاع الجوي، والقواعد الصاروخية، وسلاح المدرعات، والاسطول البحري لهذا الجيش، فإن عدوى هذه الفوضى قد تصل إلى لبنان ،وتزيد الوضع فبه تعقيدا بدءا من الحدود الشرقية التي شهدت في الفترة الماضية تصعيدا غير مسبوق بعنفه سواء على صعيد الاشتباكات على جانبي هذه الحدود، أو الغارات الجوية الإسرائيلية التي طاولت مواقع واهدافا في منطقة الهرمل. وفي انتظار ما ستنجلي عنه العاصفة الواردة من الجنوب السوري، فإن لبنان قد يبقى على رصيف الانتظار، وهو يشق طريقه إلى التعافي بصعوبة ،ولكن بثبات.



