أمين القصيفي
رسمياً، تعلن جلسة الثقة بالحكومة الجديدة والتي انطلقت أمس الثلاثاء وتُستكمل اليوم الأربعاء، عن أن محور التعطيل والعرقلة، وتسميم الحياة السياسية في لبنان وإخضاعها لمنطق السلبطة والهيمنة والفرض وصرف فائض القوة، في خدمة المغامرات المدمّرة للبلاد والعباد لمصلحة المشاريع الخارجية، بات على مسافة خطوات قليلة من مواجهة الحقيقة المنغّصة لمشاريعه التي لم تجلب على لبنان سوى الخراب والدمار والفقر والانهيار. تلك الحقيقة الساطعة التي ظهرت خلال جلسة الثقة بالعناوين والتعهدات التي تضمّنها البيان الوزاري، تُعلن أن قطار الدولة السيدة على كامل أراضيها والمكتملة المواصفات، انطلق، ولن يتوقف، وهو يسير في اتجاه واحد نحو الأمام، نحو تحقيق ما يصبو إليه اللبنانيون وتطلعاتهم وآمالهم منذ عقود.
ساعات قليلة ويصوّت مجلس النواب على البيان الوزاري الذي تقدَّمت به الحكومة، وبات من المؤكد أن جلسة الثقة ستُفضي إلى أن تنال الحكومة ثقة البرلمان بأغلبية كبيرة. وفي حين، رصد المراقبون السحنات السوداء المقلوبة على وجوه البعض في القاعة العامة في مجلس النواب خلال جلسة الثقة، أمس الثلاثاء، بينما كان رئيس الحكومة نواف سلام يتلو البيان الوزاري أمام النواب ويعلن أن، “أول أهداف الحكومة العمل على قيام دولة القانون بعناصرها كافة، وإصلاح مؤسّساتها، وتحصين سيادتها، والدولة التي نريد هي التي تلتزم بالكامل مسؤولية حماية البلاد، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها حصراً”، كان غالبية اللبنانيين الذين تابعوا جلسة الثقة في يومها الأول أمس عبر الشاشات، يرسمون ابتسامة يحدوها أمل كبير بغدٍّ أفضل، وبدولة فعلية طال انتظارها.
مصادر سياسية متابعة ومواكبة للمرحلة الجديدة عن كثب، تشدد على أن “نقطة الارتكاز الأساسية ما بعد جلسة الثقة ونيل الحكومة الثقة، يجب أن تكون على قاعدة أن أي عمل حكومي وطني يجب أن يكون ضمن روزنامة زمنية محددة، فيمكن أن يتضمن البيان الوزاري للحكومة والذي ستنال الثقة على أساسه نوايا وعناوين وخطوات طموحة أساسية عدة، ويبقى من دون تطبيق. الأساس والمطلوب، أن تقول الحكومة، فور البدء بممارسة مهامها بعد نيل الثقة، أنا أريد أن أحقِّق هذه الخطوات ضمن فترة زمنية محددة. بالتالي، وضع روزنامة زمنية لتحقيق الخطوات المطلوبة والعناوين المرفوعة في البيان الوزاري، أمر أساسي لتحقيقها، وإلا يبقى كل الكلام كلاماً جميلاً، لكن على أرض الواقع، غير قابل للتطبيق والممارسة الفعلية”.
من هنا، تضيف المصادر ذاتها عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني: “المطلوب من الحكومة الجديدة التي ستنال الثقة من مجلس النواب، هو أن تحدِّد ثلاثة عناوين أساسية لمسارها في المدى القريب بعد نيل الثقة، تعمل على إنجازها ضمن ستة أشهر:
العنوان الأول الأساسي، والذي من دونه لا إصلاح ولا قضاء ولا مؤسسات ولا محاسبة ولا مساءلة ولا إعمار ولا استقرار ولا ازدهار ولا شيء، هو أن تبسط الدولة سيادتها بقواها الذاتية على جميع الأراضي اللبنانية. فليس بالصدفة أنه في وثيقة الوفاق الوطني في اتفاق الطائف، وُضعت مهلة زمنية لتسليم الميليشيات سلاحها وبسط سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية. من هنا، المهل الزمنية أساسية لانطلاق قطار الدولة، وبالتالي على الحكومة أن تضع مهلة زمنية محدَّدة وواضحة المعالم لبسط سيادتها على جميع الأراضي اللبنانية، لأنه من دون سيادة ومن دون احتكارها وحدها للسلاح لن تتمكن من تحقيق ما يجب تحقيقه.
العنوان الثاني، هو أن تحوّل الحكومة لبنان إلى ورشة إصلاحات وتغييرات وتحديث وتطوير، ورشة اقتصادية ومالية وإعمارية، وأن يشعر المواطن بأنه أصبح للمرة الأولى أمام دولة حقيقية في لبنان. أي أن هذا الشعور الذي شعر به المواطن اللبناني مع انتخاب بشير الجميل والذي تمكن من فرض الانتظام العام في إدارات الدولة خلال 21 يوماً وحتى قبل أن يتسلَّم مقاليد الحكم، أن يتحوّل هذا الشعور اليوم إلى ممارسة حقيقية بأن هناك دولة وانتظاماً وهيبة ومشاريع وإرادة للتحقيق والإنجاز، وأنه ليس هناك شيء اسمه “خلّونا وما خلّونا”، بل هناك شيء اسمه إرادة لتحقيق ما يجب تحقيقه، ويشعر المواطن بأننا فعلاً بدأنا بمرحلة جديدة يعيد فيها لبنان صياغة علاقاته الخارجية، بدءاً من زيارة فخامة الرئيس جوزيف عون إلى المملكة العربية السعودية، ويعيد ثقة الخارج بلبنان وثقة اللبنانيين بوطنهم وبدولتهم.
العنوان الثالث الأساسي المطلوب أن يكون من الأولويات في الخطوات الملحة المرتقبة من الحكومة، هو المسار المتعلق بالدولة التي تعتبر بأن الاستحقاقات الدستورية في الدستور اللبناني لم توضع من زاوية أنها مسألة شكلية، فالاستحقاقات الدستورية يجب أن تُطبَّق، هناك انتخابات بلدية واختيارية يجب أن تحصل، وانتخابات نيابية يجب أن تتم، وانتخابات رئاسية يجب أن تحصل، بدون تعطيل. وبالتالي، يجب أن تُحسم هذه المسألة بشكل نهائي على قاعدة حاسمة، بأن الاستحقاقات الدستورية ليست وجهة نظر، إنما هي استحقاقات تتعلق بإرادة اللبنانيين بإعادة إنتاج نخبهم وممثليهم في كل الأطر، المحلية والنيابية والرئاسية وغيرها، من أجل انتظام العمل الدولتي المطلوب”.



