اختلاجات “الحزب” المختنق.. شتّان ما بين شباط 1987 وشباط 2025

أمين القصيفي

لا تعبّر مواقف “الحزب” وتصرفاته على الأرض، سوى عن مدى مأزوميته العميقة جرّاء الهزائم المتتالية التي يُمنى بها إثر انخراطه في الحرب الأخيرة. وربما لن تكون ممارسات “الحزب” الأخيرة على طريق المطار آخر فصول الاختلاجات المتمظهرة عنه، في المواقف وفي الممارسات، قبل أن يواجه نفسه في النهاية بالحقيقة المرّة، ومن ثم يصارح جمهوره وبيئته بهول الخسارة، لأن عجلة الدولة انطلقت من جديد، ولن ينفع لإيقافها قطع طريق من هنا، أو حرق دولاب من هناك، أو تطاول معيب ووضيع على رئيس الجمهورية جوزيف عون وعلى رئيس الحكومة نواف سلام، بل إن هذا السلوك المستهجن لا يساهم سوى بتعميق الحفرة التي لا يزال “الحزب” يضع نفسه فيها، ويشدد العزلة والخناق عليه أكثر فأكثر، في الداخل والخارج.

عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك، يرى أنه “يمكن وضع ما حصل على طريق المطار في إطار توجيه رسائل من “الحزب” إلى من يعنيهم الأمر، خصوصاً في الدولة اللبنانية، إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بالإضافة إلى كل الأفرقاء السياسيين في الداخل الذين يدفعون اليوم باتجاه إعلاء مشروع الدولة”، لافتاً إلى أن “هذه الرسائل وكأنها اختلاجات فئة مختنقة يقودها “الحزب” تحاول استحضار صور من الماضي، أي حين كان اللجوء إلى القوة واستضعاف الدولة والجيش والقوى الأمنية بمثابة عمليةٍ تدخل في صلب ترسيخ دور “الحزب” في الدولة، خارج إطار الدستور وخارج إطار احترام مفهوم الدولة”.

يزبك يشير عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “هذا الأسلوب نجح مع “الحزب” في السابق أكثر من مرة، ويمكن العودة في هذا السياق إلى “7 أيار” على سبيل المثال لا الحصر. فـ”7 أيار” كان انقلاباً مسلحاً راح ضحيته أكثر من 100 ضحية وجريح، وفرض على الدولة أعرافاً جديدة، وأكل من هيبة الدولة وضرب اتفاق الطائف ضربة قاصمة”، مضيفاً أن “الحزب يحاول اليوم استعادة تلك الفترة والقول للدولة إن لديه عصا، وساعة يقترب مشروعكِ أي مشروع الدولة من الاصطدام بمشروعي أي مشروع الدويلة، نحن مستعدون لضربكِ”.

لكن يزبك يشدد، على أن “الواقع اليوم هو تبدّل الحالة مع انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف الرئيس نواف سلام وتشكيل الحكومة، والذي أتى نتاج نضال كبير أوصل في ما أوصل إليه طبقة سياسية جديدة سيادية وإصلاحية إلى الحكم، لا يمكنها أن تقبل بأي شكل حالةً من حالات التسلط على الدولة بعقلية ميليشياوية قديمة، هذا من الناحية الداخلية البحت”.

يزبك يلفت، إلى أنه “لا يجب أن ننسى أبداً في هذا الإطار أساس الصورة، وهو أن “الحزب” جرّ لبنان إلى حرب مدمّرة لم يستشر فيها أحداً، ودفع ثمنها على مستوى قياداته من الصف الأول والثاني والثالث وقدراته العسكرية، وسقطت حجته للتمسك بالسلاح وسردية توازن الردع. كل هذه سقطت سقوطاً مريعاً وجاءت على لبنان بدمار شامل وعميم، ووقَّع “الحزب” في النهاية صكَّ إذعان هو اتفاق وقف إطلاق النار والاعتداء مع إسرائيل”.

يضيف: “ما نشهده اليوم هو نتائج اتفاق الإذعان هذا وكيف تقرأه إسرائيل بدعم أميركي، وفي الوقت ذاته من الجهة اللبنانية هناك مسألة لا تقبل الشك ولا الجدل ولا التراخي فيها، بأن لدينا التزاماً وقَّعته الدولة اللبنانية ضمن هذا الاتفاق عنوانه الأساسي تطبيق الـ1701 على كامل الأراضي اللبنانية، والتركيز على أهم مندرجاته أي الـ1559 و1680، أي عدم القبول بأي وجود مسلح يأكل من حصة الدولة ويهدِّد أمن لبنان الداخلي فضلاً عن تهديد مصالح الدول الإقليمية القريبة والبعيدة”.

يتابع: “نحن في هذا الواقع. المشكلة عند “الحزب” اليوم بطريقة التعاطي، أكان بخطاب أمينه العام نعيم قاسم، وقبلها بإفلات الموتوسيكلات، وصولاً إلى عمليات التخريب والتكسير والحرق على طريق المطار ومواجهة الجيش، هذه محاولات يائسة بائسة من “الحزب” تستخدم الوسائل القديمة سعياً لتثبيت وضعيته السابقة”.

يزبك يؤكد، أن “كل محاولات “الحزب” للقفز فوق الواقع الجديد الذي دخل فيه لبنان، فاشلة، وهو اليوم مكشوف والدولة مصرّة على لعب دورها، وما يقوم به “الحزب” سيغرقه أكثر فأكثر في حالة التفكك الكامل والطلاق مع بيئته ومع باقي اللبنانيين”، مشدداً على أن “الجيش كان يحافظ على مرفق عام هو عملياً مطار لبنان الوحيد الدولي، وليس مطار رفيق الحريري فقط، وإبقاء الطرق الرئيسية مفتوحة ، فطريق مطار بيروت طريق رئيسية ولا يحق لأحد إغلاقها وممارسة العنف عليها”.

يضيف: “سقط للجيش خلال حفظ الأمن ومنع التعديات على طريق المطار أكثر من 23 جريحاً ولم يطلق الرصاص على أحد دفاعاً إزاء الهجوم عليه، وهذه ليست نقطة ضعف للجيش بل تعني أنه “أمّ الصبي”، وأنه في عزّ غطرسة “الحزب” واستخدام بيئته كمطيّة، مارس الجيش ضبط النفس ولم يتخلَّ في الوقت ذاته عن القيام بواجبه ولم يتراجع عن تنفيذ الأوامر بحماية المرفق العام وإبقاء الطرق مفتوحة وحماية اللبنانيين”.

يتابع: “حبّذا لو يتذكر الحزب ونحن في شباط 2025، أنه في شهر شباط العام 1987 عندما أراد النظام السوري المخلوع فرض مشيئته على لبنان، وهو قوة احتلال، ارتكب ما وُصف بمجزرة ثكنة فتح الله، وسكت وصمت “الحزب” ولم يجرؤ على الرد على هذه العملية التي ارتكبها نظام الأسد حين قتل 23 عنصراً منه تمَّت تصفيتهم وإعدامهم بلا رحمة. أقل ما يقال للحزب، حبّذا لو تتوقف ملياً أمام الفارق بين قوة احتلال أتت وفرضت نفسها على لبنان وعليك ونَكَّلَت وارتكبَت، فسَكَتَّ وصَمَتَّ وتعاملت معها وذهبت إلى سوريا لدعم نظامها لمنعه من السقوط، بينما جيشك اللبناني الوطني يأتي ليحميك ويحمي بيئتك، ولم يُسقط أي قتيل أو جريح منك بل سقط له عشرات الجرحى”.

“على “الحزب” أن يجري هذه المقارنة، والناس لديها ذاكرة. فلا يمكن من جرَّ لبنان إلى كل هذه الكوارث، أن يرفض اليوم “حبّة الدواء” الشافية والإقبال الإيجابي من مختلف اللبنانيين ومن السلطة اللبنانية، على حمايته من نفسه وحماية بيئته من مشاريعه وحماية المرافق العامة. هل ينصاع “الحزب” لمشروع الدولة وينخرط فيه؟، هذا لا يعتبر هزيمة بل كسباً له ولكل لبنان، فيكون دخل إلى الدولة وأقفلنا إلى غير رجعة الأحلام والمشاريع الإقليمية وتغليب مصالح الخارج على المصالح اللبنانية الوطنية العليا، ويكون “الحزب” قد كسب نفسه وخفَّف من حالة الدمار، ونكون عجَّلنا في عملية إعادة الإعمار التي تستفيد منها تحديداً بنسبة 80% على الأقل بيئته المدمّرة. هذه هي العبرة التي يجب أن يكون “الحزب” بصدد التفكير بها بعمق”، يختم يزبك.