عون في أوضح رسالة إلى إيران.. “وجهًا لوجه”

أمين القصيفي

لا يزال اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية جوزيف عون، قي قصر بعبدا، بالوفد الإيراني إلى بيروت والذي شارك في تشييع الأمينين العامّين لـ”الحزب” نصرالله وصفي الدين، الأحد الفائت، يتفاعل في مختلف الأوساط الرسمية والسياسية والشعبية في لبنان. فالرسالة التي أبلغها الرئيس جوزيف عون للوفد الإيراني برئاسة رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني محمد باقر قاليباف، وبحضور وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره اللبناني يوسف رجّي والسفير الإيراني لدى بيروت مجتبى أماني، كانت عين الوضوح والبلاغة بأبهى صورهما، “لبنان تعب من حروب الآخرين ووحدة اللبنانيين هي أفضل مواجهة لأي خسارة أو عدوان.. لبنان دفع ثمناً كبيراً من أجل القضية الفلسطينية ويدعم ما صدر عن قمة الرياض الأخيرة بالنسبة إلى حل الدولتين”.

الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي، يرى أن “لبنان بدأ يستعيد موقعه كدولة مستقلة منذ شهرين مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكوكة جديدة، ومع ما ظلَّل هذين التطورين من مواقف واضحة لجهة السيادة والاستقلال السياسي للبنان، بدءاً بخطاب القسم وصولاً إلى البيان الوزاري”.

يضيف الزغبي، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني: “نعم، إن لبنان استعاد لغته السيادية بوضوح، ووجهاً لوجه، كما حصل في اللقاء المميّز بين الرئيس جوزيف عون والوفد الإيراني الرسمي الذي شارك في تشييع نصرالله وصفي الدين”، لافتاً إلى أنه “ليس تفصيلاً أن يقول رئيس الجمهورية لهذا الوفد، وبشكل صريح ومباشر، “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه”، وطبعاً عبارة “الآخرين” هنا، تعني الوفد الضيف قبل سواه، خصوصاً على مدى الحرب الأخيرة التي كانت إيران وراءها تحت مسمَّى إسناد غزة”.

الزغبي يشير، إلى أن “هذا الموقف السيادي المميّز من رئيس الجمهورية جوزيف عون، يختصر المرحلة التي بدأها لبنان واستطاع حتى الآن أن يضع حدّاً لكثير من التدخلات المباحة سابقاً، خصوصاً من طهران، في الشأن اللبناني. ولعلّ هذه الانضباطية التي التزمها الوفد الإيراني، بدءاً من المطار ووصولاً إلى القصر الجمهوري ومروراً باحتفال التشييع، تؤكد أن إيران بدأت تستشعر تهاوي، أو على الأقل، انخفاض نفوذها في العاصمة العربية الرابعة بيروت، بعدما انهار في دمشق وتقلَّص في بغداد وأُحرج في اليمن”.

الزغبي يلفت، إلى أن “كل المظاهر التي رافقت تشييع نصرالله وصفي الدين، تؤكد أن هذا التشييع كان لمرحلة سابقة أكثر ممّا كان لشخصين لهما جمهور واسع، وأننا دخلنا في مرحلة جديدة، علماً أن اللافت أن مناسبة التشييع كشفت في الوقت ذاته عمق الارتباك الذي يعانيه “الحزب” في تحديد مساره الجديد. ففي كلمة الشيخ نعيم قاسم الشيء ونقيضه، فهو أعلن الوقوف وراء الدولة وتحت سقف اتفاق الطائف، وفي الوقت نفسه أعلن استمرار “الحزب” في المقاومة، أمران متناقضان لا يمكن أن يستمرّا”.

برأي الزغبي، أنه “ربما في ظنِّ الشيخ نعيم قاسم أو لدى قيادات “الحزب” ووراءها طهران، أن المرحلة الماضية يمكن إعادة إنتاجها تحت هذه الإزدواجية. أي استمرار السلاح غير الشرعي تحت عنوان المقاومة، والاستفادة أو استغلال الوضع الشرعي للدولة من خلال الحكومة التي يشارك فيها والإدارات التي يطمح إلى الدخول إليها، والتحكم تالياً بمسار السياسة العامة للبنان”.

وفق قراءة الزغبي، “المسألة غير قابلة بهذا التبسيط لدى قيادة “الحزب” ولدى إيران، لأن الدولة الجديدة في لبنان حسمت أمرها لناحية السيادة في السياسة الخارجية، وهذا ما عبَّر عنه مراراً وزير الخارجية اللبناني الجديد يوسف رجّي، وكذلك رئيس الجمهورية، وبينهما رئيس الحكومة”.

يتابع: “لذلك، فإن إعادة إنتاج المرحلة الماضية بازدواجيتها بين السلاح غير الشرعي وإدارة لبنان، هذه مرحلة تمَّ طيُّها نهائياً. وربما الوفد الإيراني أدرك هذا الأمر، فلم يُسجَّل له أي موقف أو اعتراض علنيّ على هذا التوجُّه، خصوصاً حين تحدث رئيس الجمهورية عن قرار الدولة وسيادتها على مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وكذلك على السياسة الخارجية للبنان الذي هو، أي لبنان، يحددها ويرسمها”.

إذاً، بحسب الزغبي، “نحن أمام تفكيك النفوذ الإيراني الذي لم يتبقَّ منه سوى أصداء متلاشية عن التشييع الجماهيري الكبير، ولعلّ هذا التشييع سيكون من المؤشرات الأخيرة لاستخدام الشعبوية والتحشيد الشعبي لتحقيق مطامع أو أهداف سياسية. فهذه المرحلة من الشعبويات واستخدام الناس للضغط في اتجاه جرّ لبنان إلى محور أو آخر، هذا الأمر بات الآن على مشارفه الأخيرة، وليس في الأفق ما يوحي بأن استخدام الشعبويات على الطريقة التي حصلت، قابل للتكرار في أكثر من مناسبة، بل في تقديرنا كمراقبين أن استخدام الناس بشكل جماهيري لا واعي واستغلال عواطفها، هذا الأمر يضعف تباعاً وسينتهي في مدى متوسط”.

موقع القوات اللبنانية