‏”بعد الوجع وقبل الأمل”


كتب سعيد غريّب
 
أمران يحدّدان من انت: “صبرك عندما لا تملك شيئا وأخلاقك عندما تملك كل شيء.”
الشعب اللبناني في معظمه لا يملك شيئا وبرهن على مدى الزمن أنّه عظيم في صبره وواسع في الانتظار وكبير في تسامحه لفاقدي الأخلاق مالكي كلّ شيء وهو يعرفهم حينا ويتجاهلهم أحيانا. وفي ظلّ ضعف الممارسة الديموقراطية وصعوبة تطبيقها في مجتمعاتنا لأسباب عدة أبرزها عدم المحاسبة، تستمرّ الحركة السياسية في لبنان في بحث دائم عن مخارج لتراكم الازمات العميقة   في الحياة السياسية المفتقدة الى المناعة والمحتاجة الى الضوابط بعدما بتنا نحسد الغاب على شريعته. نعم، نحسد الغاب على شريعته حيث لا افتراس الا في حال الجوع ثم انّ أي مخلوق من مخلوقات الغاب لا يفترس أحدا من أبناء جلدته. والافتراس هو سنة الحياة السياسية حيث الغلبة للمصالح الآنية والمال السياسي والاعلام الملاصق له.

هل فقدنا الأمل بانقاذ لبنان من تحت الركام والانقاض وبعودة الصفاء والوئام؟ حتى الخروج النهائي من النفق المظلم تبدو المسيرة طويلة وشاقة ومرتبطة بمجموعة عقد ينبغي حلها عقدة عقدة. فتبدأ من معالجة الواقع الذي افرزته النتائج المؤلمة للحرب على لبنان، وتنسحب الى سبل اعادة الاعمار، وتصل الى لملمة آثار الازمة المالية. ولعلّ التحدي الأكبر يبقى في انتظام العمل المؤسسي للدولة ضمن مفهوم اصلاحي شامل يدعم الكفاءة والنزاهة ويبعد آفات الفساد. لطالما كرر المتعاطون في الشان العام انّ هناك أملا واحدا بالانقاذ يتمثل بقانون انتخابات جديد وعادل ويكون بداية لكل اصلاح في بلد يتوق لأن يتحول الى دولة ووطن، ولكن السؤال – التحدي يبقى: من أين سيأتي هذا القانون، ومن هم صانعوه؟ وهل يمكن أن يأتي النوّاب أنفسهم بقانون لا يأتي بهم من جديد؟ وما مدى جهوزية الناس لقانون يحمل لهم حقا التغيير؟ ثمة فئة مخضرمة من اللبنانيين لا تؤمن بأي تغيير وتذهب بعيدا في تشاؤمها في وصفها للواقع اللبناني بالقول ان كل شعب في هذه الدنيا يستحق حكامه وان المشكلة اللبنانية قديمة العهد وتكمن في “البزرة” التي تصفها بالعاطلة. ولا تدري هذه الفئة ما اذا كان النهوض بوطن وشعب ممكنا بهذه “الهمة ” لدى السياسيين الثابتين منذ زمن على الساحة وبهذا الشك الذي رسمته أعمالهم و”عملياتهم ” وأحقادهم المتبادلة وتمريرهم لتسويات عجيبة من تحت الطاولة وبعيدا من الأضواء خوفا على شعبيتهم.

وسط التحولات العالمية والاقليمية الضاغطة، والتحديات المحلية الشائكة، يسودنا  القلق  من المستقبل. أجل ان مستقبلنا مجهول ولا يعرف أحد عند أية حال سيستقر المصير ومتى وكيف . لهذا السبب تبدو وجوه الناس كئيبة، غاضبة، منهكة، ولعلّ الكآبة هنا ليست من المشاهد المؤذية للعين والقلب والوجدان بقدر ما هي من غموض المستقبل والمصير. لكن رهان شعبنا المفطور على مقاومة الرياح العاتية والصعاب الشاقة يدعوه الى التمسك بحبال الأمل رغما عمن  حشروه بين الموت والحياة  وتصوروا أنه هربا من الموت يقبل بأي حياة. فلا ينتظرن احد من هذا الشعب المطبوع على أجواء الحرية ويحملها في ذاته وعروقه أن يرضى بأي عيش واية حياة! ففي المقلب الآخر للصورة وجه مشرق يتجلى بفضلها وسيكون هذا الاكتشاف بالذات أكبر انتصار. ولن يكون بعده خشية على المستقبل والمصير وسيكون لبنان الجديد ولبنان المستقبل كما نريده نحن أن يكون، كما يريده شبابه الواعد، ولن يعود المستحيل مستحيلا. سيكون خاليا من الموبقات السياسية والمالية والاعلامية.