علّقوا المشانق… وطبّقوا “القاتل يُقتل”

حبيب شلوق
لم يشهد لبنان في تاريخه هذا العدد الكبير من جرائم القتل الفردية، في نحو شهر وتحديداً منذ انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية ثم تكليف القاضي نواف سلام تأليف الحكومة. صحيح في أيام حروب الأخرين على أرضنا والتي تأثرت فيها مجموعات حزبية معينة وكانت وقوداً لها، شهد لبنان حوادث قتل بالعشرات معظمها طائفية، ولكن اليوم لم يعد جائزاً حصول هذا العدد من الجرائم، مع زوال أكثر من إحتلال ــ ولو بقيت فلول ــ ووصول رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بهذين الزخم والتأييد.
مشكلة لبنان أنه لم يحظَ بوزير داخلية “عندو ركاب” منذ تسوية الدوحة إلى اليوم، لأن التشكيلات الوزارية صارت تأتي بالتوافق. ومَن وصل برضا الجميع استمات لإرضاء الجميع.
نحن اليوم في حاجة إلى وزير داخلية شبيه بالعميد ريمون إده.
ففي عام 1958كلّف الرئيس فؤاد شهاب الرئيس رشيد كرامي رئاسة حكومة رباعية ضمت إليه الحاج حسين العويني وريمون إده وبيار الجميل، لوقف الثورة التي كان يقودها الرئيس صائب سلام متزعماً المسلمين (تدعمه مجموعات مسيحية خجولة من جماعة الرئيس بشارة الخوري والحزب الدستوري)، ضد رئيس الجمهورية كميل شمعون متزعماً المسيحيين وفي مقدمهم حزبا الكتائب بقيادة الشيخ بيار الجميل والقومي السوري الإجتماعي بقيادة أسد الأشقر . وطبعاً نتيجة إقتناع شكّل شهاب حكومة رباعية لم يرَ لبنان بقوتها برئاسة رشيد كرامي ضمّت بين مَن ضمّت العميد ريمون إده وزيراً للداخلية والخطوة الأولى التي اتخذها إده كانت إنشاء الفرقة 16 من شرطة مدينة بيروت وتكليف الضابط عبد الحميد الأحدب قائداً لها ، علماً أن الأحدب قاد لاحقاً انقلاباً على الرئيس سليمان فرنجيه، أُحبط في مهده بانقلاب فولكلوري من “أهل البيت” بقيادة الصديق اللواء أنطوان بركات .
ولإهماد الثورة، رأى فؤاد شهاب أن ريمون إده هو الأفضل من دون منازع في هذا المجال، وكلفه بالتشاور مع كرامي، وزارة الداخلية.
وتسلّم إده الداخلية، ولأنه “لا يمزح” واجهته جريمة قتل 3 مسيحيين في محلة البسطا على يد ابرهيم النابلسي المعروف باسم “التكميل”. فأصدر العميد أمراً للفرقة 16 ، ومشى أمامهم إلى مقر التكميل وإعتقلوه وسلّموه للقضاء.، الذي اصدر بعد أيام قراراً بإعدامه … وأُعدم، استناداً إلى المرسوم الرقم 994 تاريخ 15/04/1959 الذي ينص على أن “كل مرتكب جريمة قتل عن عمد وغير قابل للإصلاح ومحكوم سابق يجب إعدامه”. (القاتل يقتل). وقبل قرار الإعدام ساد تردّد، إذ صَعُبَ على الوزراء السنة الموافقة على إعدام سني. ولكن العميد رأى إعدام القاتل إلى أي طائفة انتمى، فكيف إذا قتل ثلاثة من غير طائفته بعد ضبط ثورة طائفية( المادة 549 عقوبات).
كان ريمون إده يريد إهماد الثورة، وهو تمكن وقاد قوة من الفرقة 16 إلى مكان لجوء “التكميل”، وأتوا به إلى القضاء الذي حكم عليه بالإعدام ، ووقّع فؤاد شهاب القرار وأُعدم.
فؤاد شهاب كان أيضا :”عندو ركاب”.
ولم يجرؤ أحد بعدها على أي عمل إجرامي وانطفأت الثورة.,.
وللمعلومات تبين لاحقاً أن قوة الفرقة 16 التي ذهبت لاعتقال “التكميل” كانت تحمل سلاحاً من دون ذخيرة باستثناء واحد للرد على أي رصاص يواجهها… ولم تطلق رصاصة واحدة.
وللمعلومــــــات أيضـــاً أن تنفيذ الإعدام منذ أيـــام الرئيس بشارة الخوري كان كالآتي : الخوري ( 1943 ــ 1952) 19 حكماً، كمـيل شمعون (1952 ــ 1958) حكـم واحد، فـؤاد شهاب (1958ــ 1964) 2، شارل حـلو (1964 ــ 1970) لم ينفذ أي حـكم، سليمان فرنجـية (1970 ــ 1976 ّ) 4 ، الياس ســركيس (1976 ــ 1982 ) لم ينفذ أي حكم، أميــن الجميل (1982 ــ 1988 ) حكم واحد ، الياس الهراوي ( 1989 ــ 1998 ) 14، اميل لحود (ّ1998 ــ 2007 ) 3 أحكام، ميشال سليمان (2008 ــ 2014 ) لم ينفذ أي حكم، ميشال عون (2016 ــ 2022 ) لم ينفذ أي حكم.